تشتكي كثير من الأمهات المطلقات والأرامل من الوضع القانوني لأبنائهم القصر من جهة الولاية، فالأم إن كانت مطلقة أو أرمل، فلها حق الحضانة، من القيام بالعناية والرعاية لطفلها الصغير، لكنها ليس لها الحق فيما يتعلق بشؤونه المالية، أو حق التعليم، أو حتى بعض الأمور التي تتعلق بعلاجه خاصة فيما يتعلق بإجراء العمليات الجراحية إن احتاج إليها الطفل، فهي إن كانت مطلقة وتعيش مع أولادها، فلابد من إذن الوالد، أو كانت أرمل فلابد أن تأخذ إذن الجد أو العم أو من له حق الولاية من العصبة، وهي ترى أن هذا من حقها، حتى تقوم بواجبها، فالزوج المطلق غالبا ما يعيش بعيدا عن زوجته وأولاده، وإن كان الوالد ميتا، فليس الجد أو العم بأحرص منها على مصلحة أولادها هكذا ترى.
وقد بدأت بعض الأعمال الدرامية الكثيرة والمتنوعة بطرح هذه القضية، ومنها على سبيل المثال المسلسل المصري الذي أذيع في رمضان 1444هـ ( تحت الوصاية)، وغيره من الأعمال الدرامية.
الولاية في الفقه
قسم الفقهاء الولاية على قسمين رئيسين:
القسم الأول – الولاية على النفس:
وفيها يقوم الولي بالإشراف على شؤون الطفل الصغير الشخصية، مثل: التأديب والتعليم، وكذلك الأمور الصحية، وألحق بها الفقهاء تزويج الصغير.
القسم الثاني - الولاية على المال:
وفيها يكون الولي مشرفا ومسؤولا وأمينا على مال الطفل الصغير، فيعمل على حفظ المال واستثماره وتنميته، وذلك أن الصغير لا يملك الخبرة الكافية في حفظ المال أو استثماره، فأوكل الأمر إلى وليه من الأب أو الجد أو العم أو بقية العصبات.
وهذه الولاية هي للرجال، ولا علاقة لها بقيام الحياة الزوجية بين الرجل أو المرأة، أو حدث بينهما طلاق، أو أن الرجل توفي، فيقوم ساعتها من بعده من الأولياء بهذه الواجبات من الأب أو الجد أو العم أو غيرهم.
والتساؤل الذي يطرح نفسه، مع ما تعانيه المطلقات أو الأرامل من مشاكل: ألا تكون الولاية لها أولى، خاصة أن الحضانة تكون معها؟
والجواب على هذا:
إن العلاقة بين الأب والأم هي علاقة زوجية، وهذه العلاقة قد تدوم، فتكون المسؤولية على الوالد أولا، وتشاركه الوالدة، وقد تكون علاقة مؤقتة، تنتهي بالزواج. هذا فيما يخص الزوجين.
أما ما يخص علاقة الوالد بأبنائه، فهي علاقة أبدية، لا تنتهي بأي شكل من الأشكال، ولا يمكن لها أن تتغير، حتى لو حصل طلاق بين الوالد والوالدة، فإن علاقة الأبناء بآبائهم وأمهاتهم ثابتة، وعلى الوالد- حتى لو كان مطلقا- أن يقوم بواجبه تجاه أبنائه، فالإسلام لا يرى أن الرجل إذا طلق زوجته، فقد حلت مساءلته عن واجباته تجاه أولاده، بل هو مسؤول أمام الله تعالى عن كل ما يتعلق بأبنائه الصغار، كما قال تعالى: {وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ} [الصافات: 24] ، فكل يوقف أمام ربه سبحانه يسأله عن واجباته، أحفظ أم ضيع؟
وقد ورد في الصحيحين عن عبد الله؛ أن رسول الله – ﷺ -، قال: “كلكم راع فمسئول عن رعيته، فالأمير الذي على الناس راع وهو مسئول عنهم، والرجل راع على أهل بيته وهو مسئول عنهم، والمرأة راعية على بيت بعلها وولده وهي مسئولة عنهم، والعبد راع على مال سيده وهو مسئول عنه، ألا فكلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته.
فليس من الحكمة إذا طلق الرجل زوجته، وأخذت الأم حضانة الأبناء أن نقول للآباء: إن علاقتكم بأبنائكم قد انتهت، فاذهبوا، وتزوجوا من امرأة أخرى، وأنجبوا أبناء آخرين، ولا تسألوا عن أولادكم من المرأة المطلقة، ذلك أن الطلاق لا يقع على الأولاد، وإنما يقع على الزوجة.
ومن هنا، نفهم حكمة الشريعة الغراء من تثبيت قيام الآباء بواجباتهم تجاه أبنائهم، سواء أكانوا يعيشون معهم، أم لا يعيشون معهم، ولا يترتب على تلك المسؤولية استمرار الحياة الزوجية بينه وبين زوجته أم لا.
أما ما نراه في الواقع المعيش من تخلي الآباء المطلقين عن أبنائهم من زوجتهم المطلقة، فهو مخالف لأحكام الشريعة والدين، كما يصادم الفطرة الإنسانية، وبدلا من أن نعطي المرأة هذه الواجبات وتلك المسؤولية؛ يجب أن نصحح الخلل في قيام هؤلاء الآباء بواجبهم تجاه أبنائهم.
أما ما تشكو منه الزوجات سواء من الأزواج المطلقين، أو المتوفين من عدم قدرتهم على القيام بالواجب تجاه الأبناء، فيما يتعلق بالولاية على المال أو الولاية الصحية أو الولاية التعليمية وغيرها، فإنه يجب التنبيه على عدة أمور ذات أهمية في هذه المجالات، وهي كالآتي:
الولاية المالية
من المعلوم أن المرأة – في الغالب وليس في الكل- ليست قادرة على إدارة المال، ولذا كان من الحكمة أن تكون الولاية المالية على العصبة، من الوالد إن كان حيا، أو على الجد أو على العم أو على العصبات، ثم أوجدت بعض النظم المعاصرة ما يسمى بـ( المجلس الحسبي)، الذي يكون تابعا للقضاء، والغرض منه عدم الإنفاق من مال الصغير إلا في الضرورات او الحاجات، حتى لا يهلك مال الصغير، والإشكالات التي تقابل الأم هو بطء القرارات والموافقة على الصرف من مال الصغير، وهذا حله، ليس بجعل الولاية المالية للمرأة التي ليس عندها خبرة، وإنما من خلال علاج الخلل الحاصل في المجالس الحسبية، وذلك من خلال إيجاد آليات وإجراءات لتسريع الفصل في الطلبات المقدمة من الأم حتى تستطيع أن تأخذ من مال أولادها الصغار للنفقة عليهم، إن لم يكن هناك من ينفق عليهم.
ولاية التعليم
أما ولاية التعليم، فهي لابد أن تكون مشاركة بين الوالدة والوالد إن كان حيا أو من ينوب عنه إن كان ميتا، ولا يمكن أن تستقل بها المرأة، فنقل الأبناء من مدرسة لأخرى، أو من مستوى تعليم إلى مستوى آخر، يترتب عليه واجبات تجاه الوالد إن كان مطلقا، فغالب من يدفع المصروفات المدرسية هو الوالد، وربما أرادت المرأة المطلقة أن تنتقم من زوجها، فتدخل جميع أبنائها المدارس الأجنبية لأجل أن تبدد مال مطلقها، حتى لا يستطيع الزواج مثلا، فلما كان هو من يدفع المصروفات وهذا من الواجب عليه، فكيف تعطى هذه السلطة في يد مطلقته، وما يكون بينهما من خصومة غالبا، ولذا، لابد من التراضي بين الطرفين في الولاية التعليمية، إلا إذا كان التصرف فيها لا يترتب عليه ضرر على الوالد، كنقل الطفل من مدرسة بعيدة إلى مدرسة قريبة، ولا يتعنت المطلق الذي يريد أن يرهق زوجته المطلقة بإبقاء الولد في المدرسة البعيدة عن بيتها، بل ساعتها يجوز لها نقل ولدها مالم يترتب على ذلك ضرر على الوالد.
الولاية الصحية
أما الولاية الصحية فهي أنواع، فما يتعلق بالرعاية الصحية المعتادة، فهو حق للمرأة دون الرجل، أما ما يتعلق بإجراء عمليات جراحية، فلابد أن يكون مشتركا بين الزوجين، أو الولي والأم، فإن ظهر تعسف من الولي، فلا اعتبار ساعتها لتعسفه، بل يكون الأمر وفقا لمصلحة الصغير.
وهنا يجب أن ننبه أن بعض التصرفات والإجراءات التي تتعلق بالصحة والتعليم يجب إعادة النظر فيها من الناحية الفقهية، فتكييف نقل الولد من مدرسة إلى مدرسة، أو إجراء بعض الفحوصات أو حتى بعض العمليات الضرورية ليس من الولاية في الحقيقة، بل هو من باب الرعاية، والرعاية هنا أقرب إلى الحضانة منها إلى الولاية.
كما أنه يجب استحضار دور الدولة ومؤسساتها اليوم، فإجراء عملية جراحية لا تخضع لقول الأم، بل هي تخضع لرأي الطبيب المعالج، وكذلك مدير المستشفى، وكل المسئولين، وهم يتحملون أمام القضاء المسئولية عن الموافقة بإجراء علمية جراحية للصغير و الكبير، فإن ثبت تفريطهم؛ عرض أمرهم للقضاء؛ ليحكم فيها حسب ما يتراءى له من حيثيات.
والذي نخلص إليه في هذا المقام:
1 – أن هناك من يريد أن يزحزح المسؤوليات الاجتماعية، انطلاقا من النسوية والمساواة بين الرجل والمرأة، والقضية أكبر من صراع الديكة الذي يصورنه بين الذكر والأنثى.
2 – أن الشريعة تؤكد على قيام الرجل والعصبة بواجباتهم تجاه أبنائهم، وأن هذا الواجب يتساوى في حال المرأة المطلقة أو المرأة المتزوجة.
3 – أن بعض الاجتهادات الفقهية تخلط بين مفهوم الرعاية ومفهوم الولاية، وأنه لابد من تحرير محل المسألة أو القضية، هل هي خاضع للرعاية أم خاصة للولاية، حتى يقوم كل فرد في المجتمع بواجباته المنوطة به.
4 – أن الشريعة تؤكد أن الطلاق لا ينهي علاقة الوالدين من التشاور والتعاون في القيام بواجب الأبوة والأمومة تجاه الأبناء، وأن الطلاق ليس مانعا من القيام بتلك المسؤوليات الاجتماعية.