إن التشابه بين قصص القرآن وقصص التوراة والإنجيل لا يعود إلى عمليات الأخذ من هذه الكتب المقدسة من قبل محمد ﷺ كما تدعي دراسات استشراقية. والمؤكد أن ما يوافق السياق القصصي القرآني من قصص التوراة والإنجيل، فهو إلى الوحي الإلهي أقرب، لقوله تعالى: { شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ} (الشورى: 13).
ولذلك؛ فإن التشابه بين قصص القرآن وقصص التوراة والإنجيل و أي تشابه بين هذه الكتب المقدسة والقرآن الكريم يعبر بوضوح عن وحدة المصدر، وهو الوحي، وأن هذه النصوص سلمت من التحريف. بينما ما يختلف منها عن القرآن يعني أنها تعرضت للتحريف، والقرآن هو المصحح والمهيمن عليها، لقوله تعالى: { وأنزلنا إليك الكٌتّابّ بالحقّ مصّدقْا لما بين يديه من الكتاب ومهيمناً عليه } (المائدة: 48).
التشابه بين قصص القرآن وقصص التوراة والإنجيل
ورغم هذا التشابه بين قصص القرآن وقصص التوراة والإنجيل، فإن القرآن يخالف هذه الكتب المقدسة في كثير من الأمور، فيضيف إليها تارة ما يجهله اليهود والنصارى، وتارة يصحح كثيراً من أخطائهم، فيتضمن قصصاً لم تذكر في كتبهم المقدسة، كقصة ابن نوح وكفره وغرقه في الطوفان، وحادثة إشعال النار لإبراهيم وحفظ الله له، وقصة إيمان امرأة فرعون ونجاة جسده بعد موته بالغرق، وقصة المسيح وهو يكلم الناس في المهد، وقصة إنزال المائدة، وغير ذلك مما لا يعلمه أهل الكتاب.
ومما صَحّحه القرآن الكريم من معلومات خاطئة، أن ذبيح إبراهيم كان إسماعيل وليس إسحاق. وأن الذي صنع العجل لبني إسرائيل في غياب موسى هو السامري، وليس هارون. كما نفى رؤية موسى لذات الله جل جلاله، وقرر عدم إمكانية الرؤية في الدنيا. ونفي أيضا صلب المسيح، وإنما الذي صلب هو من شبه لهم.
فإذا كان محمد قد استقى هذه المعلومات من كتب اليهود والنصارى، فلماذا هذه الإضافات؟ ولماذا خطَّأهم القرآن في بعض ما ذكروه؟ ألم يكن من الأفضل أن يوافقهم فيما قالوا؟
وكيف إذا كان الاختلاف بين القرآن وهذه الكتب المقدسة في بعض القضايا التاريخية، بينما الحقائق التاريخية والعلمية تؤكد صحة القرآن الكريم؟
على سبيل المثال، نجد في التوراة، عند حديثها عن عبور بني إسرائيل للبحر الأحمر، فإنها تشير إلى غرق فرعون وجنوده. أما الرواية القرآنية، فتكمل هذا المشهد، بذكر نجاة فرعون جسدياً بعد موته غرقا. وتأتي الدراسات المصرية لدحض الرواية التوراتية وتفنيدها، مؤكدة أن تاريخ ملوك مصر لم يسجل اختفاء فرعون الذي كان معاصراً لموسى في البحر الأحمر.
وفي سياق الخديث عن التشابه بين قصص القرآن وقصص التوراة والإنجيل ، أثبت الفرنسي موريس بوكاي في مقارنته بين قصة الخلق في القرآن والتوراة والإنجيل والعلم، أن الآيات القرآنية تتفق مع الحقائق العلمية، بينما تناقضها الكتب المقدسة الأخرى.
وإضافة إلى ما ذكر، ذلك الالتباس والتناقض الملحوظ في نصوص التوراة والإنجيل، ووحدة النص التي اتسمت بها آيات القرآن الكريم؛ مما أدى إلى الاعتقاد باستحالة أخذ القرآن من هذه الكتب المقدسة. فمثلاً، لم يجد الفيلسوف اليهودي باروخ سبينوزا مناصاً من الاعتراف بهذا التناقض الصارخ بين فقرات التوراة ونصوصها، فخلص إلى أن موسى لا يمكن أن يكون كاتب التوراة الحالية.
لقد أثارت الاختلافات والتناقضات الكبيرة في نصوص التوراة والإنجيل الحاليين، اهتمام العديد من المؤرخين والنقاد، وتشكلت نظريات نقدية حديثة في أوروبا، تثبت جميعها تعدد مصادر التوراة والإنجيل في كتابتهما، وبعدهما عن أصلهما الأول الموحى به.