لقد طلب الإسلام من القادرين على العمل أن يمشوا في مناكب الأرض ليأكلوا من رزق الله فيها ، وأن ينتشروا في جنباتها لابتغاء فضل الله فيها ، فقال تعالى{هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ}(الملك:15)..وقال سبحانه وتعالى{فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِن فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}(الجمعة:10)
ولقد أعطى الإسلام العامل الحق في ناتج عمله ، وملكه ثمرة جهده وكفاحه ، فكان العمل بذلك هو الدعامة الأولى في توزيع الثروة في المجتمع الإسلامي.
ولكن أفراد المجتمع – أي مجتمع – ليسوا جميعاً من العاملين الذين يحصلون على أرزاقهم بعملهم ، ويكسبون ما يشبع حاجاتهم بكدهم وعرقهم ، فهناك عاجزون عن العمل والكسب ، وليس لهم منيعولهم من أقاربهم ، كالصغير اليتيم ، والمرأة الأرملة ، والشيخ الهرم ، والمريض المقعد ، وذوي العاهات ، كلجنون والأعمى ، فهؤلاء جميعاً يعجزون عن كسب قوتهم وتحصيل معاشهم.
وهناك من سُدّت في وجوههم أبواب العمل مع قدرتهم عليه واستعدادهم له ، فيبحثون عن فرصة العمل في المجتمع فلا يجدونها ، وليس لهم مورد رزق ولا مصدر كسب غير العمل ، وهناك من يعملون ويكسبون من عملهم أقل من كفايتهم لقلة أجورهم ، أو كثر ة أعبائهم.
إن هذه الفئات لا تأخذ نصيباً من الثروة على أساس العمل ، لأنبعضهم يعجز عنه ، وبعضهم لا يجده ، وبعضهم يجد ما لا يكفيه ..لذلك جعل الإسلام حاجتهم وعجزهم سبباً لاستحقاقهم في مال الزكاة التي أحكم الله فرضها في قرآنه الكريم ، ثم بينها على لسان نبيه ﷺ ببيان من تجب عليه الزكاة ، ومن تجب له ، وما تجب فيه من الأموال ، والمقدار والواجب في كل مال ، ووقت أدائها ، وطريقة دفعها وتوزيعها.
والزكاة في الإسلام ليست إحساناً يجود به الغني على الفقير إن شاء ، أو يمنعه إذا أراد ، بل إنها حق معلوم فرضه الله في أموال الأغنياء ، وجعل أداءه ثالث أركان الإسلام وأهم قواعد الدين وألزم الجماعة الإسلامية بالتعاون على تنفيذه ، وجعل ذلك من أهم الوظائف التي تقوم بها الدولة الإسلامية ، ومن أقدس الواجبات التي كلف الله بها وليِّ أمر المسلمين.
فقد روي عبدالله بن عمر رضي الله عنهما عن النبي ﷺ أنه قال:” بني الإسلام على خمس : شهادة أن لا إله إلا الله ، وأن محمدا رسول الله ، وإقام الصلاة ، وإيتاء الزكاة ، وحج البيت ، وصوم رمضان “(رواه البخاري ومسلم).
ولقد بلغ من عناية الإسلام بفريضة الزكاة أنه جعل إيتاءها دليل الدخول في دين وقبول الإيمان كترك الشرك وإقامة الصلاة..فقال سبحانه وتعالى في شأن المحاربيم من المشركين{فَإِن تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ}(التوبة:5).
فالتوبة من الشرك ، وإقامة الصلاة ، وإيتاء الزكاة هي التي تعصم دماء المشركين المحاربين ، وتوجب الكف عن قتالهم ، وتبرر قبولهم في الجماعة الإسلامية ، ويتمتعون فيها بالأخوة والتكافل والتضامن ، وينعمون فيها بالعدل والإحسان، قال اللع تعالى:{فَإِن تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ}.
ومن هنا دخلت مبادئ الاقتصاد في أًول الإسلام وقواعد الدين ، فكانت كفالة المجتمع للعاجزين عن العمل من أفراده ركناً في الدين ، وقاعدة من قواعد الإسلام، لا تقبل دعوى الإيمان بدونها ، ولا يعد من الجماعة الإسلامية من لا يقر بها ويؤديها طائعة بها نفسه مطمئناً بها في قلبه ، لا فرق في ذلك بين الزكاة والصلاة ، ولذلك جاءت الزكاة في القرآن الكريم مقرونة بالصلاة دائماً ، روى عن ابن زيد أنه قال:”افترضت الصلاة والزكاة جميعاً لم يفرق بينهما ، وقرأ{فَإِن تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ}وأبي أن يقبل الصلاة إلا بالزكاة ، وقال:رحم الله أبا بكر ما كان أفقه “(تفسير الطبري).
ولقد جعل الله سبحانه إتاء الزكاة شرطاً في دخول الفرد في حظيرة الإيمان واستحقاقه للفلاح العظيم والفردوس المقيم الذي أعده الله للمؤمنين، فقال تعالى:{قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ . الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ . وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ . وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ}(المؤمنةن:1-4).
وإيتاء الزكاة طريق للهدى وسبب للبشري، قال تعالى:{هُدًى وَبُشْرَىٰ لِلْمُؤْمِنِينَ . الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ}(النمل:2-3)، فكان الهدى الذي منحه الله للمؤمنين والبشرى التي وعدهم بها أدائهم للصلاة وإيتائهم للزكاة.
وإيتاء الزكاة يجعل الفرد من المحسنين الذين أعد الله لهم الحسنى وزيادة ، يقول تعالى:{هُدىً وَرَحْمَةً لِلْمُحْسِنِينَ . الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ}(لقمان:3-4).