يقول الله تعالى في محكم كتابه: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ * ليلة القدر خير من ألف شهر * تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ * سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ} (القدر: 1 – 5) الحديث في هذه السورة عن تلك الليلة، ليلة القدر الموعودة المشهودة التي سجلها الوجود كله في فرح وغبطة وابتهال. هي ليلة الاتصال المطلق بين الأرض والملأ الأعلى، ليلة بدء نزول هذا القرآن على قلب محمد – – ليلة ذلك الحدث العظيم الذي لم تشهد الأرض مثله في عظمته، وفي دلالته، وفي آثاره في حياة البشرية جمعاء.

اكتشف فضائل ليلة القدر، ليلة خير من ألف شهر، التي تزخر بالبركات والمغفرة. ,تعرف على أهميتها وكيفية استغلالها في العشر الأواخر من رمضان لنيل الأجر العظيم.

ليلة القدر في النصوص القرآنية

النصوص القرآنية التي تذكر هذا الحدث تكاد تنير، بل هي تفيض بالنور الهادئ الساري الرائق الودود؛ نور الله المشرق في قرآنه:

  • {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ} [القدر: 1] ونور الملائكة والروح وهم في غدوهم ورواحهم طوال الليلة بين الأرض والملأ الأعلى: {تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ} (القدر: 4)
  • ونور الفجر الذي تعرضه النصوص متناسقا مع نور الوحي ونور الملائكة، وروح السلام المرفرف على الوجود وعلى الأرواح السارية في هذا الوجود: {سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ} (القدر: 5).
  • والليلة التي تتحدث عنها السورة هي الليلة التي جاء ذكرها في سورة الدخان: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ أَمْرًا مِنْ عِنْدِنَا إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} (الدخان: 3 – 6)
  •   والمعروف أنها ليلة من ليالي رمضان، كما ورد في سورة البقرة: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ} (البقرة: 185).. أي التي بدأ فيها نزول القرآن على قلب الرسول – – ليبلغه إلى الناس. وفي رواية ابن إسحاق أن أول الوحي بمطلع سورة العلق كان في شهر رمضان، ورسول الله – – يتحنث في غار حراء.[1]. أما ليلة القدر، وهي الليلة التي أنزل فيها القرآن، فهي ليلة باركها الله سبحانه وتعالى، واصطفاها من بين الليالي، كما يصطفي من يشاء من عباده للنبوة.. فهي ليلة مباركة، لأنها كانت ظرفا حاويا للرحمة المنزلة من السماء إلى الأرض، وهي القرآن الكريم.(2)
ليلة القدر خير من ألف شهر
ليلة القدر خير من ألف شهر

الأجر والبركة والمغفرة

وقال الإمام أحمد: حدثنا إسماعيل، حدثنا أيوب، عن أبي قلابة، عن أبي هريرة، قال: لما حضر رمضان، قال رسول الله : ” قد جاءكم رمضان، شهر مبارك، افترض الله عليكم صيامه، تفتح فيه أبواب الجنة، وتغلق فيه أبواب الجحيم، وتغل فيه الشياطين، فيه ليلة خير من ألف شهر، من حرم خيرها، فقد حرم“.(3)

ولما كانت ليلة القدر خير من ألف شهر أي تعدل عبادتها عبادة ألف شهر ثبت في الصحيح عن أبي هريرة أن رسول الله قال: «من قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا، غفر له ما تقدم من ذنبه، ومن صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه».(4) وفي رواية لمسلم: «من يقم ليلة القدر فيوافقها – أراه قال – إيمانا واحتسابا، غفر له».(5)

معنى كلمة القدر

واختلف في المراد أو المعنى من كلمة (القدر) الذي أضيفت إليه الليلة فقيل المراد به التعظيم كقوله تعالى : {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ} (الأنعام: 91)

والمعنى أنها ذات قدر لنزول القرآن فيها أو لما يقع فيها من تنزل الملائكة أو لما ينزل فيها من البركة والرحمة والمغفرة أو أن الذي يحييها يصير ذا قدر؛ وقيل القدر هنا التضييق كقوله تعالى {وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ} (الطلاق: 7) ومعنى التضييق فيها إخفاؤها عن العلم بتعيينها أو لأن الأرض تضيق فيها عن الملائكة، وقيل القدر هنا بمعنى القدر بفتح الدال الذي هو مؤاخي القضاء والمعنى أنه يقدر فيها أحكام تلك السنة لقوله تعالى {فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ} (الدخان: 4) وبه صدر النووي كلامه فقال قال العلماء سميت ليلة القدر لما تكتب فيها الملائكة من الأقدار لقوله تعالى {فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ} (الدخان: 4)  ورواه عبد الرزاق وغيره من المفسرين بأسانيد صحيحة عن مجاهد وعكرمة وقتادة وغيرهم.(6)

وقال رسول الله : «إني أريت ليلة القدر، ثم أنسيتها – أو نسيتها – فالتمسوها في العشر الأواخر في الوتر، وإني رأيت أني أسجد في ماء وطين، فمن كان اعتكف مع رسول الله ، فليرجع»، فرجعنا وما نرى في السماء قزعة، فجاءت سحابة فمطرت حتى سال سقف المسجد، وكان من جريد النخل، وأقيمت الصلاة، فرأيت رسول الله يسجد في الماء والطين، حتى رأيت أثر الطين في جبهته”.(7)

وقد جعل لنا نبينا – – سبيلا هينا لينا لاستحياء هذه الذكرى في أرواحنا لتظل موصولة بها أبدا، موصولة كذلك بالحدث الكوني الذي كان فيها؛ وذلك فيما حثنا عليه من قيام هذه الليلة من كل عام، ومن تحريها والتطلع إليها في الليالي العشر الأخيرة من رمضان.. وذلك ليكون هذا القيام استحياء للمعاني الكبيرة التي اشتملت عليها هذه الليلة «إيمانا» وليكون تجردا لله وخلوصا «واحتسابا». ومن ثم تنبض في القلب حقيقة معينة بهذا القيام، ترتبط بذلك المعنى الذي نزل به القرآن.(8)