بدون تمتع الإنسان عامة والمرأة خاصة بعلاقة وثيقة مع الجمال، وعلاقة مستمرة بين الزواج والجمال، يرضى عن نفسه بها ويتصالح مع مظهره، يصبح هناك خلل ما في الحياة، يصعب معه التمتع بكافة مباهجها المشروعة.

هل سألت نفسك يوما أيتها المرأة: هل كان الجمال حلما من أحلامك؟ وهل احتفظت به وحولته إلى حقيقة رائعة متجددة، أم أنه تسرب من بين يديك. إجابات كثيرة تُسمع من هنا وهناك، تراوغ صاحباتها للهروب من تحري الأمانة الكافية وهي شرط للوصول إلى علاقة رائعة الجمال.

جمال الروح نعم .. ولكن

إذن لا صحة للقول بأنه يكفي جمال الروح، فلا بد من أن يقترنا سويا: جمال الروح وجمال الشكل ليشكلا معزوفة جميلة تتنسم نغماتها المرأة فتتألق وتزدهر ولتحس بالرضا (الجميل) مما يمنحها جمالا إضافيا ومضاعفا، وينمو ويزدهر بالرغم من مرور الأعوام المتلاحقة.

وقد اعترف أطباء التجميل أن الحياة الراضية السعيدة تمنح صاحبها جمالا طبيعيا أخاذا ويجعله أكثر مقاومة للتجاعيد ويمنحه دائما مظهر أصغر بأعوام من سنه الحقيقي.

خطوات نحو الجمال

إذا تنبهت إلى هذه الحقيقة وتمتعت بجمال الروح وما يتضمنه من التسامح الواعي الذي يحمي صاحبته من الأحقاد والمرارة ويجعلها لا تنسى أيضا، فلا تسمح لأحد بأن يكرر إيذائها..

فضلا عن تمتعها بالانفتاح الجميل على الحياة وعدم التعصب للرأي واتساع الأفق ونبذ الجدال وترك الخصام لأتفه الأسباب والتجمل بالصبر الجميل على ما نكره، ليس من قبيل الاستسلام للأمر الواقع، فكما قال شيخنا الفاضل محمد الغزالي رحمه الله، فإن الصبر على ما يمكن تغييره يعد نوعا من البلادة، ولكننا نقصد الصبر على ما لا يمكن تغييره حاليا، ويحتاج إلى بعض الوقت إما لتغييره أو لتقليل آثاره الضارة إلى أقل ما يمكننا والتمتع بالذكاء الذي يقودنا إلى الاحتفال بذلك، بدلا من إهدار العمر في اجترار الألم مما أصابنا.

ومن جمال الروح والشكل معا التمتع بالابتسامة الصافية التي تنير الوجه وتجعل العينين تبرقان بوميض رائع (يحرض) الآخرين على التسابق للتقرب من صاحبة الوجه المبتسم والفوز بقضاء أطول أوقات معها، فالابتسامة ترشح صاحبتها للعيش بذكاء والبعد عن التوقف عند الأمور التافهة، والقفز عليها أولا فأول وتوسيع مساحات البهجة المشروعة في الحياة وأن تمتد الابتسامة لتشمل داخلها فتجعلها لا تخلد إلى النوم -في أغلب الليالي- إلا وهي في أحضان الرضا بالقضاء والقدر واليقين (الجميل) بأن الخالق العظيم يختار لنا الأفضل في كل أمورنا الحياتية ويقدره لنا في أحسن توقيت، لذا تنعم بالتسليم الحقيقي والرائع لتنجو بذلك من الأخطاء الدينية، وتحمي وجهها من التجاعيد الزاحفة على النساء اللاتي يتركن للقلق والمخاوف والأحزان قيادة حياتهن.

الزواج والجمال بعد الزواج

وتتنوع مصادر جمال الروح ونحتاج إلى الكثير لحصرها.. وللخلاص من هذا المأزق نقول إنه يكمن في اتباع صوت الفطرة السليمة وتوخي رضا الخالق واتباع خطوات رسولنا الحبيب صلوات الله وسلامه عليه الذي تمتع بجمال الروح والشكل معا.

ونصل إلى جمال الشكل الذي يتسرب من بين أيدي معظم بنات حواء بعد الزواج وكأن لسان حال الواحدة منهن يقول: لقد فزت بالزواج وهذا يكفيني.. وتستريح نفسيا، وقد تبالغ في هذه الاستراحة فتهمل في مظهرها وتتمادى في ذلك وتفيق على صدمات مؤلمة.

ولعل أول ما يتبادر إلى الذهن هو خيانة الزوج لها، أو زواجه بأخرى، وهذا أمر وارد بالطبع ويتكرر كثيرا وتكثر -عندئذ- صرخات الزوجة وشكواها من غدر الزوج.. و..

وهناك مواقف أخرى مؤلمة وهو استمرار الزواج ولكن مع إلقاء الزوج كلمات جارحة على مسامع زوجته، عند مشاهدته لجميلات الشاشة الصغيرة من مذيعات وفنانات، وبالطبع لا تصمت الزوجة، بل تلجأ إلى النيل من زوجها واتهامه بأنه السبب في التدهور الذي لحق بجمالها، فضلا عن معايرته بما طرأ عليه بعد الزواج من تغير في المظهر، أو طعنه في ذوقه أو أي شيء آخر، وتنشب مشاجرة، وتتكرر كثيرا لأن الزوج يدرك نقطة ضعف زوجته وهي شعورها بتناقص نصيبها من الجمال.

ويقودنا الذكاء هنا للتوقف عن توجيه (اللكمات) إلى الزوج واتهامه بكل ما هو سيئ ليكف عن تلك الكلمات الجارحة، والأفضل هو استبدال العمل على استرداد الجمال الضائع بدون أي تردد، بها فورا، والتخطيط المرن والواقعي للتخلص من الوزن الزائد، وإعادة الرونق للمظهر داخل البيت وخارجه أيضا، والسعي الجاد لاكتساب المظهر الشاب بطرق طبيعية عن طريق الماسكات الطبيعية وفقا لنوع البشرة، وعدم التكاسل عن ذلك بحجة أنه لا يوجد وقت لذلك، وأن النساء (المرفهات) هن اللاتي يمتلكن هذه النعمة الغالية.

جمال بأقل التكاليف

فالحقيقة أن كل امرأة تستطيع الحفاظ على جمالها بأقل التكاليف وبالطرق الطبيعية، وذلك لا يحتاج إلى الوقت الكبير، وكل ذلك يعتمد بالأساس على توافر الرغبة الحقيقية لدى المرأة للحفاظ على رصيدها من الجمال والسعي -بجدية- وبلا مبالغة مرفوضة، لزيادته بأساليب طبيعية، وبطرق ذكية مثل ارتداء الأزياء المشرقة، وبعيدا بالطبع عن التصابي المرفوض، فلا بد من ملاءمة الزي للسن وللمكان الذي ستتوجه إليه، أما داخل البيت فلا حرج أن ترتدي ما تريد من ألوان التصميمات مع ضرورة الحذر من ارتداء الملابس المكشوفة خارج غرفة النوم، حتى لا يتسبب ذلك في إيذاء أولادها نفسيا، ولتحتفظ بهيبة الأم في أعين أولادها، ولتصون حرمة العلاقة الزوجية أيضا، كما أن ذلك يمنحها شيئا رائعا وهو عدم اعتياد زوجها على رؤية مفاتنها ليلا ونهارا، وهو ما يفقدها الجاذبية عند زوجها، وبالتأكيد هذا ما يثير ضيق أي زوجة، وعليها فعل كل ما يمكنها لتجنبه، فبالإضافة إلى التحفظ في ارتداء الملابس المكشوفة خارج حجرة النوم، يجب عليها أيضا التجديد في مظهرها، داخل البيت وارتداء ملابس شبابية التصميم وزاهية الألوان، ونبذ الألوان الغامقة التي تضفي عليها سنوات إضافية.

وعليها أن تكف عن الإهمال في تسريحة الشعر وضمه بأي صورة متعجلة، بل عليها التجديد في مظهر شعرها أيضا، والتفنن في اختيار شرائط وحلي الشعر بألوان مختلفة وأشكال مبتكرة، مع ضرورة عدم تغطية الشعر داخل المنزل، إلا مع وجود الغرباء ممن لا يجوز الكشف عن الشعر أمامهم، أما فيما عدا ذلك فلا بد أن تقوم المرأة – خاصة المحجبة – بكشف شعرها (في حدود الشرع طبعا) ليحصل على قدر كاف من التهوية اللازمة لصحته ولمنع تساقطه، وحتى لا تبدو في صورة غير جميلة، فالشعر كما يقال هو تاج المرأة. وهنا يجب المسارعة إلى الاهتمام بالشعر، وعدم التسامح مع ذلك، حتى لا تعتاد المرأة على مظهرها، ويتسلل إحساسها به إلى داخلها فتتصرف مع نفسها وكأنها عجوز توشك على توديع الحياة، فتنسحب الحياة تدريجيا من داخلها، وتفقد الاهتمام بجمالها، فيتناقص رصيدها منه بأسرع مما تظن مما يلقي بالظلال السيئة على حالتها النفسية.

بدلا من المرارة

إحدى السيدات روت في مناسبة ما كيف عن شعورها البالغ بالمرارة عندما التقت صديقة سابقة بعد مرور أكثر من عشرين عاما على التخرج، وسرعان ما قارنت نفسها بهذه الصديقة فلم تأت المقارنة لصالحها، رغم أنهما في نفس العمر، فقد تفوقت عليها الصديقة بصورة ساحقة، حيث بدت أصغر سنا وأكثر رشاقة، وأفضل من ناحية الثقة بالنفس ومن حيث الإقبال على الحياة وتحقيق الذات أيضا، على الرغم من أن الصديقة الجميلة ليست امرأة عاملة، أي أنها اهتمت بنفسها من أجل نفسها ولصالح زوجها ولتفوز بالمكاسب الدينية أيضا، فقد جاء في الحديث النبوي أن من ضمن صفات الزوجة الصالحة أن يسر الزوج إذا نظر إليها.

والمؤلم لهذه السيدة هو تعليقات زوجها وأولادها، الذين أكدوا على استحالة أن تكون والدتهم وهذه الصديقة من نفس العمر و من خريجي نفس العام وراحوا يتبارون هل تبدو أمهم أكبر منها بعشر سنوات أم بأكثر من ذلك، ولم يشعروا بمدى الجرح الهائل الذي تشعر به بداخلها.

دعوة للتغيير قبل فوات الأوان

وتعترف هذه السيدة فتقول: لقد أشفقت على نفسي من تجدد الجرح كلما قابلت صديقتي تلك أو سمعت صوتها، كما فكرت أن الابتعاد عنها هو أفضل شيء سيجعلني أنسى ما حدث لي من ذبول بل وموت لجمالي، وربما يجعل ذلك زوجي وأولادي ينسون أيضا.

ولهذه الزوجة ولكل من تفكر مثلها نقول: من المؤلم أن تشعري بهذا الإحساس، وبالطبع نحترم ألمك ونتعاطف معه، ليس من باب الشفقة ولكن من باب الدعوة لتغييره فورا وعدم الاكتفاء بالتباكي على ما حدث.. ولو قاطعت صديقتك فإن ذلك لن يحل المشكلة، فستلاحظين الجميلات في كل مكان، والحل الوحيد هو التشبث بالذكاء والبدء فورا في تخصيص بضع دقائق يوميا لإصلاح ما أفسدته بيديك، ولا تلومي أحدا، ولا حتى نفسك، فبدلا من إضاعة الوقت أو الجهد في لوم نفسك امنحي نفسك هذا الوقت، وتعويض ما فاتك بأسرع وقت، ولا تلتفتي إلى أي تعليقات سخيفة قد تصدر من أي جهة كانت، وتجاهليها تماما أو أوقفيها -بدون عدوانية- إذا ما زادت، وانظري إلى المرآة وتخيلي صورتك التي تحبينها وضعيها في ذهنك، واقتربي منها يوما بعد يوم قدر الإمكان، وتذكري دائما أن الله جميل يحب الجمال، وكل مخلوقات الله بها جمال فتان، فكيف لا تنضمي إليهم.

ولا تنسي أنه لا يوجد شيء يبقى على حاله، فإما يزيد أو ينقص، ولذا حافظي على زيادة نصيبك من كل من جمال الشكل والروح دائما ولا تقارني نفسك بالأخريات وافعلي ذلك من أجلك أنت ولأنك تستحقين أن تعيشي بأفضل صورة ممكنة، فلماذا تبخلين على نفسك بذلك، ولا تسمحي لنفسك بمخاصمة الجمال يوما واربحي دائما مكاسبه الرائعة ومنها تجدد الإحساس بالرضا بشرط عدم المبالغة في جمال الشكل والاهتمام أيضا بجمال العقل وتنميته بالقراءات والهوايات وبحسن تمضية أوقات الفراغ وبذا فقط تصبحين جميلة الجميلات في كل سن وتحت أية ظروف ويصبح الجمال اختيارك الدائم في كل مجالات الحياة.


نجلاء محفوظ