رأى كثير من علمائنا الأقدمين السكوت عمّا جرى بين الصحابة -رضي الله عنهم-وما وقع في تلك الأجيال من فتن، وكان القصد من هذا واضحا، فالأمة كانت على بصيرة، ولا يخشى على شبابها من تشكيكات المشككين أو شبهات الزائغين، إضافة إلى أن الأمة كانت أمة جهاد وعمل، فوصلت طلائعها إلى قلب أوربا غربا، وإلى تخوم الصين شرقا، ولم تكن تلتفت إلى أولئك القابعين في الجحور المظلمة الذي يعيشون أحقادهم وأمراضهم.
لكن ربما فات على أمتنا أنها إن لم تكتب هذه المحطات من تاريخها بأقلامها، فسيكتبها غيرها، وهذا الذي حصل بالفعل، فصارت مناسباتنا التاريخية بحلوها ومرّها مواسم لإثارة الفتن والشغب والتشكيك حتى بالقرآن نفسه، ولم يعد هذا الجيل متحصنا بالورع كأسلافه، ولا منشغلا بالفتوحات والعمل المثمر كما كانوا منشغلين.
إن وجود رواية واحدة لهذه الأحداث ومن طرف واحد ولّد حالة من الفراغ لدى كثير من شبابنا، وصاروا يتلقون أسئلة لا يحسنون الجواب عنها، مع أن الموضوع لا يحتاج إلى عناء كبير، فالأصول المنهجية الواضحة معنا وليست مع الآخرين، لكننا نحتاج إلى أن نخرج من طوق الصمت الذي فرضناه على أنفسنا، خاصة مع حالة الفراغ المعرفي الذي يعاني منه كثير من شبابنا مع وجود أبواق تضخ ليل نهار بشبهاتها وتشكيكاتها.
إنها مسؤولية العلماء أولا ، ثم مسؤوليتكم أنتم أيها الشباب في التعلم والتثقف..
إننا لا نحتاج إلى أن نقابل اللعن باللعن ولا الطعن بالطعن، إننا لا نحتاج إلا إلى العلم، إلى أن نقرأ بعمق ووعي، ونتجاوز حالة السطحية والغوغائية في القراءة والنشر وإعادة النشر.