هما زوج وزوجة.. حديثا العهد ببعضهما البعض.. تزوجا منذ شهور قليلة، أو لنقل أيام معدودات.. وها هو رمضان قد أقبل ببهجته المعتادة ولكن هذه المرة “هناك أسرة جديدة”.. حديثة العهد برمضان الأزواج.. وتجهل أن رمضان هذا العام ربما يكون أجمل وأنعم وأرق من رمضان السنوات الماضية.. فكيف يكون رمضان في السنة الأولى زواج؟

كيف نعد لرمضان في السنة الأولى زواج؟ وكيف نجعل التقرب من الله في هذا الشهر الكريم تقربا من بعضنا البعض- زوج وزوجة- فالروح الرمضانية من الأمورِ التي توحد المشاعر، وتخلق جوا من الود بين طرفي العلاقة، وكيف يمكن لنا أيضا أن نصنع عاداتنا الرمضانية المميزة والمختلفة والتي تدوم معنا حتى بعد أن يرزقنا الله تعالى بذرية صالحة.

لنتعرف أولا على تجارب الآخرين في رمضان في السنة الأولى زواج، حتى نعرف كيف كان رمضانهم الأول مع أزواجهم وزوجاتهم فنتعلم من أخطائهم ونستفيد من خبراتهم.

يقول (هـ.ع): “كان لشهر رمضان الأول -الذي حل علي بعدما فارقت حياة العزوبية- خصوصية، حيث قضيت 28 يومًا من أيام الشهر على مائدة أهلي.. فكنت أعود من عملي لأجد زوجتي في انتظاري بمنزل الأهل فنتناول الإفطار وعند حلول موعد العشاء أخرج للمسجد وبعد صلاة القيام أعود إلى مسكني لأقضي قليلا من الوقت مع زوجتي قبل أن يحين وقت السحور.

كان السبب في ذلك هو أن هذا العام شهد زواجي أنا وأخي فكان من الصعب على أسرتنا المترابطة بحمد الله أن تفتقد اثنين من عناصرها في وقت واحد، وأن يخلو مكانيهما معًا من حول المائدة.

أما عن وجه الاختلاف التي تمايز بها أول رمضان زواج، فكان ولله الحمد إيجابيًا إلى حد بعيد، حيث قررنا أنا وزوجتي أكرمها الله أن نجلس سويًا قبيل وقت السحر من كل يوم لنراجع فصلا من فصول حياتنا السابقة، ونقيم إيجابياته وسلبياته، ثم نضع محددات تحكم ما سيأتي علينا من أيام معًا.

كذلك حاولنا تجميع مواضع الخلافات التي تفجر مشكلات الأعوام الأولى من الزواج، وفتحها في تلك الأيام المباركة، لأن أي خصام بالطبع لن يدوم في تلك الفترات الزمنية الطيبة، وبذلك كان المبدأ وهو تأجيل أي مشكلة معلقة لمناقشتها على هامش مناسبة سعيدة، فإذا احتد الخلاف وتخاصمنا، ندرك أن خصامنا لن يدوم سوى دقائق قليلة لأنه ليس من المنطقي أن تمر علينا تلك الأيام ونحن في خصام. وفي رمضاننا الأول بعد الزواج فكرنا كثيرًا، كيف سنقضي أول رمضان لنا في بيتنا في العام التالي.

اختلاف رمضان في السنة الأولى زواج

نهال متزوجة منذ أيام تحكي لنا توقعاتها عن رمضان الأول لها: “رمضان مختلف تماما.. هذا هو بالضبط  توقعي إذا ما سئلت عن تخيلي لرمضان هذا العام، نعم بداخلي مجموعة من الأحاسيس المختلفة.. سعادة ولهفة لكونه رمضان الأول الذي سيمر علي بصحبة زوجي، وقلق وترقب من إحساسي بافتقاد الأسرة والأهل وتحملي المسئولية كاملة وحدي خلال هذا الشهر ولأول مرة خاصة في ظل ظروف تواجدي بصحبته خارج الوطن، إلا أن ثمة شعورا قويا يراودني بأن تلك الظروف الخاصة التي تمر علينا ومع أول رمضان لنا جديرة بأن تعمق مشاعرنا أكثر وأكثر وتفتح مساحات للتعاون وإشعار كل منا للآخر بأنه عوضا عن أهله وأسرته في الوطن تقضي على قلقه وترقبه ليصبح رمضان هذا العام شهرا مختلفا تماما عن كل عام، أمنياتي أن يكون اختلافا جميلا”.

(ر.خ) تقول: “أول رمضان لي كان مميزا بكل المقاييس، فلقد تزوجت قبل رمضان بأيام، وللأسف الشديد كنت مضطرة للطبخ، حيث إن الطعام الجاهز الذي اعتدت أنا وزوجي عليه قبل رمضان، لم يكن صالحا كإفطار لصائمين، ولذلك لم أجد مفرا من الطبخ. فبدأت مع بداية رمضان في شراء العديد من كتب الوصفات الشهية، وحاولت أن أقوم بإعدادها، ولكن مع أول يوم اكتشفت أن الطبخة التي قمت بها لا تمت لشرح الكتاب بصلة”.

لم يكن الأجمل

مريم لها رأي مختلف تماما فرمضان الأول لم يكن الأجمل على الإطلاق فتؤكد أن “أول رمضان بعد الزواج لم يكن أجمل رمضان مر علي في حياتي لأنه حمل ما يشبه الصدمة لتغيير طقوس عائلية عمرها من عمري تقريبا امتدت على مدار جيلين بأكملهم. أول يوم رمضان في عائلتي هو احتفالية خاصة جدا جدا تجتمع فيه العائلة من الأبناء والأحفاد والأخوال والأعمام في بيت العائلة الذي كنت أعيش فيه ويمثل أبي وأمي كبيري عائلتيهما. أنا كنت المضيفة الأساسية بعد زواج كل أخوتي أستمتع بإجهاد إطعام ما يربو عن الخمسين شخصا صائما أو يخطو أولى خطوات الصوم وفق قائمة أعدها الصغار من تفصيلاتهم ورغم الإجهاد إلا أنه يوم لا يأتي في العام إلا مرة واحدة.. أستمتع فيه بالدعوات وضحكات الصغار وتواصل الأجيال والترحم على الأموات والدعاء للأحياء وتبادل الأخبار ومشاريع التواصل والامتزاج بين أفراد العائلة أتأملهم وقد ضاقت بهم طرقات المنزل وسلالمه وردهاته.. فجأة أنسلخ من كل هذا لأنتقل إلى احتفال بين عائلة زوجي بطقوسه البسيطة المميزة ذات الذكريات لهم أما لي.. فرمضان جاء بعد زواجي بمدة ليست طويلة ليحمل معه جملة من التغييرات التي تكالبت على (منزل جديد، وعائلة جديدة وأسرة جديدة وحمل في بدايته..) والأهم محاولة التكيف مع كم التغييرات.. كل هذا منعني من معايشة الجمال في التجربة الجديدة.. لم أشعر بحلاوة رمضان في بيت الزوجية إلا مع قدوم رمضان الثاني مع طفلي الأول الذي أسس بحق عائلتي الخاصة لأنضم إلى اجتماع العائلة هذه المرة بأسرة وكيان وليس كفرد”.

رأي خبراء

هذا عن التجارب الشخصية أما أهل الخبرة فنأمل أن تكون استفادتنا منهم أكبر وأعمق، فعن أبرز المشكلات التي تواجه الزوج والزوجة أثناء شهر رمضان في السنة الأولى زواج تقول أ. نجلاء المستشارة الاجتماعية:

  • أول المشاكل التي تقع فيها الزوجة هي افتقادها لعائلتها الكبيرة ولأهلها وبالتالى قيامها بأعباء البيت وحدها وشعورها أن المسئولية أصبحت كلها على عاتقها ولا أحد يساعدها مثلما كانت عند الأهل، كما أنها تتوقع مساعدة الزوج لها في الأعباء المنزلية في هذا الشهر ولكن الزوج في كل الحالات لا يفعل شيئا قبل الزواج وبعده، وبالتالى تشعر الزوجة بالغضب والعصبية وبعمق الأعباء المنزلية وعندما لا يفهم الزوج سبب هذه العصبية ولا يتفهمها نستطيع  القول إن رمضان الأول بين الأزواج كان التغيير به سلبيا وليس إيجابيا.
  • ولحل هذه المشكلة الأكثر انتشارا بين الأزواج تقول نجلاء محفوظ إن على الزوجة أن تنظم وقتها، وتعطي قدرا من الوقت للاهتمام بنفسها وشكلها ومظهرها فهذا له نتيجة إيجابية جدا على نفسيتها، كما أنها لا بد أن تشعر نفسها بجمال المسئولية الملقاة على عاتقها ولا تأخذها بمأخذها السلبي.
  • من المشكلات المنتشرة أيضا وأحذر منها كل الزوجات هي إهمال الزوجة لنفسها ومظهرها في هذا الشهر على اعتبار أنه شهر الصيام، ولكنني أتمنى أن تهتم كل زوجة بنفسها قدر الإمكان وتظهر بشكل لائق ومقبول وجميل كأن تضع قبل الإفطار مثلا بعض الرتوش التجميلية البسيطة على وجهها وبالتالى تشعر هي بالرضا عن نفسها كما يشعر الزوج بالرضا عن زوجته وحبيبته.
  • بالنسبة للزوج فهو دائما ما يترك كل المسئولية على زوجته ولكن لماذا لا يضع في حسابه الثواب الذي يتقاضاه في هذا الشهر الكريم والحسنة بعشر أمثالها إذا قام بمساعدة زوجته خاصة إذا كانت مجهدة، فأي صنيع جميل سوف يفعله إذا قام بتجهيز الإفطار أو السحور وحده. وبالتالي تشعر الزوجة بالامتنان والسعادة، ويأخذ هو الثواب وكذلك نتيجة هذا الامتنان.
  • الجلوس كثيرا أمام التلفزيون من الأمور الشائعة والسيئة في شهر رمضان فيجب أن يقلل الزوجان من الجلوس أمام التلفزيون ويحددا وقتا محددا ومقننا له حتى لا يسرق وقتهما، كما أن التلفزيون عادة ما يشعر الزوجين بالغربة ويبعدهما عن بعضهما البعض، فيكون ترشيده من الأمور المفيدة جدا لهما.
  • عدم الإسراف في العزومات التي تستهلك الوقت والجهد والمال.
  • من الأخطاء الشائعة أيضا وبكثرة هي الخلاف الزوجي حول “أين سنقضى أول يوم في رمضان؟” فبعض الزوجات تصر على خلق المشاكل مع أن المتعارف عليه اجتماعيا أن الزوجة تذهب مع زوجها أول يوم في رمضان أو في الأعياد عند أهله. وبالتالي فلا داعي لتحويل المناسبات السعيدة إلى أحزان ومشاكل، فالتعامل ببساطة مع الأمور بشكل عام هو الذي يجعلنا سعداء فإذا كانت الزوجة مصممة على زيارة أهلها في أول يوم رمضان فلتذهب إليهم ولكن بعد أن تزور أهل الزوج.

خطة لقضاء رمضان في السنة الأولى زواج

وإذا كنا نبحث عن خطة رمضانية لقضاء رمضان في السنة الأولى زواج فإن نجلاء محفوظ تساعدنا في وضعها قائلة:

  • نبدأ شهر رمضان الكريم بأن نجعله فرصة للتقارب أكثر بين الزوجين.
  • أن نغسل القلوب من أي مشاعر غير ودية بدأت مع الزواج لكي يبدأ كل طرف صفحته الجديدة مع الطرف الآخر.
  • يجب التنبيه إلى عدم تصريح كل طرف للآخر بأنه سوف يبدا معه صفحة جديدة؛ لأن ذلك من الممكن أن يأتي بنتيجة عكسية، ولكن كل ما علينا هو أن يبدأ كل طرف من ناحيته بمسامحة الآخر وحثه بذكاء ورقة ولطف على تغيير معاملته له للأفضل، ويجب أن نؤكد مرة ثانية أن كثرة الكلام دائما ما تأتي بنتائج عكسية.
  • نخصص وقتا لصلة الرحم وزيارة أهل كلا الزوجين.
  • ألا يحاول كل طرف فرض أجندته الدينية أو الاجتماعية لشهر رمضان مثل صلاة التراويح بالمسجد، أو زيارة الأهل أسبوعيا أو … على الآخر، ولكن ما عليه هو عرضها بشكل جذاب وجميل وعلى الطرف الثاني أن يقرر هل يوافق أو يختلف مع بعض البنود والأخرى يرفضها ويجلسان ويتفقان دون ضيق أو ضجر على ما سيفعلونه خلال الشهر سويا أو كل على انفراد.
  • أسوا شيء ممكن يحدث بين الزوجين هو أن يفرض أحدهما رأيه أو خططه على الآخر، فيجب أن يقنعه دون أن يعرضها بشكل حماسي زائد وبدون إلحاح، فالشخص قد يفعل بإرادته أضعاف أضعاف ما يفرض عليه.
  • من المهم جدا معرفة أن المهم في الوقت الذي يقضيه الزوجان مع بعضهما البعض هو الكيف وليس الكم بمعنى أنه قد يكون وقتا قصيرا ولكن كل طرف يحاول إشباع الآخر عاطفيا وحسيا ومعنويا وهذا هو الأهم وليس من المهم أن يقضيا وقتا طويلا يتنازعان خلاله، أو لا يشعران بالرضا من بعضهما البعض.
  • أن يبدأ كل طرف خلال هذا الشهر في التعامل مع الآخر كصديق مقرب وحنون.
  • أن يتذكر كل طرف المميزات التي من أجلها تزوج هذا الشخص وأن يبعد عن ذهنه العيوب التي وجدها في شريك حياته بعد الزواج وعليه أن يتذكر أيضا المزايا التي منحه إياها بعد الزواج فلا يتذكر فقط العيوب ويعيش عليها.
  • من الأمور الصالحة أيضا في هذا الشهر أن يهتم كل طرف من الزوجين بأهل الطرف الآخر وأن يكون أكثر ودا معهم ويتغاضى عن الأخطاء السابقة التي لا يخلو منها أى بيت.

والأهم بين كل ذلك أن يكون هذا الشهر الكريم والمبارك صفحة جديدة بين الشخص ونفسه وبينه وبين ربه.


ليلى حلاوة