لو نظرت في غالب الكتب الأجنبية التي تتحدث عن الحياة والعلاقات الإنسانية بشكل عام، ستجد أن المؤلف، سواء كان أميركياً أم أوروبياً، يستدل أو يستشهد في حديثه بعبارات أو أقوال أو آراء ونظريات لبعض من عُرف عنهم الحكمة في التاريخ البشري، مثل بوذا أو كونفوشيوس أو كريشنا أو المسيح عليه السلام، وفي أحيان قليلة جداً يأتي النبي موسى عليه السلام أيضاً..
لكن الملحوظ، هو خلو غالبية تلك الكتب من أقوال وعبارات لخير الخلق محمد ﷺ، وأقول هذا لأنني من هواة قراءة الكتب الأجنبية سواء المكتوبة باللغة الإنجليزية أو المترجمة، إذ لم أجد مؤلفاً واحداً ضمن مئات الكتب التي قرأتها، وقد استشهد بأقوال وعبارات لحضرة رسولنا الكريم محمد ﷺ أو أحد من أصحابه الكبار الكرام، أصحاب الأدب والبلاغة والبيان أو أحد من كبار التابعين أو العلماء والمفكرين والفلاسفة المسلمين.
ربما البعض وجد ذلك في كتب قد قرأها، ولكن الملحوظ هو ندرة من يقومون بذلك، وهذا ما يدعوني إلى أن أتساءل عن السبب.. هل هو تجاهل أم جهل؟ هل حين يأتي مؤلف غربي ويستشهد بأقوال بوذا وغيره من فلاسفة الشرق والغرب مثلاً ليدعم آرائه ونظرياته، ويتجاهل أعظم إنسان منذ أن خلق الله البشر إلى يوم الدين، ويتجاهل كذلك التراث الفكري والأدبي لأهم ديانة وأعظم حضارة ظهرت في التاريخ.. فهل هذا كله يمكن اعتباره جهلاً منه وعدم إلمام بأولئك العظام من البشر، أم أن المسألة فيها نوع من التجاهل المقصود أو غير البريء؟
لكننا بالمقابل نجد العكس، فنحن المسلمين مثلاً في كتبنا ومؤلفاتنا ومقالاتنا لا نترك حكمة قالها أحد في الشرق أو الغرب أو أي اتجاه أحببت، إلا واستفدنا منها وجعلناها كنزاً نستفيد منه.. باعتبار أن ذلك إرث إنساني له التقدير والإحترام، ومنطلقين من مبدأ ” الحكمة ضالة المؤمن، أني وجدها أخذ بها “، نستشهد بأقوال الأولين والآخرين، وليس عندنا ذاك التجاهل أو التحامل على مفكر أو فيلسوف، بسبب دينه وفكره وعرقه، إذ طالما صدر عنه ما يمكن اعتباره من الحكمة وفيه الصلاح والفائدة، فما المانع من الاستفادة من جهده الفكري ذاك؟
قد لا نتفق مع مفكر غربي أو فيلسوف شرقي، ولكن ليس معنى هذا أن نترك كل ما عنده، بل نأخذ منه ما يتوافق والمنطق والعقل، وليس في ديننا العظيم ما يتعارض مع العقل والمنطق، ونترك ما لا يناسب فكرنا أو عقيدتنا أو فلسفتنا في الحياة.
عودة إلى التساؤل الذي طرحته قبل قليل، هل ما يحدث جهل أم تجاهل؟
في رأيي أن الأمر ليس به ذاك القدر من الجهل بقدر ما فيه بعض التجاهل، وعن عمد في كثير من الأحيان.. وأحسب أن تراكمات الماضي والعداوات التي ظهرت في فترة تاريخية معينة بين المسلمين والمسيحيين أو اليهود، ما زالت تضغط على الكثير من المسيحيين وكذلك اليهود إلى درجة أن تصل الأمور إلى ما نتحدث عنه اليوم وهو أبسط مثال ضمن امثلة أخرى كثيرة وللأسف، ولكني أجد أن الخاسر الأكبر هو من يتجاهلنا ويتجاهل ديننا وحضارتنا، وبشهادة حكماء وعقلاء من غير المسلمين..