لو تأملنا ما حدث مع جيش المسلمين يوم “حُنين” وعددهم يومذاك قارب العشرة آلاف شخص، من ارتباك في بداية المعركة ووقوع خسائر سريعة بل والفرار من أرض المعركة، وتأملنا يوم بدر كمقارنة فقط، وعدد المسلمين يومذاك ثلاثمائة وبضع فرسان، لوجدنا واضحاً تأثير قوانين الأرض وقوانين السماء في المعـركتين.. كلتا القوانين، السماوية والأرضية صحيحة ولا غبار عليها، وتتجسد تلك القوانين على أرض الواقع بمجرد اتباع الخطوات اللازمة للوصول إليها.
ولنسترسل بعض الشيء في هذا المعنى أو المفهوم..
في معركة بدر الكبرى، لم يخرج الرسول ﷺ وصحبه لمعاركة المشركين، فالقوى المادية غير متناسبة ولا متكافئة، والرسول الكريم عليه الصلاة والسلام، أحكم من أن يدفع بالقلة المؤمنة يومذاك إلى التهلكة، وهو ما يزال في بدايات بناء الدولة ونشر الدعوة.
ما حدث أن المسلمين وجدوا أنفسهم وجهاً لوجه مع جيش متحمس خرج ليقتل ويسفك الدماء، وعدده ضعفي عدد جيش المسلمين.. وبالحسابات المادية والقوانين الأرضية، كسب المعـركة شبه مضمون لجيش قريش، الذي اتخذ كافة أسباب تحقيق النصر، من تجهيز الجيش ودعمه بالفرسان ورفع الروح المعنوية للجيش وغيرها من أسباب تحقيق النصر. وفي المقابل، جيش المسلمين لم يخـرج لمقاتلة جيش بل لمحاصرة قافلة لا يحرسها أكثر من أربعين إلى خمسين رجلاً، وتحقيق الهدف أمر سهل وقد لا يحتاج إلى قتال، بل إن خروج الثلاثمائة ما كان سوى نوع من التخويف وترهيب حراس القافلة، رغبة في أن يتم تحقيق الهدف دون إسالة دماء.
الواقع الميداني ووفق قوانين الأرض، النصر شبه مستحيل لجيش المسلمين فيما العكس مع جيش قريش. وبالمقارنة مع معركة حُنين وبحسب القوانين المادية أو الأرضية، كان العدد والعتاد في جيش المسلمين يخدم ويمكنه أن يحقق النصر لهم على جيش المشركين وإن كان عدده لا زال أكبر، ولكن انتصارات المسلمين المتتالية على قريش، رفعت من الروح المعنوية لهم بل وزاد اعجابهم بأنفسهم أن وجدوا عددهم لأول مرة منذ سنوات، يصل إلى اثني عشر ألف مقاتل، الأمر الذي سمح لكثيرين من المسلمين الاغترار بالقوة المادية المتمثلة في العدد والعتاد، حتى قال بعضهم لبعض : ” لن نُهزم اليوم من قلة “..
في الحالة الأولى، معركة بدر، لم يلجأ المسلمون أبداً إلى القوانين الأرضية، لأنهم هالكون لا محالة إن دخلوا القتال حتى احتاروا، والرسول الكريم ﷺ أكثر من الدعاء والتضرع إلى الله وردد الدعاء المشهور: “.. اللهم أنجز ما وعدتني، اللهم إنك إن تهلك هذه العصابة من أهل الإسلام فلا تعبد في الأرض أبداً “. وما كان هذا الدعاء إلا ليقين الرسول الكريم ﷺ أنه ليس من الممكن اتباع القوانين الأرضية، حتى لو كان هو معهم، بجلالة قدره وعظم شأنه ﷺ عند الله، ، فلم يكن من بد سوى اللجوء إلى السماء وقوانين السماء ورب السماء والقوانين كلها، فكان ما كان من نتائج هي أقـرب إلى المعجزة..
لكن حين داخلت خواطر ومشاعر ولو لدقائق قليلة في نفوس المسلمين يوم حُنين، والاغترار بالكثرة، بما يعني الاعتماد على قوانين الأرض ونسيان قوانين السماء ورب السماء والكون كله، مالت الكفة لصالح المشركين لبعض الوقت باعتبار عددهم يومذاك الذي وصل لأكثر من ثلاثين ألفاً، لأن القوانين الأرضية دقيقة ولا تحابي أحداً، مسلماً كان أم غير مسلم.. ولكن بدأ المسلمون التخلي سريعاً عن الأرض واللجوء إلى السماء، فما انتهى اليوم إلا وقد تجسدت قوانين السماء على الأرض مرة أخرى، وانتصر المسلمون يومها، “.. وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ “.
خلاصة الحديث، أنه مهما اتخذت الأسباب لتحقيق النجاحات على الأرض، فلا يُغني ذلك عن اللجوء إلى الله واليقين التام بدعمه وتوفيقه، والتوسل إليه لتحقيق مرادك، وهذا الأمر يمكن أن يُطبق على ما يحدث اليوم في سوريا، فلن تقدر كل قوى الأرض على فعل شيء يحقق النصر للشعب السوري ما لم يتوجه السوريون إلى السماء ورب السماء، فالنصر بيده وهو القادر على أن يسخر الإنس والجن والطير وغيرهم من جنوده سبحانه لتحقيق الهدف المنشود.. وكلما ارتفعت أبصار السوريين وأيديهم إلى السماء، كلما اقترب الوعـد الإلهي بالنصر، والعكس صحيح دون أدنى شك..