يعيش الرجل منذ القدم وحتى عصرنا الحاضر عقدةً كبيرةً مخيمةً في رأسه؛ وهي عقدة التفوق على جنس الأنثى، وأنه البطل الأوحد في هذا الكون.
ففي الحضارة الإغريقية كانت المرأة عند الإغريق محتقرة ومهانة حتى إنهم أسموها رجسًا من عمل الشيطان، وكانتْ عندهم كالمتاع تُباع وتُشْترَى في الأسواق، مسلوبة الحقوق، محرومة من حقِّ الميراث وحقِّ التصرُّف في المال، وكانتْ في غايةِ الانحطاط، قال عنها أشهر فلاسفة الإغريق أرسطو: “إن المرأة رجل غير كامل، وقد تركتها الطبيعة في الدرك الأسفل من سلم الخليقة”، وقال أيضًا: “إن المرأة للرجل كالعبد للسيِّد، والعامل للعالم، والبربري لليوناني، وأن الرجل أعلى منزلة من المرأة” (المرأة والإسلام، غادة الخرسا).
أما اليهود فقد صبوا جام غضبهم على المرأة، فكانت عندهم سلعةً خسيسةً رخيصةً، تتنقل بين أحضان الرجال بطريقة غاية في الشذوذ، كما جعلوها هي الخائنة والمتمردة والكاذبة والذليلة، فقد جاء عندهم في التوراة: “المرأة أمرُّ من الموت، وإنَّ الصالح أمام الله ينجو منها”.
وفي الحضارة الرومانية قد اعتُبِرت المرأة متاعًا مملوكًا للرجل وسلعة من السلع الرخيصة، يتصرف الرجال فيها كيف يشاءون، وكان بيد أبيها وزوجها حقُّ حياتها وحق موتها، فإذا تزوَّجت ملكها زوجُها، وفي ذلك يقول جايوس: “توجب عادتنا على النساء الرشيدات أن يبقين تحت الوصاية لخفَّة عقولهن”.
كما بقيت المرأة في إنجلترا إلى سنة 1882م محرومةً من حقِّها الكامل في ملك العقارات وحرية المقايضة، ويؤكد ذلك الفيلسوف الإنجليزي هربرت سبنسر بقوله: “إن الزوجة كانت تُباع في إنجلترا خلال القرن الحادي عشر”.
وفرنسا أيضًا لم تكن هي الأخرى أفضلَ في تعاملها مع المرأة من جاراتها، فقد قرر فيها مجمع ماكون الذي عقد سنة 586م: “أنَّ المرأة إنسان؛ ولكنها مخلوقة لخدمة الرجل، وتخلو روحها من الروح الناجية من عذاب جهنَّم ما عدا أم المسيح”.
أما العرب في الجاهلية كانوا ينظرون إلى المرأة على أنها متاع من الأمتعة التي يمتلكونها مثل الأموال والبهائم، ويتصرفون فيها كيف شاءوا، وقد حرَمُوها من الميراث، وكان العرب يقولون: “لا يرثنا إلا من يحمل السيف”.
وكانت المرأة عند العرب قبل الإسلام مصدرَ عارٍ؛ فقد كان أحدهم إذا ولدَتْ زوجتُه بنتًا ضاق ذرعًا واستشاط غضبًا، وكان وأْدُ البنات منتشرًا بشكل كبير بينهم، والوأْدُ هو دفنُ المولودات الإناث وهن على قيد الحياة، قال تعالى: ﴿ وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ * بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ ﴾ [التكوير: 8، 9].
أما في وقتنا الحاضر لا زالت المرأة عند بعض الشعوب الشرقية والغربية مجرد سلعة وأداة ناجحة للترويج والإعلان، فالمرأة عندهم متاحة للجميع وفي أي وقت، ولا يوجد أي ضابط شرعي أو أخلاقي أو قانوني يحد من ازدرائها، والحط من قدرها، والاعتداء على كرامتها، وربما أن حالات الاغتصاب الهائلة وتعدُّد العشيقات وأطفال الملاجئ خيرُ دليلٍ على وضع المرأة الغربية والشرقية البائس.
ولم يقف أمر هذه العقدة مع مجتمع الكبار؛ بل توجَّه كِبارُ المنتجين لأفلام الكارتون لعمل أفلام موجهة للأطفال لترسيخ هذه الفكرة وهذه العقدة، فهل سمعتم أو نظرتم لمثل هذه الشخصيات الكارتونية؟ (سوبرمان، سبايدر مان، بات مان، الرجل الأخضر، سلاحف النينجا….)، كلها شخصيات ترسخ عند الأطفال فكرة (الرجل الخارق، البطل الجبار، الرجل الفولاذي) حتى أصبحت هذه الشخصيات مشاهير البطولة في العالم، ففي عام 1938 م أصبحت مجلة “الرجل الخارق” أشهر مجلة مصورة في العالم وتمت ترجمتها لأغلب لغات العالم.
وما يبعث على الأسف أن البعض من الرجال تجاوز الحد إلى فرض هذه الرؤية وهذه العقدة على زوجته وبناته وأخواته، وكل من تكون تحت ولايته، لإثبات تفوُّقهم المستمر بطريقة أو بأخرى، ومن خلال هذه التصوُّر، تكوَّنت النزاعات الأسرية؛ بل وصل الحد بهم إلى أن يذيقوا أزواجهم وبناتهم المرارة والعذاب.
وأقول للمرأة عامة وللزوجة خاصة حتى تنجحي في التعامل مع هذه العقدة أنصحك بالتالي:
- إياك أن تَمسِّي هذه المنطقة بالسخرية أو الاحتقار أو بالنقد السلبي أو بإثبات تفوُّقك عليه وظيفيًّا، أو ماليًّا، أو علميًّا، أو مكانةً.
- الرجل في بيته سواء كان (أبًا أو أخًا أو زوجًا) لا يؤمن بالشراكة؛ وإنما يرى نفسه هو المسؤول عن رعاياه ومن تحت يديه.
- استخدمي لغة السمع والطاعة المنضبطة التي لا تُهينك وتُقلِّل من قيمتك معه.
- حتى تُحقِّقي أهدافك معه، أعطيه وأشبعيه من لغة التفوُّق التي عنده.
- ابتعدي عن لغة التحدي، ولا تجعليه سوطًا مسلطًا عليك.
أسأل الله أن يصلح الشباب والفتيات، وأن يجمع بين قلوب المتزوجين والمتزوجات على طاعة الله والحب والتواصل السليم، وأن يخرج من تحت أيديهم مَنْ يعبُد الله على الحق، وأن يجعل أولادهم لَبِناتِ خيرٍ على المجتمع والوطن، وصلى الله على سيدنا محمد.