مع التقدم السريع في العلوم الطبية وظهور تقنيات علاجية حديثة، أصبح المسلمون يواجهون تساؤلات جديدة حول صحة صيامهم. هل تؤثر بخاخات الربو أو الحقن الوريدية على الصيام؟ ماذا عن التبرع بالدم أو الغسيل الكلوي؟ هذه الأسئلة وغيرها فرضت الحاجة إلى دراسة تجمع بين الفقه الإسلامي والطب الحديث، وهو ما يتناوله الدكتور عبد الرزاق بن عبد الله الكندي في كتابه “المفطرات الطبية المعاصرة (دراسة فقهية طبية مقارنة)”.
يتميز هذا الكتاب بمنهجيته العلمية الدقيقة، حيث يستعرض الأحكام الفقهية المتعلقة بالمفطرات الطبية وفق مقارنة تجمع بين الفقهاء القدامى والمعطيات الطبية الحديثة. كما يقدم رؤية متوازنة بين التشدد والتيسير، مؤكدًا أن الفتاوى ينبغي أن تستند إلى أسس علمية دقيقة، لا إلى تشابهات لفظية أو اجتهادات غير مدعومة بالطب.
إذا كنت باحثًا في الفقه الإسلامي أو طبيبًا مهتمًا بالجوانب الشرعية، فهذا الكتاب يعد مرجعًا لا غنى عنه لفهم القواعد الفقهية التي تحكم المستجدات الطبية في الصيام. واستكشف كيف يجمع الفقه الإسلامي بين الأصالة والتطور العلمي.
أهمية كتاب المفطرات الطبية المعاصرة
يأتي هذا الكتاب استجابةً لحاجة ملحة في الفقه الإسلامي، حيث لم تُدرس المفطرات الطبية الحديثة دراسة تفصيلية تجمع بين أصول الفقه الإسلامي والتطورات الطبية. يوضح الباحث أن دراسة النوازل الفقهية، وخاصة المتعلقة بالعبادات، هي فرض كفاية يجب الاهتمام به، لما له من تأثير مباشر على المسلمين في حياتهم اليومية.
مشكلة البحث
أشار المؤلف إلى أن فقه النوازل المعاصرة من أبرز التحديات التي تواجه الفقيه المعاصر، وجاء بحثه كجزء من منظومة الفقه المعاصر الذي تحفه مستجدات تحتاج إلى حل فقهي. وتتركز مشكلة البحث في :
- وجود فراغ فقهي حول بعض المفطرات الطبية الحديثة، مما أدى إلى اضطراب الفتاوى حولها.
- الخلط بين الأحكام القديمة والحديثة نتيجة الاعتماد على التشابه اللفظي بين المصطلحات الطبية القديمة والجديدة، دون النظر إلى الاختلافات الفعلية.
- التشدد في بعض الفتاوى دون وجود دليل قاطع، مما قد يوقع المسلمين في الحرج دون حاجة.
أهداف البحث
أوضح المؤلف أنه على ضوء موضوع الدراسة وتساؤلاته تتحدد الأهداف، ومن خلال البحث في المفطرات الطبية المعاصرة والتي بينها في النقاط التالية :
- إبراز أهمية دراسة المفطرات الطبية المعاصرة وضوابط الفتوى فيها.
- تحديد الأحكام الشرعية للمفطرات الحديثة استنادًا إلى منهج فقهي مقارن، وبالاستعانة بالطب الحديث.
- توضيح جانب الرحمة في الشريعة الإسلامية وأن بعض المسائل الاجتهادية تسع أكثر من رأي.
- دراسة وتأصيل ما لم يدرس من مفطرات الصيام المعاصرة، واستكمال ما لم يُسْتكمل.
- وضع التصور الصحيح للمفطرات الطبية المعاصرة.
منهجية البحث
اتبع الدكتور الكندي أربعة مناهج أساسية:
- المنهج الاستقرائي: بجمع وتتبع كل النوازل الطبية المتعلقة بالمفطرات من مختلف المصادر.
- المنهج الوصفي: بعرض ودراسة المفطرات الطبية الحديثة وتصويرها وفق أحدث ما توصل إليه الطب.
- المنهج التحليلي: بتحليل النصوص الفقهية والطبية للوصول إلى فهم واضح.
- المنهج المقارن: بعقد مقارنة بين آراء الفقهاء والنتائج الطبية، للخروج بالقول الراجح.
وتناول المؤلف في كتابه المفطرات الطبية المعاصرة القضايا التالية :
- القواعد الفقهية في المفطرات : المفطرات المجمع عليها والمختلف فيها، والتوسع والتضييق في تحديد المفطرات بين الفقهاء، مفهوم “الجوف” عند الفقهاء والأطباء ومدى تأثيره على تحديد المفطرات.
- المفطرات الطبية المعاصرة: يقدم الكتاب دراسة معمقة حول تأثير العلاجات الطبية الحديثة على الصيام، منها:
- ما يدخل الجسم عبر الفم والأنف: مثل بخاخ الربو، واستنشاق غاز التخدير، وقطرات الأنف.
- ما يدخل الجسم عبر الجلد: مثل الحقن العضلية والتجميلية، واللصقات العلاجية مثل لصقة النيكوتين.
- ما يدخل عبر الجهاز التناسلي والشرج: مثل التحاميل الشرجية، والفحوصات النسائية والمهبلية.
- ما يخرج من الجسم: مثل التبرع بالدم، شفط الدهون
- مقارنة بين الفقهاء والطب الحديث : يوضح الكتاب كيف أن بعض الفتاوى القديمة حول المفطرات بُنيت على تصورات طبية خاطئة، مثل الاعتقاد بأن جميع تجاويف الجسم مرتبطة بالمعدة.
قارن الدكتور الكندي في كتاب “المفطرات الطبية المعاصرة (دراسة فقهية طبية مقارنة)” بين أقوال الفقهاء في المذاهب الأربعة حول بعض المفطرات الطبية الحديثة، ويوضح الرأي الأرجح في ضوء المعطيات الطبية الحالية.
أهم النتائج والتوصيات
خرج الدكتور عبدالرزاق الكندي في نهاية بحثه بمجموعة من النتائج والتوصيات :
- أنَّ دراسة النوازل والمستجدات المعاصرة المتعلقة بالعبادات والمعاملات من الواجبات الشرعية على الفقهاء المعاصرين.
- أهمية توفر الشروط اللازمة للإفتاء في النوازل المعاصرة عند من يتصدى للنظر والإفتاء فيها؛ لتخرج الفتوى سليمة من الشطط.
- ضرورة إشراك أصحاب التخصصات المتعلقة بالنازلة، وإلا لفقدت الفتوى شرعيتها وصوابها؛ لأن الحكم على الشيء فرع عن تصوره، ولا يمكن التصور الصحيح إلا من صاحب التخصص.
- أن الشريعة أعطت الطب اهتماماً كبيراً، وحثت على الطب التجريبي، وحررت الطب من الخرافة والشعوذة.
- أن جهود العلماء المسلمين في الطب سبقت الحضارات الأخرى في الطب التجريبي التشخيصي والتشريحي والعلاجي بنوعيه العلاجي الوقائي، وتوصلوا إلى نتائج كبيرة لازال الطب المعاصر يعتمد عليها، مثل اكتشاف الدورة الدموية، ونظرية البصريات لابن الهيثم وغيرها.
- عمق العلاقة بين الطب والفقه، واحترام الفقهاء المتقدمين تخصص الطب، وإحالتهم عدداً من مسائل الفقه لما يقرره الطبيب المختص، وبَنَوْا الحكم الشرعي على قوله، مثل تقدير الجروح في الديات وغيرها
- الحاجة إلى تعاون الفقهاء مع الأطباء في دراسة المستجدات الطبية، حتى تكون الفتاوى أكثر دقة.
- إدراج مادة “فقه النوازل” في المناهج الشرعية، لتأهيل المفتين للتعامل مع القضايا المعاصرة بشكل علمي دقيق.
- إقامة المؤتمرات والندوات والملتقيات الدورية التي تجمع الفقهاء وأصحاب التخصصات الأخرى للنظر في المستجدات ودراستها والإفتاء فيها.
- إنشاء المجلات والدوريات والنشرات المتخصصة بفقه النوازل ومتابعتها وتقديم الرؤى والتصورات الشرعية حولها.
خاتمة
يعد كتاب “المفطرات الطبية المعاصرة” إضافة علمية قيمة في مجال الفقه الإسلامي المعاصر، حيث يقدم دراسة مقارنة بين الفقه والطب، ويساعد في ضبط الفتوى وتوضيح الأحكام الشرعية بناءً على أدلة علمية موثوقة. يتميز الكتاب بالدقة والمنهجية العلمية، مما يجعله مرجعًا هامًا للفقهاء، المفتين، والأطباء المتخصصين الذين يهتمون بقضايا الصيام والمستجدات الطبية.
هذا البحث يعكس أهمية الاجتهاد الفقهي المستمر في ضوء التقدم العلمي، ويؤكد أن الشريعة الإسلامية جاءت بالتيسير ورفع الحرج، مما يجعلها قادرة على استيعاب جميع المستجدات في مختلف العصور.
معلومات الكتاب
- العنوان: المفطرات الطبية المعاصرة (دراسة فقهية طبية مقارنة)
- المؤلف: د. عبد الرزاق بن عبد الله صالح بن غالب الكندي
- الناشر: دار الحقيقة الكونية للنشر والتوزيع – الرياض
- الطبعة: الأولى، 1435 هـ – 2014 م