أسيء فهم الاختلاف في عالمنا المعاصر، وأصبح للاختلاف معنى الصراع والصدام، ووقع الاضطراب في فقه الاختلاف وتدبيره، واعتُقد أن الاختلاف كلّه شرٌّ، وأنَّ المخالف في الرأي والمعتَقَد يجب رفضه وإقصاؤُه، بل واستئصاله، وظهر على الساحة باحثون ومنظِّرون لهذا الاتجاه من المسلمين ومن غيرهم، وانتشر هذا الفكر وغذّاه الإعلام، فتعددت الجهات الداعية إلى الفرقة والصراع بين الطوائف والفِرق الإسلامية، وبينها وبين المخالف الديني والحضاري.
وفي ظل هذا الوضع المشحون بالنِّزاعات والصراعات، والحروب المدمرة للحرث والنسل، جاء كتاب ” أصول تدبير الاختلاف في القرآن الكريم” من إصدار المعهد العالمي للفكر الاسلامي لمحاولة حل العديد من الإشكالات المرتبطة بالموضوع، والإجابات عن تساؤلاته المطروحة واقتراح الآليات المنهجية للوقوف على المشترك الديني والإنساني، لتدبير الاختلاف بحكمة، وتضييق دائرته ما أمكن، من أجل المساهمة في مشروع: “الكلمة السواء” و”الاختلاف في إطار الجوامع”، ونقض مشروع: “النزعة المركزية الاستئصالية.
كما جاء لمعالجة قضية مهمة من قضايا الأمة، في علاقتها مع الذات ومع الآخر، وبالأخص في وقتنا الحاضر الذي ظهرت فيه مجموعة من ردود الفعل، التي تجاوزت النقاش العلمي، إلى التراشق بالتهم. والسبب في ذلك عدم الوعي بفقه الاختلاف، المؤسس على أصول وضوابط علمية، عاصمة من الفرقة والنزاع، ومساعدة على الوحدة والائتلاف؛ إذ إنَّ الإشكال ليس في الاختلاف، الذي هو سنة من سنن الله تعالى في خلقه، بل في منهجية تدبيره وإدارته، وحسن تسييره وتوجيهه، بما يخدم الوفاق والائتلاف الإنساني.
وبحسب المؤلف تزداد أهمية الكتاب من زاويتين: زاوية الأهمية العلمية حيث تبني هذه الدراسة أن تدبير الاختلاف القرآني مقصد قرآني عام، وهذه الحقيقة العلمية والمعرفية قائمة على استقراء نصوص القرآن الكريم، الداعية إلى الوحدة والائتلاف، والاجتماع على المشتركات والاعتصام بحبل الله. كما تقدم هذه الدراسة إضافة معرفية في موضوع تدبير الاختلاف وتقديم تصحيح معرفي لقضية الاختلاف؛ وتبيان الإشكالات.
أما الزاوية الثانية فمن ناحية الأهمية العملية فتقدم أصولا وقواعد عملية كلية لتدبير الاختلاف وتوجيهه الوجهة الصحيحة التي تخدم المجتمع الإنساني وتتجاوز الخلافات الجزئية والنظر إلى المشتركات الكبرى. وتطرح الدراسة أصوال وقواعد منهجية للحوار لتحقيق التواصل والتعارف والتبادل الحضاري، كما تعالج الدراسة آفات ومزالق العقل والنفس، المؤثرة في اختلاف الرأي الموسعة لدائرة الاختلاف، الحاجبة للحقائق الصحيحة التي يدعمها الدليل والرهان.
الكتاب مقترح لتدبر الاختلاف وبناء الائتلاف وفق الرؤية القرآنية، سواء من حيث بناء الوفاق التام، القائم عىل أصول الدين الكلية التي أمر القرآن الكريم بإقامتها، وعدم الاختلاف فيها، أو الوفاق القائم على المشترك، وإخضاعه للعمل والتطبيق، أو الوفاق القائم عىل قواعد الحوار والجدال بالتي هي أحسن، وهي القواعد المنهجية الموصلة للحقائق اليقينية، التي يقرحها القرآن منهجا للتواصل.
المؤلف في سطور
مؤلف الكتاب هو د.محمد الصادقي العماري، باحث مغربي، ولد عام 1978م، في قرية الزريقات، بمدينة الراشيدية بالمغرب، حصل على شهادة الدكتوراه في العقيدة والفكر الإسلامي، من كلية الآداب والعلوم الإنسانية، فاس، المغرب، عام 2016م. شارك في العديد من المؤتمرات والندوات والملتقيات العلمية داخل المغرب وخارجه. رئيس مركز تدبير الاختلاف للدراسات والأبحاث. له عدد من الأبحاث المنشورة في المجلات العلمية المحكمة.
وللمؤلف مجموعة من المؤلفات، كلها تدخل في مشروعه العلمي، وهو تدبير وإدارة الاختلاف الإنساني والإسلامي، ومن مؤلفاته : (أصول تدبير الاختلاف في القرآن الكريم) – (الأديان السماوية: التأسيس للاختلاف والمشترك العقدي) – (الخلاف في مسالك العلة الاجتهادية وأثره في الفروع الفقهية: دراسة نظرية ونماذج تطبيقية) – (موقف العلماء من الصراعات الفكرية: دراسة في الفكر والمنهج ) – (الحرية وأثرها في الاستقرار والنهضة: دراسة في التأصيل الديني والفلسفي) – (الاختلاف في إطار الجوامع: قراءة في الوحي والاجتهاد الفقهي) – (إدارة التنوع الفكري والعقدي والتأسيس للحوار الحضاري).