المشتغلون بالعلاقات الإنسانية تجدهم ينصحون دوماً أن يكون المرء منا واسع الأفق منشرح الصدر، خاصة إذا أوقعته الظروف في أن يتعامل مع آخرين متنوعين في الفكر والميول والأهواء في مجال ما أو عدد من المجالات والأنشطة الحياتية المتنوعة.. لماذا؟
لكي يعيش حياة هادئة إيجابية.. لماذا يجب علينا أن نكون أصحاب آفاق واسعة؟ ولماذا يجب أن تكون صدورنا متسعة للكل بغثهم وغثيثهم؟ الإجابة بكل وضوح هي أننا إن قمنا بتضييق الآفاق وإغلاق الصدور ونحن نتعامل مع الآخرين من حولنا، فإن مآلنا نهاية الأمر أن ننعزل عن الناس، بل سيبدأ الناس قبل ذلك باعتزالنا وتركنا وحدنا نسبح في عالم من الخيالات والرؤى الزائفة.
حين تضيق الآفاق، لن نكون على استعداد لتقبل الآراء غير المخالفة لآرائنا، حتى لو كانت بها نسبة ضئيلة من الصواب والحق، لأن الشخص ضيق الأفق يعتقد أن الرأي هو ما يذهب إليه، فيما غير ذلك من آراء لا تستحق النظر إليها أو الاهتمام بها. وحتى نعيش سعداء متفاعلين مع الغير، وإيجابيين في الأخذ والعطاء والتعاطي مع أفراد المجتمع، لا بد أن نتقبل آراء الجميع، وأعني ها هنا تحديداً المخالفين لنا، وذلك بشيء من التفهم، لسبب بسيط جداً، هو أن الرأي المخالف لا يمكن أن يكون خاطئاً كله، بل لا بد أن هناك نسبة من الصحة فيه وحوله، وهذه النسبة هي التي يجب أن نتنبه إليها ونتعاطى معها أولاً، قبل نقاط الاختلاف.
من هنا إذن حاول أن تستمع إلى الآخرين، وألا تنفعل إن خالفوك الرأي، بل ابحث عن الجزء الصائب في الرأي المخالف، وابدأ منه المسيرة الإيجابية، فلعل تلك النسبة الضئيلة من الصواب تفتح لك آفاقاً لم تكن لتدركها لولاها، بل لعل ذاك المخالف لك يفتح أيضاً بصيرتك قبل بصرك على أمور كنت غافلاً عنها لسنوات طوال، معتقداً أنك على صواب وصراط مستقيم. إذن حتى تنجح في حياتك، هناك قواعد لا بد أن تراعيها، واحدة منها أن تستمع إلى الآخرين برحابة صدر، ولا تحاول أن تكون حريصاً أن تنتقد آراءهم، بل بدلاً من إجهاد نفسك في البحث عن نقاط الخلاف من أجل النقد، لِمَ لا تبحث عن نقاط الاتفاق أولاً وقبل كل شيء؟ فإنك إن فعلت، أرحت نفسك من توترات وإجهادات نفسية أنت في غنى عنها دون ريب.
ولكي تضيف نجاحاً إلى نجاحاتك في الحياة، وتعيش حياة هانئة هادئة خالية من التوتر والقلق والتربص بالآخرين، لا تحاول أن تعتقد بصوابية رأيك «دائماً» معتمداً على سنوات عمرك وبعض مؤهلات علمية ودورات تدريبية وقراءات من هنا وهناك، بل عليك أن تعتبر نفسك دائماً طالب علم تتعلم، فليس عيباً أن تتعلم ممن يصغرك سناً ويقل عنك علماً وثقافة.
ومن قال إني أعلم وأعرف مكتفياً بما درس وتعلم في سنوات سابقة من عمره، فهو بذلك يعلن جهله علانية وبكل صراحة.. ولا أظن أحدكم أعلن عن ذلك من ذي قبل، بل أرجو ألا يفكر ليفعل ذلك من بعد أيضاً..