القرآن العظيم هو الروح والرحمة لهذه الأمة الإسلامية ، وهو المنَّة الكبرى ، التي امتن بها على عباده ، والنعمة العظمى في الدنيا ، المتصلة بخير الآخرة ، لا تفنى عجائبُه ، ولا تعد ولا تُحصَى معانِيهِ وفوائدُه ، فهو كلامُ اللهِ اللطيف الخبيرِ ، العليم الحكيم ، الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، تنزيلٌ من حكيم حميد . ولهذا حثنا اللهُ سبحانَهُ على قراءته وسماعه ، وفهم قواعد تدبر القرآن الكريم ، ففي قراءة القرآن وفهمه وتدبُّرِه ، والعملِ بِهِ ، هدايةٌ وصلاحٌ ، وسعادة ونجاة ، وشفاءٌ للفردِ وللمجتمع والأمة جميعا ، من جميع أمراضهم الحسية والمعنوية ، وتلبيةٌ لحاجاتِهِم الدنيوية والأخروية ، قال تعالى : { وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلاَّ خَسَاراً } الإسراء : 82.
والله عزَّ وجل هو الذي خَلق عباده ، وهو أعلم بما يصلحهم وينفعهم ، وما يفسدهم ويضرهم ، قال تعالى : { ألا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ } الملك : 14.
أي : كيف لا يعلم أحوالهم ؟! وهو اللطيف بهم ، الخبير بأحوالهم وأعمالهم ، والإنسان هو الإنسان ، حيثما كان .
وقال الله تعالى : { إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا * وَأَنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا } الإسراء : 9 ــ 10.
فقوله تعالى ذكره : ” إنَّ هذا القرآن الذي أنـزلناه على نبينا محمد ﷺ ، يرشد ويسدّد من اهتدى به { لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ } يقول : للسبيل التي هي أقوم من غيرها من السبل ، وذلك دين الله الذي بعث به أنبياءه وهو الإسلام ، فهذا القرآن يهدي عباد الله المهتدين به إلى قصد السبيل ، التي ضل عنها سائر أهل الملل المكذبين به “. ( الطبري ) .
وعن عمر رضي الله عنه قال : قال رسول لله ﷺ : ” إنّ اللهَ تعالى يَرفعُ بهذا الكتاب أقْواماً ، ويَضعُ به آخرين” . رواه مسلم .
وقد جعل الله تعالى القرآن الكريم ، معجزة دائمة للرسول ﷺ : وحجةً لأمته ، على مدى الأيام ، فقال تعالى : { وإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ * فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ } البقرة : 23-24.
وقد تكفَّل الله تعالى بحفظ كتابه العظيم : كما قال سبحانه : { إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ } الحجر : 9.
فلا يستطيع جبَّارٌ أو مُلحد أن يبدِّله ، أو يزيد فيه أو ينقص منه ؛ وكما جاء في الحديث : ” وأنزلتُ عليك كتابًا ، لا يغسله الماء ” . رواه مسلم .
ومن فضل الله العظيم علينا : أنَّ القرآن الكريم ، كلام الله تعالى الذي أنزله على خاتم رسله ، محمد بن عبد الله ﷺ ، قد أنزله الله بلغةِ العرب ، لسانِ النبي محمد ﷺ وقومه ، فكان تشريفاً لجميع العرب ؛ كما قال تعالى : { وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ } الزخرف : 44 .
وحُجة عليهم ، لأنه بلسانهم الذي يتكلمون به ، ويفهمونه ، ويسهل عليهم تدبره .
ومن الأسباب الداعية إلى تدبر القرآن : أمْرُ الله تعالى لنا بذلك ؛ بأنْ نقفَ مع آياته الكريمة ، وأنْ نفهمها ونتدبرها ، وأنه ما أنزل القرآن الكريم إلاّ من أجْل أن يُتأمل ويتدبر ، ليعمل به ويمتثل ، كما قال سبحانه وتعالى مُقرّراً أنه قد أنزله مباركًا ليدبروا آياته ، وليتذكر أولو العقول : { كتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الأَلْبَابِ } ص : 29 .
فهذه ” اللام ” في { ليَدّبّروا} و { ليتذكر} لام الغاية والحِكمة ، فمن لم يأخذ حظَّه مَن تدبر القرآن العظيم ، لم يأخذ حظّه من بركته وهدايته ، فعلى قدر سعيك في الفهم والتَّدبُّر والتأمل ، يكون حظك من بركة هذا الكتاب العظيم ، وعلمه وفضله ، وهدايته ونوره .
وقد وَصَف اللهُ جل جلاله القرآن الكريم في مواضع بالبركة ، فقال : { وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ مُصَدِّقُ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَلِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَهُمْ عَلَى صَلاتِهِمْ يُحَافِظُونَ } الأنعام :92 .
وما ذكره جل وعلا في هذه الآية الكريمة من أنَّ هذا القرآن مبارك ، أكّده في مواضع متعددة من كتابه ، فقال تعالى : { وَهَذَا ذِكْرٌ مُبَارَكٌ أَنْزَلْنَاهُ أَفَأَنْتُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ } الأنبياء :50 .
أي : هذا القرآن العظيم ذكر مبارك ، أي : كثير البركات والخيرات ؛ لأنَّ فيه خير الدنيا والآخرة ، ثم وبَّخ من ينكرونه بقوله : {أفأنتم له منكرون } أفأنتم أيها القوم لهذا الكتاب الذي أنزلناه إلى محمد منكرون ، وتقولون هو { أضغاث أحلام بل افتراه بل هو شاعر فليأتنا بآية كما أرسل الأولون } .
وكقوله تعالى : { وهذا كتابٌ أنزلناه مباركٌ فاتبعوه واتقوا لعلكم تُرحمون } الأنعام : 155.
وقوله فيها أيضا قبله : { وهذا كتابٌ أنزلناه مباركٌ مُصدّق الذي بين يديه } الأنعام : 92.
والبركة : هي النَّماء والزيادة ، والثبات والدّوام ، فقرّر بهذه الكلمة نَعْتينِ عظيمين للكتاب العزيز :
1- وفْرة عطائه وكثرته .
2– دوام نفعه وتجدّده واستمراره .
قال سبحانه : { قلْ لو كانَ البحرُ مداداً لكلماتِ ربي لنفدَ البحر قبل أن تنفد كلمات ربي ولو جئنا بمثله مدداً } الكهف : 109 .
فنرجو الله تعالى السميع القريب المُجيب ، أنْ تغمرنا بركات هذا الكتاب العظيم المبارك ، بتوفيقٍ منه تعالى لنا لتدبر آياته ، والعمل بما فيها من الحلال والحرام ، والأوامر والنواهي ، والمكارم والآداب ، امتثالاً واجتناباً ، إنه سميع الدعاء .
ولذا فقد حثّ الله سبحانه على تدبّر كتابه : لاستخراج ما فيه من خيرٍ متجدّد ، لا يزول ولا يَحول ، ولا يَغِيض ولا ينقص ، فهو لا يَصْلُحُ لكلِّ زمانٍ ومكانٍ ، وعصرٍ ومصرٍ فحسـب ، بل هـو يُصلِح كلّ زمان ومكان ، وفرد ومجتمع ، ويقوّمه ويقيمه على سواء الصراط ، كما قال عز وجل : { إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً كَبِيرا } الإسراء : 9 .
وقد يسر الله حفظ وتدبّر وتلاوة كتابه للناس : قال تعالى : { ولقد يسَّرنا القُرآنَ للذّكرِ فهلْ من مُدَّكر } القمر : 22.
قال السُّدي : يَسَّرنا تلاوته على الألسن .
وقال الضحاك عن ابن عباس : لولا أنَّ الله يسّره على لسان الآدميين ، ما اسْتطاع أحدٌ من الخَلق أنْ يتكلم بكلام الله عز وجل .
فالله تعالى سهَّله لهم في الحِفظ والقراءة ، فيمكنهم حفظه بسهولةٍ ويسر ، ولم يكن شيءٌ من كتب الله تعالى يحفظ عن ظهر القلب ، غير القرآن .
وأيضا سهّله لهم للاتعاظ والتذكّر به ، حيث أتى فيه بكل حكمةٍ وموعظة وعلم ورشاد .
وجعله بحيث يعلق بالقلوب ويستلذ بسماعه ، ولا يسأم من سمعه وفهمه ، ولا يقول : قد سمعته فلا أسمعه ، بل كل ساعة يزداد منه لذة وعلما .
وقوله تعالى : { فهل من مدّكر } أي : هل من متذكرٍ بهذا القرآن ، الذي قد يسّر اللهُ حفظه ومعناه ؟
فسهل الله لنا لفظه ، ويسر معناه ، لمن أراده ، ليتذكر الناس ، كما قال في الآية الأخرى : { كتابٌ أنْزلناه إليك مباركٌ ليدَّبروا آياته وليتذكّر أولوا الألباب } ص : 29 .
وقال تعالى { فإنما يسَّرناه بلسانكَ لتُبشِّر به المُتقين وتُنذر به قَوماً لُدا } مريم : 97.
يعني بيّناه بلسانك العربي ، وجعلناه سَهْلاً على مَن تدبّره وتأمّله .
وقيل : أنزلناه عليك بلسان العرب ، ليسهل عليهم فهمه ، ولتبشِّر به المتقين ، وتنذر به قوما لداً ، واللّد جمع الألد ، وهو شديدُ الخُصومة ، ومنه قوله تعالى : { ألد الخِصام } البقرة : 204.
* وقد شدَّد الله تعالى النَّكير على المُعرضين عن تدبر كتابه الكريم ، والتفكّر في آياته المباركة ، فقال سبحانه : { أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفًا كَثِيرًا } النساء : 82 .
قال الحافظ ابن كثير : ” يقول تعالى آمراً لهم بتدبر القرآن ، ناهياً لهم عن الإعراض عنه ، وعن تفهم معانيه المُحْكمة ، وألفاظه البليغة ، ومخبراً لهم أنه لا اختلاف فيه ، ولا اضطراب ولا تعارض ، لأنه تنزيل من حكيم حميد ، فهو حقٌ من حق ، ولهذا قال تعالى : { أفلا يتدبرون القرآنَ أم على قلوبٍ أقفالها } ، ثم قال : { ولو كان مِنْ عند غير اللّه } أي : لو كان مُفتعلاً مخْتلقاً ، كما يقوله مَن يقول من جهلة المشركين ، والمنافقين في بواطنهم ، لوجدوا فيه اختلافاً ، أي : اضطراباً وتضاداً كثيراً ، وهذا سالمٌ من الاختلاف ، فهو من عند اللّه ” . انتهى .
وقال عزّ من قائل : { أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا } محمد : 24.
قال الطبري : ” يقول تعالى ذكره : أفلا يتدبر هؤلاء المنافقون مواعظ الله ، التي يَعظهم بها في آي القرآن ، الذي أنزله على نبيه عليه الصلاة والسلام ، ويتفكَّرون في حُججه التي بيّنها لهم في تنزيله ، فيعلموا بها خطأَ ما هم عليه مقيمون { أم على قلوبٍ أقفالها } يقول : أم أقفلَ الله على قلوبهم ؟ فلا يعقلون ما أنزلَ اللهُ في كتابه من المواعظ والعبر ؟ ” انتهى .
وقال عز وجل : { قَدْ كَانَتْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَكُنتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ تَنكِصُونَ * مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ سَامِرًا تَهْجُرُونَ * أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ أَمْ جَاءهُم مَّا لَمْ يَأْتِ آبَاءهُمُ الْأَوَّلِينَ } المؤمنون : 66- 68 .
يقول تعالى ذكره : أفلم يتدبر هؤلاء المشركون تنزيل الله وكلامه ، فيعلموا ما فيه من العِبر ، ويعرفوا حُجج الله التي احتجّ بها عليهم فيه؟ { أمْ جاءهم ما لم يأت آباءَهم الأَولين } أم جاءهم ما لم يأتِ من قبلهم من أسلافهم ، فاسْتكبروا عن ذلك وأعرضوا ، فقد جاءت الرسل من قبلهم ، وأنزلت معهم الكتب .
فالتفكر والتدبر والوقوف مع الآيات وتأملها ، أمرٌ دعتْ إليه نصوص متظاهرة ، ولأجله أنزل القرآن العظيم ، ونهتْ عن الإعراض عنه ، والانصراف لغيره .
قال الحسن رحمه الله : ” نزلَ القرآن ليتدبر ، ويعمل به ” .
وقال الإمام ابن القيم في المدارج : ” فليس شيءٌ أنفع للعبد في معاشه ومعاده ، وأقرب إلى نجاته : من تدبّر القرآن ، وإطالة التأمل ، وجمع الفكر على معاني آياته ، فإنها تُطلع العبد على معالم الخير والشر بحذافيرهما ، وعلى طرقاتهما وأسبابهما وغاياتهما وثمراتهما ، ومآل أهلهما ، وتضع في يده مفاتيح كنوز السعادة والعلوم النافعة ، وتثبت قواعد الإيمان في قلبه ، وتشيد بنيانه ، وتوطّد أركانه، وتريه صورة الدنيا والآخرة ، والجنة والنار في قلبه ، وتحضره بين الأمم ، وتريه أيام الله فيهم ، وتبصره مواقع العبر، وتشهده عدل الله وفضله ، وتعرفه ذاته وأسماءه وصفاته وأفعاله وما يحبه وما يبغضه ، وصراطه الموصل إليه ، وما لسالكيه بعد الوصول والقدوم عليه ، وقواطع الطريق وآفاتها .
وتعرّفه النفسَ وصفاتها ، ومُفسدات الأعمال ومُصحّحاتها ، وتعرفه طريق أهل الجنة وأهل النار ، وأعمالهم وأحوالهم وسِيماهم ، ومراتب أهل السعادة وأهل الشقاوة ، وأقسام الخَلْق واجتماعهم فيما يجتمعون فيه ، وافتراقهم فيما يفترقون فيه .
وبالجملة : تُعرّفه الرب المدعو إليه ، وطريق الوصول إليه ، وما له من الكرامة إذا قدم عليه .
وتُعرّفه في مقابل ذلك ثلاثة أخرى : ما يدعو إليه الشيطان ، والطريق الموصلة إليه ، وما للمستجيب لدعوته من الإهانة والعذاب ، بعد الوصول إليه “. انتهـى .
وقال رحمه الله أيضا في كتابه : مفتاح دار السعادة (1/187) : فتبارك الذي جعل كلامه حياةً للقلوب ، وشفاءً لما في الصدور .
وبالجملة : فلا شيءَ أنفع للقلب من قراءة القرآن بالتدبر والتفكر ؛ فإنه جامعٌ لجميع منازل السائرين ، وأحوال العاملين ، ومقامات العارفين ، وهو الذي يورث المحبة والشوق ، والخوف والرجاء ، والانابة والتوكل ، والرضا والتفويض ، والشكر والصبر ، وسائر الأحوال التي بها حياة القلب وكماله . وكذلك يزجر عن جميع الصفات والأفعال المذمومة ، والتي بها فساد القلب وهلاكه .
فلو عَلِم الناسُ ما في قراءة القرآن بالتدبر ؛ لاشتغلوا بها عن كلّ ما سواها ، فإذا قرأه بتفكرٍ حتى مرّ بآيةٍ وهو محتاجٌ إليها في شفاء قلبه ، كررها ولو مائة مرة ولو ليلة .
فقراءة آيةٍ بتفكرٍ وتفهم ؛ خيرٌ من قراءة ختمة بغير تدبر وتفهم ، وأنفع للقلب وأدعى إلى حصول الإيمان ، وذوق حلاوة القرآن .
وهذه كانت عادة السلف ؛ يردّد أحدهم الآية إلى الصباح .
وقد ثبت عن النبي ﷺ أنه قام بآية يرددها حتى الصباح ، وهي قوله { إنْ تعذبهم فإنهم عبادك وان تغفر لهم فإنك انت العزيز الحكيم } المائدة : 118.
فقراءة القرآن بالتفكر ؛ هي أصل صلاح القلب ، ولهذا قال ابن مسعود : لا تهذُّوا القرآن هذَّ الشِّعْر ، ولا تنثروه نثر الدَّقل ، وقفوا عند عجائبه ، وحركوا به القلوب ، لا يكن همُّ أحدكم آخر السورة .
وروى أبو أيوب عن أبي جمرة قال : قلت لابن عباس : إني سريع القراءة ؛ إني اقرأ القرآن في ثلاث . قال : لأنْ اقرأ سورةً من القرآن في ليلة ، فأتدبَّرها وأرتلها ؛ أحب إليَّ ؛ من أنْ اقرأ القرآن كما تقرأ .
والتفكر في القرآن نوعان : تفكرٌ فيه ليقع على مراد الرب تعالى منه . وتفكر في معاني ما دعا عباده إلى التفكّر فيه .
فالأول : تفكرٌ في الدليل القرآني .
والثاني : تفكرٌ في الدليل العياني .
الأول : ففكرٌ في آياته المسموعة .
والثاني : تفكّر في آياته المشهودة .
ولهذا أنزل الله القرآن ليتدبّر ويتفكر فيه ، ويعمل به ، لا لمجرد تلاوته ، مع الإعراض عنه ؟!
قال الحسن البصري : أُنزل القرآن ليُعمل به ، فاتخذوا تلاوته عملاً