كم من المواهب اندثرت في البيوت قبل أن تخرج الى المجتمع؟ كم هي خسائر المجتمعات حين يتقهقر الموهوب لسبب وآخر.. كم موهوب حولك ولا تدري؟ بل ربما أنت موهوب ولا تدري أيضاً، أو ربما كنت موهوباً ولم يلتفت إليك أحد حولك، فمضى هو ومضيت أنت في دروب الحياة؟
قائمة الأسئلة طويلة والأسئلة كثيرة..
الموهوبون كثيرون هنا وهناك، وليست كثرتهم مشكلة، لكن المشكلة كامنة في كيفية اكتشافهم أولاً ومن ثم رعايتهم ثانياً، ذلك أن الحاصل وللأسف، سواء في البيوت أو المدارس، وهي المحاضن الأولى أو المحطات المبكرة التي يمكن فيها اكتشاف المواهب ورعايتها، تجد أنها تُدفن أو تضيع في زحمة الواجبات والأعمال، فتكون الخسارة مزدوجة، الأولى للموهوب حين تتعطل موهبته ولا يكتشفها أحد، والثانية للمجتمع حين يفتقد إبداعات أبنائه الموهوبين المدفونين.
عدم الالتفات إلى الموهوب من خلال الجهل أو التجاهل مشكلة لابد من الانتباه إليها وتوعية المجتمع بها، ودفع المؤسسات التعليمية إلى استقدام الخبرات التي لها القدرة على اكتشاف المواهب ومن ثَمَّ وضع البرامج الخاصة بها لرعايتها والسير بها في طريق الإبداع والإنتاج.
دوماً أقول بأن البيت هو البيئة الأساسية والأهم التي تستحق توجيه الأنظار إليها وتوعية الوالدين بمسألة المواهب، وكيفية اكتشاف أية موهبة في أبنائهم ومن ثَمَّ كيفية رعايتهم ولفت أنظار إدارات المدارس ومعلميها إلى أبنائهم المبدعين والتعاون معهم في دعم وتنمية تلك المواهب ورعايتها.
قد يسأل سائل: وكيف أكتشف الموهبة في بيتي؟ هناك مؤشرات كثيرة يمكن عبرها معرفة امتلاك أحد الأبناء لموهبة ما.. منها أن الموهوب دائم الرغبة في التحرر من القيود أياً كانت نوعية القيود تلك، والخروج عن المألوف في الأفعال والأقوال، كما تجده يُثير الكثير من الأسئلة، ولا يمتثل للتعليمات والأوامر كثيراً، ويعتمد على ذاته في أغلب أموره، بالإضافة إلى رغبته الدائمة في السيطرة والقيادة، وتفضيل العمل مع من هم أكبر سناً منه.
أغلب البيوت وكذلك المدارس لا تتنبه إلى تلك المؤشرات الأولية، وتعتبر الطالب الذي لا يمتثل للتعليمات والأوامر أو من يقوم بأمور غير مألوفة، طالباً فوضوياً خارجاً عن النظام تجب معاقبته وتطبيق اللوائح والأنظمة عليه! ! بمعنى آخر، يتم قمعه وكبته وتعطيل البدايات الحقيقية لظهور الموهبة. ومن الطبيعي أن تكون النتيجة مزعجة سواء للبيت أو المدرسة، ذلك أن المقاومة ستكون أشد من الموهوب المقهور، وبالتالي إمكانيات تسربه من المدرسة وكرهه لها أو للبيت واردة وكبيرة جداً.. فمن يتحمل مسؤولية هذا الهدر؟
أدري أن المسألة ليست سهلة سهولة التنظير.. المدارس تتعامل مع مئات من الطلاب على اختلاف القدرات، وتتعامل مع عشرات المشاكل يومياً، والضغوط عليها كبيرة وكثيرة، مثلما البيت أيضاً والتزامات الوالدين.
ولكن ما ذنب المواهب أمام انشغالات الجميع؟