ذهلت ذات يوم وأنا أسمع أحد الدعاة المرموقين يتحدث في أحد المساجد في قضايا الإسلام فاذا به يعرج نحو علم المنطق بالذم له والتحذير منه مسميا إياه ” طاغوت المنطق “!!
فأنا قد تعلمت المنطق وقرأت فيه بإسهاب وعرفت قدره ونفعه للعقل والتفكير ، فلم يستقم في عقلي ماقاله الشيخ رغم حبي وتقديري له وسألت نفسي ماسبب ذاك الهجوم والتحذير من المنطق او من “الطاغوت” على حد تعبيره؟
وجدت أن السبب يرجع إلى فتوى لشيخ الاسلام ابن تيمية ، ذكرها في كتاب المنطق من مجموع فتاواه اذ قال : ” ولهذا ما زال علماء المسلمين وأئمة الدين يذمونه ويذمون أهله وينهون عنه وعن أهله حتى رأيت للمتأخرين فتيا فيها خطوط جماعة من أعيان زمانهم من أئمة الشافعية والحنفية وغيرهم فيها كلام عظيم في تحريمه وعقوبة أهله”
دعونا نعالج موضوع المنطق بالمنطق نفسه ، فمن أساسيات المنطق تحديد المراد من الألفاظ وتحديدا مايسمونه باللفظ المشترك الذي له أكثر من معنى ، لذلك من المنطق قبل الولوج في الموضوع تحريما أو تحليلا ، تأييدا أو اعتراضا تحديد ماهو المنطق وتعريفه؟
اشتقت كلمة Logic الإنجليزية والتي تعني المنطق من الكلمة اليونانية Logos ومعناها : الكلمة ، ثم أخذت معنى أصطلاحياً هو ما وراء الكلمة من عملية عقلية ثم ارتباط الكلمة بكلمة أخرى لتكون قضية أو حكماً ، ثم الاستدلال على الأحكام والبرهنة عليها وارتباطها ارتباطاً عقلياً بعضها ببعض
ستجد تعريفات كثيرة للمنطق والتفكير المنطقي ولعل من أبسطها وأجملها ما عرّفه به وليم شانر في كتابه ” الطريق إلى التفكير المنطقي ” بأنه : “علم التفكير الواضح”
وأيضا قيل عنه وعن قيمته ” أن القيمة الدراسية لعلم المنطق هي بتوفره على تكوين قدرة التفكير السليم في البحث والنقد وتقييم الآراء والأفكار وتقدير الأدلة والبراهين في مختلف مجالات الفكر الإنساني ”
ولو بحثت في تعاريف المنطق عندأهل هذا العلم نفسه تجدها أكثرها تتمحور حول موضوع التفكير
اذا كان هذا حال المنطق وهذه غاياته والمراد منه فما المبرر والدليل الشرعي الذي يجعل من المنطق حراما ؟؟؟
لم أجد في شرعنا أدلة لا من القران ولا من السنة مايجعل من تطوير طرق التفكير ووضع قواعد عامة له تضبطه وتعالج أخطائه حراما بل على العكس من ذلك لو تمعنت في آيات القران تجد كثير منها يدعو الى التفكر والتفكير وتجد أن القران كان يحاجج المشركين بالأدلة العقلية والمنطقية ويدعوهم الى التعقل واستخدام البراهين العقلية ” أفلا يعقلون ” و ” قل هاتوا برهانكم”
وعندما تدرس علم أصول الفقه تجده في كثير من مواضيعه ومباحثه يشترك مع المنطق وتجد ذات المصطلحات هنا وهناك كالقياس والاستدلال والبحث في الحكم وأدلته والألفاظ ودلالاتها كاللفظ العام والخاص واللفظ المشترك وغيره ، فالذين حرموا المنطق تجدهم اشتغلوا في أصول الفقه دراسة وتدريسا!! فهل يعقل أن يأتي رجل ويقول بحرمة أصول الفقه أيضا؟؟
هناك جزء من المنطق والفلسفة قد يتعارض أحيانا مع العقائد الإسلامة وتحديدا ما يتعلق بالإلهيات وماوراء المادة ولعل شيخ الاسلام ابن تيمية ومن وافقه من أئمة السلف حينما ذمّوا المنطق كانوا يقصدون ذلك الجزء الذي يتجاوز خطوطا وضعها الشرع ولكن ذلك أيضا ليس مبررا لتحريم العلم كله ونهي المسلمين من تعلمه واستخدامه لخدمة الإسلام ذاته
أما أن يأتي من بعدهم فيحرموا المنطق ويذموه لمجرد أن ذمه ابن تيمية دون نقد وتمحيص ومعرفة الأسباب والأدلة التي استند عليها فليس من المنهجية العلمية والحكمة بشيء
نحن المسلمون إذا أردنا أن نبني حضارة وننهض بأمتنا نحتاج أن يكون لنا السبق في مثل هذه العلوم الإنسانية والعلوم التطبيقية علما وتطبيقا ولا تتوقف ثقافتنا ومعارفنا على علوم الشريعة فقط