تعتبر “لامية ابن الوردي” واحدة من القصائد التربوية والإرشادية المتميزة في الأدب العربي، وقد نالت شهرة واسعة لما تتضمنه من حكم ومواعظ حول الأخلاق، والعلم، والدين، والزهد، والعمل الصالح. كتبها الشاعر والفقيه زين الدين أبو حفص عمر بن مظفر بن عمر، المعروف بـ “ابن الوردي”، الذي عاش في القرن الثامن الهجري.

تعرف هذه المادة بالعالم ابن الوردي ، وبمضمون القصيدة لامية ابن الوردي وشروح لبعض أبياتها، بالإضافة إلى تحليل الأبعاد الأدبية والفكرية التي تميزها.

التعريف بابن الوردي

ابن الوردي هو زين الدين أبو حفص عمر بن مظفر، وُلد في معرة النعمان عام 691 هـ وتوفي عام 749 هـ. كان عالمًا موسوعيًا يجمع بين الفقه والأدب والتاريخ، وشغل عدة مناصب قضائية في حلب ومنبج. عُرف بأسلوبه الأدبي الرفيع وإلمامه الواسع باللغة العربية وعلومها، إلى جانب كونه شاعرًا متميزًا.

ماهي أهم مؤلفات ابن الوردي ؟

من أشهر أعماله النثرية كتاب “تتمة المختصر في أخبار البشر“، مجلدان يعرف بتاريخ ابن الوردي، جعله ذيلا لتاريخ أبي الفداء وخلاصة له، و”خريدة العجائب وفريدة الغرائب”، و” تحرير الخصاصة في تيسير الخلاصة ” نثر فيه ألفية ابن مالك في النحو، ” اللباب في الإعراب” وغيرها.

مضمون القصيدة وأهم أبياتها

تتضمن “لامية ابن الوردي” مجموعة من الأبيات التي تقدم نصائح حياتية تغطي الجوانب التالية:

  • التقوى والخشية من الله: أكد الشاعر أن التقوى هي أساس السعادة والنجاح.
  • العمل والاجتهاد: دعا إلى السعي والجد لتحقيق الأهداف والابتعاد عن الكسل.
  • العلم وأهميته: ركز على طلب العلم كوسيلة لرفعة الشأن والسمو.
  • الزهد والابتعاد عن الترف: نصح بترك ملذات الدنيا الملهية والانشغال بالمعرفة والعمل.

شرح بعض أبيات لامية ابن الوردي

اعتزل ذِكرَ الأغــاني والغَـــــزَلْ
وقُلِ الفَصْلَ وجانبْ مَنْ هَزَلْ

يدعو الشاعر إلى تجنب اللهو والانشغال بالأمور التافهة، والتركيز على الكلام الجاد والمفيد، والتجنب عن مخالطة من يتخذون الحياة هزلًا ولهوًا.

إنْ أهنا عيـشةٍ قـضيتُهـــــا
ذهـبتْ لذَّاتُهـا والإثْـمُ حَـلّ

يوضح ابن الوردي أن متع الحياة الفانية، مهما كانت ممتعة، فإنها تزول مع الزمن، ولا يبقى إلا ما حملته من آثار وذنوب. لذا ينصح بالابتعاد عن الملذات المحرمة التي تجلب الإثم.

واهجُرِ الخمرةَ إنْ كنتَ فتــــــــــىً
كيفَ يسعى في جُنونٍ مَنْ عَقَلْ

ينصح الشاعر الشبان بتجنب الخمر، معتبرًا أن من يمتلك العقل والرزانة لن يسعى وراء ما يفقده اتزانه وعقله.

اتَّـقِ اللهَ فتـقوى الله مـــــــــــا
جاورتْ قلبَ امريءٍ إلا وَصَلْ

يؤكد ابن الوردي في هذا البيت على أهمية التقوى، فهي مفتاح الخير والنجاح في الدنيا والآخرة، وهي التي تقود الإنسان إلى كل ما هو نافع ومفيد.

في ازديادِ العلمِ إرغامُ العِدى
وجمالُ العلمِ إصـلاحُ العمـلْ

يدعو الشاعر إلى السعي والمثابرة، فطريق العلم والفضل لا يخلو من السالكين، وكل من اجتهد في طلب العلم والعمل الصالح وصل إلى مبتغاه.

لا تـقلْ قـد ذهبتْ أربابُـــــــــــــــهُ
كلُّ من سارَ على الدَّرْبِ وصلْ

يحث الشاعر على عدم التهاون والكسل، مشيرًا إلى أن من يسير بجد واجتهاد سيصل إلى هدفه، حتى وإن رحل الأسلاف والأعلام من قبله.

فبمُكثِ الماءِ يـبقى آســـــنـاً
وسَـرى البدرِ بهِ البدرُ اكتملْ

هنا يتحدث عن أهمية الحركة والتغيير، مشبهًا المياه التي تظل راكدة فتتعفن، بالبدر الذي يسير في السماء ليكتمل نوره. وهذا إشارة إلى أن الحياة الحقيقية تتطلب النشاط والتطور.

الشروح المعروفة للقصيدة

نظراً لأهمية القصيدة، وثرائها بالحكم، ظهرت شروح متعددة لها، ومن أبرزها:

  • “العرف النَّدي في شرح لامية ابن الوردي” لعبد الوهاب بن محمد الخطيب الغمري: يعتبر من الشروح الأدبية المهمة التي ركزت على توضيح المفردات والمعاني اللغوية، بالإضافة إلى التفسيرات التربوية والنصائح العملية التي يمكن استخراجها من الأبيات.
  • “العطر الوردي: شرح لامية ابن الوردي” لمصطفى بن كرامة الله مخدوم: يقدم الكتاب شرحًا تحليليا للأبيات مع تسليط الضوء على الحكم والمواعظ، مما يسهل فهمها وتطبيقها في الحياة اليومية، ويبرز جماليات النص الشعري.
  • “فتح الرحيم الرحمن: شرح لامية ابن الوردي” لمسعود بن حسن بن أبي بكر القناوي الشافعي: يعد من الشروح التي تفسر القصيدة بأسلوب مبسط وسلس، مع تركيزه على الجوانب الأخلاقية والدينية.
  • “شرح البيجوري على لامية ابن الوردي”: وهو شرح قدمه إسماعيل البيجوري، الذي تناول الأبيات بعمق، موضحاً مختلف جوانبها الأدبية والفكرية، وطرح تفسيراً شاملاً يعين القراء على فهم معاني القصيدة بشكل كامل.

الأبعاد الأدبية والفكرية للقصيدة

تتميز “لامية ابن الوردي” بأسلوب شعري بسيط وجذاب، يجمع بين العمق والوضوح، ما جعلها سهلة الفهم ولكن عميقة التأثير. استخدم الشاعر لغة مباشرة وأسلوبًا بلاغيًا يعتمد على التشبيهات والاستعارات، ليعبر عن أفكاره وحكمه بشكل يصل إلى القارئ بسهولة.

ماهي أهم القيم التي دعت إليها لامية ابن الوردي ؟

تتجلى في القصيدة قيم أخلاقية متعددة، منها:
الصدق والالتزام بالدين: تجنب الحرام والعمل بما أمر به الشرع.
الإيجابية والسعي: التشجيع على الاجتهاد والمثابرة.
التواضع والاعتدال: الابتعاد عن الغرور والإسراف.

لامية ابن الوردي كاملة

اعتزلْ ذكرَ الأغاني والغـــــــزلْ
وقلِ الفصلَ وجانبْ مَنْ هزلْ

ودعِ الذكرى لأيامِ الصِّبـــــــــــــا
فلأيامِ الصِّبا نجمٌ أفــــــــــــــــــلْ

إنَّ أحلى عيشةٍ قضيتُهـــــــــــــا
ذهبتْ لذاتُها والإثمُ حـــــــــــــلْ

واتركِ الغادةَ لا تحفلْ بهـــــــــا
تُمْسِ في عزٍّ وتُرْفَعْ وتُجَــــــــلْ

والهَ عنْ آلةِ لهوٍ أطربَــــــــــــتْ
وعنِ الأمردِ مرتجِّ الكفـــــــــــــلْ

إن تبدّى تنكسفْ شمس الضّحى
وإذا ما ماسَ يزري بالأســــــــلْ

زادَ إنْ قسناهُ بالبدرِ سنــــــــــا
وعدلناهُ بغصنٍ فاعتــــــــــــدلْ

وافتكرْ في منتهى حسنِ الذي
أنتَ تهواهُ تجدْ أمراً جلَـــــــــلْ

واتّقِ اللهَ فتقوى اللهِ مــــــــــــا
جاوزَتْ قلبَ امرئٍ إلاّ وصــــل

ليسَ مَنْ يقطعُ طرقاً بطـــــلاً
إنما مَنْ يتّقِ اللهَ بطــــــــــــــــلْ

واهجرِ الخمرةَ إنْ كنتَ فتىً
كيفَ يسعى في جنونٍ مَنْ عقلْ

صدِّقِ الشرعَ ولا تركنْ إلى
رجلٍ يرصدُ بالليلِ زحــــــلْ

حارتِ الأفكارُ في قدرةِ مَنْ
قدْ هدانا سبْلنا عزَّ وجــــــلْ

كتبَ الموتَ على الخلقِ فكمْ
فلَّ مِنْ جَمْعٍ وأفنى منْ دُولْ

أينَ نمرودُ وكنعانُ ومَــــــنْ
ملكَ الأمرَ وولّى وعــــــزَلْ

أينَ عادٌ أينَ فرعونُ ومَنْ
رفعَ الأهرامَ مَنْ يسمعْ يخلْ

أينَ مَنْ سادوا وشادوا وبنوا
هلكَ الكلُّ ولمْ تغنِ القللْ

أينَ أربابُ الحجا أهلُ النّهى
أينَ أهلُ العلمِ والقومُ الأُوَلْ

سيعيدُ اللهُ كلاًّ منهـــــــــــمُ
وسيجزي فاعلاً ما قدْ فعلْ

أيْ بنيَّ اسمعْ وصايا جَمعتْ
حكماً خُصَّتْ بها خيرُ المللْ

اطلبِ العلمَ ولا تكسلْ فما
أبعدَ الخيرَ على أهلِ الكسلْ

واحتفلْ للفقهِ في الدينِ ولا
تشتغلْ عنهُ بمالٍ أوْ خَوَلْ

واهجرِ النومَ وحصِّلْهُ فَمَنْ
يعرفِ المطلوبَ يحقرْ ما بذلْ

لا تقلْ قدْ ذهبَتْ أربابُـــــــــــهُ
كلُّ مَنْ سارَ على الدربِ وصلْ

في ازديادِ العلمِ إرغامُ العِدى
وجمالُ العلمِ يا صاحِ العملْ

جمِّلِ المنطقَ بالنَّحوِ فَمَنْ
يُحرمِ الإعرابَ في النطقِ اختبلْ

وانظمِ الشعرَ ولازمْ مذهبي
فاطراحُ الرفدِ في الدنيا أقلْ

فهْوَ عنوانٌ على الفضلِ وما
أحسنَ الشعرَ إذا لمْ يُبتذلْ

ماتَ أهلُ الجودِ لم يبقَ سوى
مُقرفٍ أوْ مَنْ على الأصلِ اتكلْ

أنا لا أختارُ تقبيلَ يـــــــــــــــــــدٍ
قطعُها أجملُ مِنْ تلكَ القبلْ

إنْ تُجِزْني عنْ مديحي صرتُ في
رقِّها أوْ لا فيكفيني الخجــــــــــــــلْ

أعذبُ الألفاظِ قولي لكَ خذْ
وأمرُّ القولِ قولي بِلَعَـــــــــلْ

مُلْكُ كسرى عنهُ تغني كِسرةٌ
وعنْ البحرِ ارتشافٌ بالوشلْ

اعتبرْ (نحنُ قَسَمْنا بينَهُمْ)
تلقَهُ حقاً (وبالحقِّ نَـــــزَلْ)

ليسَ ما يحوي الفتى عَنْ عزمِهِ
لا ولا ما فاتَ يوماً بالكســـــــلْ

واتركِ الدنيا فمِنْ عاداتِهـــــــــــــا
تخفضُ العالي وتعلي مَنْ سَفلْ

عيشةُ الزاهدِ في تحصيلِهــــــــــا
عيشةُ الجاهِدِ بلْ هذا أزلْ

كم جهولٍ وهْوَ مثرٍ مكثرٌ
وحكيمٍ ماتَ منها بالعللْ

كم شجاعٍ لم ينلْ منها غنى
وجبانٍ نالَ غاياتِ الأملْ

فاتركِ الحيلةَ فيها واتّئدْ
إنما الحيلةُ في تركِ الحيلْ

أيُّ كفٍّ لمْ تنلْ منها المنى
فبلاها اللهُ منهُ بالشللْ

لا تقلْ أصلي وفصلي أبدا
إنما أصلُ الفتى ما قدْ حصلْ

قدْ يسودُ المرءُ منْ غيرِ أبٍ
وبحسنِ السبكِ قَدْ يُنْفى الزغلْ

وكذا الوردُ منَ الشوكِ وما
ينبتُ النرجسُ إلا منْ بصلْ

معَ أني أحمَدُ اللهَ على
نسبي إذْ بأبي بكرِ اتصلْ

قيمةُ الإنسانِ ما يحسِنُهُ
أكثرَ الإنسانُ منهُ أوْ أقلْ

واكتمِ الأمرينِ فقراً وغنــــــــــــــــــىً
واكسبِ الفلسَ وحاسبْ مَنْ بَطَلْ

وادّرعْ جداً وكداً واجتنـــــــــــــبْ
صحبةَ الحمقى وأربابِ البخلْ

بينَ تبذيرٍ وبخلٍ رتبــــــــــــــــــةً
فكلا هذينِ إنْ زادَ قتـــــــــــــلْ

لا تخضْ في سبِّ ساداتٍ مضَوا
إنهمْ ليسوا بأهلٍ للزلـــــــــــــــــــلْ

وتغافلْ عنْ أمورٍ إنَّـــــــــــهُ
لمْ يفزْ بالرفدِ إلاّ مَنْ غفلْ

ليسَ يخلو المرْء عنْ ضدٍّ وإنْ
حاولَ العزلةَ في رأسِ جبــــلْ

غبْ عنِ النمّامِ واهجرْهُ فما
بلَّغَ المكروهَ إلاّ مَنْ نقــــــــلْ

دارِ جارَ الدارِ إنْ جارَ وإنْ
لمْ تجدْ صبراً فما أحلى النقلْ

جانبِ السلطانَ واحذرْ بطشَهُ
لا تخاصمْ مَنْ إذا قالَ فعلْ

لا تلِ الحكمَ وإنْ همْ سألوا
رغبةً فيكَ وخالفْ مَنْ عذَلْ

إنَّ نصفَ الناسِ أعداءٌ لمَنْ
وليَ الأحكامَ هذا إنْ عدلْ

فهْوَ كالمحبوسِ عنْ لذّاتِهِ
وكلا كفَّيْهِ في الحشرِ تُغَلْ

إنما النقصُ والاستثقالُ في
لفظةِ القاضي لوعظٍ ومثلْ

لا توازى لذَّةُ الحكمِ بما
ذاقَها المرءُ إذا المرْ انعزلْ

والولاياتُ وإنْ طابتْ لمَنْ
ذاقَها فالسمُّ في ذاكَ العسلْ

نَصَبُ المنصبِ أوهى جَلَدي
وعنائي منْ مداراةِ السفلْ

قصِّرِ الآمالَ في الدنيا تفزْ
فدليلُ العقلِ تقصيرُ الأملْ

إنَّ مَنْ يطلبهُ الموتُ على
غرّةٍ منهُ جديرٌ بالوجـــــــــلْ

غِبْ وزُرْ غِبّاً تزدْ حباً فَمَنْ
أكثرَ التردادَ أضناهُ المللْ

خذْ بنصلِ السيفِ واتركْ غِمْدَهُ
واعتبرْ فضلَ الفتى دونَ الحللْ

حبُّكَ الأوطانَ عجزٌ ظاهرٌ
فاغتربْ تلْقَ عنِ الأهلِ بدلْ

فبمكثِ الماءِ يبقى آسناً
وسُرى البدرِ بهِ البدرُ اكتملْ

أيها العائبُ قولي عبثاً
إنَّ طيبَ الوردِ مؤذٍ بالجُعَلْ

عدِّ عَنْ أسهمِ لفظي واستترْ
لا يصيبنَّكَ سهمٌ مِنْ ثُعَلْ

لا يغرنَّكَ لينٌ مِن فتى
إنَّ للحيّاتِ لينٌ يُعتزَلْ

أنا مثلُ الماءِ سهلٌ سائغٌ
ومتى سُخِّنَ آذى وقتلْ

أنا كالخيزورِ صعبٌ كسرُهُ
وهْوَ لدْنٌ كيفما شئتَ انفتلْ

غيرَ أني في زمانٍ مَنْ يكنْ
فيهِ ذا مالٍ هوَ المولى الأجلْ

واجبٌ عندَ الورى إكرامُهُ
وقليلُ المالِ فيهمْ يُستقلْ

كلُّ أهلِ العصرِ غمرٌ وأنا
منهمُ فاتركْ تفاصيلَ الجملْ

خاتمة

إن “لامية ابن الوردي” ليست مجرد قصيدة شعرية عادية، بل هي مدرسة تربوية وأدبية متكاملة، تقدم مزيجًا من القيم الأخلاقية والنصائح الحياتية بأسلوب شعري جميل. من خلال هذه القصيدة، استطاع ابن الوردي أن يترك بصمة خالدة في الأدب العربي، تلهم كل من يقرأها للسير على نهج الفضيلة والاعتدال، والتفكر في الأمور الأهم في هذه الحياة. ​