من الصعب المكابرة في أن جامعات معينة أفضل من غيرها، لكن نسبة الجامعات المجمع على صدارتها محدودة للغاية، غير أن تزايد الاعتناء بمقاييس تقييم الجامعات وترتيبها أخذ يطغى على التقييم الموضوعي، وسأحاول أن أبين في حدود كفايتي العلمية في هذا المضمار أن هذه المقاييس ليست هي القول الفصل للأسباب التالية:
1- التباين في المراتب : تشير مقارنة مراتب الجامعات في عدد مختلف من المقاييس إلى أن مراتب الجامعات تتباين بشكل هائل بين مقياس وآخر، فمثلا تجد جامعة ترتيبها في مقياس 23، وفي مقياس آخر 117 وهكذا … وتشير هذه الدراسات إلى أن التباين يتفاوت بين 33 مرتبة (الحد الأدنى) وبين 207 مراتب (الحد الأعلى) للجامعة الواحدة، وأن نسبة التوافق بين المقاييس لا يزيد عن 11% طبقا لبعض الدراسات التي اطلعت عليها.
2- تفسير التباين بين المقاييس: يمكن تفسير التباين من خلال :
أ- تباين المؤشرات المعتمدة للقياس
ب- تباين الأوزان المعطاة لكل مؤشر
ت- عدد المؤشرات المعتمدة
ولتوضيح هذه النقاط نشير إلى المقياس الأكثر شهرة وهو مقياس شنغهاي، فهذا المقياس يستند على خمسة مؤشرات رئيسية هي :
١- عدد الحاصلين على جوائز نوبل ( من خريجي أو ومدرسي الجامعة ، ويأخذ هذا المؤشر ما قيمته ( 30%) من العلامة ،
٢- مؤشر الاقتباس لبحوث نشرتها الجامعة في مجلات علمية مرموقة(20%)،
٣- مؤشرالدراسات المنشورة في العلوم التطبيقية(20%)،والمؤسسات الجامعية التي ليس فيها التخصصات العلمية التطبيقية يتم توزيع وزنها على المؤشرات الأخرى ( مثل: London School of Economics أو غيرها من الجامعات التي ليس فيها علوم تطبيقية)
٤- مؤشر عدد البحوث المرجعية في التخصصات كلها (20%)،
٥- معدل انتاج عضو هيئة التدريس في كل مؤسسة (مجموع الانتاج في الجامعة مقسوما على عدد اعضاء هيئة التدريس) وله (10%).
ويبدو لي أن جعل عدد الحاصلين على جوائز نوبل يحتل حوالي ثلث التقييم ليس مبررا من الناحية العلمية، فهل يعقل أن الاتحاد السوفييتي وروسيا (في المرحلتين ) حصلتا على 28 جائزة بينما النمسا 21 جائزة ؟
ويكفي تذكر أن مناحيم بيغن حصل على جائزة نوبل “للسلام” لندرك أن المعيار السياسي له دور في المنح… ولو تخيلنا أن المعيار هو جائزة لينين للعلوم لتغيرت المراتب كلها… من ناحية أخرى، هل من المنطقي أن نعطي الحاصلين على نوبل من الخريجين 10% ( و20% لأعضاء هيئة التدريس في الجامعة)، فمثلا هل تعطى ال 10% عند حساب احمد زويل مثلا لمن منحه الدكتوراة أم من منحه البكالوريوس وهما جامعتان مختلفتان؟ وعلى أي أساس؟ المقياس غير واضح نهائيا في هذه النقطة. ثم إذا كان المدرس الحاصل على نوبل تخرج من جامعة ويعمل عضوا هيئة تدريس في جامعة غير التي تخرج منها فلمن تحسب النقطة..؟ غير واضح بل يبدو لي انه يحسب مرتين..ثم أليس هناك مبالغة واضحة في قيمة هذا المؤشر؟
3- الوزن المعياري لكل مؤشر، فمقارنة المقاييس يشير إلى تباين شديد في وزن نفس المؤشر، فمثلا عند التدقيق في المؤشرات ، أيهما أهم مؤشر الاقتباس (citation) أم عدد الطلاب للأستاذ الواحد؟.. أو عدد البحوث أم طريقة التدريس.. أو عدد الحاصلين على جائزة نوبل من أعضاء التهيئة التدريسية أو الخريجيين أو نفقات البحث العلمي من ميزانية الجامعة على غرار مقياس Thesالخ)، فمثلا مؤشر عدد البحوث (المقتبسة والمنشورة) تعطيها شتغهاي 40 % بينما thes تعطيها 20، بعض المقاييس تضع معايير قابلة للقياس الكمي، بعضها يعتمد على استطلاعات رأي الخبراء.. مثال: أيهما افضل جامعة في العالم النامي تساهم في رفع انتاج الدولة 1% أم جامعة فيها حاصل على جائزة نوبل لكن مساهمتها في الانتاج 0,3%؟ أما التباين في المؤشرات والأوزان فتجد مثلا أحد المقاييس (مقارنة بشنغهاي مثلا) يضع المؤشرات والأوزان على النحو التالي: التعليم (البيئة التعليمية 30%) – البحث العلمي الكم والمردود والسمعة (30%)- الاقتباس (30%)- الاختراعات وبراءات الاختراع (2,5%)- النظرة الدولية: طلاب، هيئة تدريسية، بحوث دولية، 7,5%.. وهنا نلاحظ تباين شديد مع شنغهاي في المؤشرات وفي الأوزان.
ومثال آخر على التباين في المؤشرات والأوزان وبالتالي الترتيب : مثال على التباين غير المنطقي ، وزن البيئة التعليمية في احد المقاييس البريطانية يعطي هذا المؤشر في العلوم الانسانية والآداب 37,5 % بينما يعطي نفس المؤشر في العلوم الاجتماعية 32,5% ..لماذا؟ وفي وزن مؤشر الاقتباس يعطي العلوم الانسانية 15% والعلوم الاجتماعية 25%. ..لماذا؟ كذلك يعطي الاقتباس 15% في العلوم الطبية والعلوم التطبيقية، بينما في الهندسة الاقتباس له 25% …لماذا؟ لا تجد مبررات واضحة ومنطقية لكل هذا.
4- حساب البحوث باللغات الوطنية والتي قد يكون تاثيرها المجتمعي لا يقل أهمية عن بحوث أجنبية أو أكثر أهمية..وهناك مقاييس تعتمد في مؤشراتها على بعض المؤشرات مثل نسبة الطلبة الأجانب في الجامعة أو نسبة الأساتذة الأجانب في الجامعة أو سمعة الجامعة من خلال استطلاع رأي. أو سمعة الموظفين الإداريين..الخ، ولعل مثل هذه المعايير هي التي تعطي الجامعات السعودية مثلا مراكز متقدمة (نسبة الأجانب)، كما أن بعض المقاييس تستبعد الجامعات التي فيها دراسات عليا فقط (ماجستير ودكتوراة) دون مرحلة البكالوريوس، أو المعاهد المتخصصة في موضوع واحد فقط، وهو أمر يخرج هذه الجامعات من القياس تماما مع أنها قد تكون ذات مستوى عال.
خلاصة الأمر: هناك محاولات لوضع مقاييس منذ 2004 من قبل خبراء اليونسكو، او معهد سياسات التعليم العالي في واشنطن.. او مجموعة المعاهد الألمانية…لكن أزعم ان “السياسة” متوارية في باطن أغلب هذه المقاييس، بل إن بعضها يأخذ نقاط قوته ويجعلها مؤشرات ويعطيها أوزانا أعلى فيحصل على مراتب أفضل….هي لعبة ..ربما.
أما موضوع المجلات المحكمة التي ” يُعتد” الاقتباس منها كمؤشر على مستوى المجلة، فيتم تصنيف المجلات استنادا لمؤشرين( بشكل رئيسي) وهما :
1- impact factor (معامل التاثير) وهو أحد معايير التقييم ، لكني أرى فيه بعض الظلم لبعض الباحثين، فهذا المعيار يعتمد بشكل كبير على عدد مرات الاقتباس(citation) كما تعرضهWeb of Science citation index ، وهو أمر فيه مشكلات مثل:
أ- يرتبط معامل التأثير ارتباطاً وثيقاً بالمجال العلمي للمجلة التي يعبر عنها، فمثلاً تتراوح نسبة الاستشهاد في أول سنتين من تاريخ نشر البحث بين 1-3 بالمئة في المجلات المتخصصة في الرياضيات والفيزياء، بينما تتراوح بين 5-8 بالمئة في المجلات المتخصصة في علوم الأحياء، ونفس التباين نجده في العلوم الاجتماعية والانسانية.
ب- يعبر معامل التأثير عن معدل الاستشهادات التي يتلقاها البحث الواحد، مما يعني إنه لا يتبع توزيعاً احتمالياً طبيعياً ، لذا فإن استخدام المتوسط الحسابي لا يعبر بشكل صحيح عن هذا التوزيع الاحتمالي.
ت- يمكن للعديد من الأبحاث -خاصة ذات معامل التأثير المنخفض- أن تكون الكثير من استشهاداتها لأبحاث كتبت من قبل نفس مؤلف البحث (وهو ما يعرف بالاستشهاد الذاتي،أي ان الباحث يعيد الاقتباس من نفسه( ، ويدور جدل حول مدى تأثير ذلك على صحة مدلول معامل التأثير بشكل عام .
ث- يمكن للمجلة أن تقوم بنشر عدد أكبر من الأبحاث ذات الطابع المسحي، والتي تقوم بتصنيف الأبحاث في مجال معين دون تقديم إضافة علمية جديدة، وعادة ما يتم الاستشهاد بهذا النوع من الأبحاث بشكل أكبر بكثير من غيرها من الأبحاث التي تقدم إضافة علمية جديدة مما يرفع من معامل التأثير لهذه المجلة ويرفع ترتيبها ضمن المجلات في مجالها العلمي.
ج- عند حساب معامل التأثير تتم قسمة مجموع الاستشهادات على عدد المواد القابلة للاستشهاد بها، ويمكن لبعض المجلات أن تقلل من عدد المواد التي تعتبرها قابلة للاستشهاد من أجل تضخيم معامل التأثير، فهناك جدل حول ما يمكن اعتباره قابلاً للاستشهاد وما لا يمكن اعتباره كذلك، كافتتاحية المجلات التي تقوم بعض البحوث بالاستشهاد بها مع أنها قد لا تعتبر مادة قابلة للاستشهاد عند حساب معامل التأثير.
ح- آلية احتساب الاقتباس، فعلى سبيل المثال تقوم الجامعات السعودية بتقديم منح لباحثين غربيين مشهورين للتشارك مع باحثين سعوديين في بحوث مشتركة، وهو ما يقود إلى زيادة عدد الإشارات لتلك الاقتباسات وتحسين نقاط الجامعة التي ينتمي لها الباحث السعودي.
2- الترتيب: Ranking – ويتم الترتيب للمجلات استنادا لعدد من المعايير وهي:
أ- Eigenfactor: وتعني عدد الاقتباسات الواردة في مجلة مشهورة.
ب- impact factor : عدد الاقتباسات بشكل عام نسبة لما يصلح للاقتباس أو الاستشهاد به
ت- h-index : عدد من يتم تصنيفهم في رتبة العلماء من الذين يكتبون في المجلة.
ث- Expert survey: إجراء استطلاعات رأي للخبراء لتحديد مكانة(رتبة) المجلة.
هـ- Publication power approach:عدد المرات التي نشر فيها العلماء البارزون.
و- Altmetrics : الإشارة لها من قبل صفحات العلماء في مواقع التواصل الاجتماعي.
وأعتقد أن المعيار الثاني أكثر دقة وشمولية رغم تحفظي على بعض جوانبه، ولكن اعتماده يغير كثيرا من تصنيف الجامعات وتصنيف المجلات خلافا لما هو سائد في Thomson Reuters Web of Science أو غيره.