صلاة التهجد سنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهي لا عدد لها ،وإن كان المنقول من فعل النبي صلى الله عليه وسلم أنها إحدى عشرة ركعة أو ثلاث عشرة ركعة ، ووقتها أي وقت من الليل، وإن كان أفضل وقتها ثلث الليل الأخير، وهي تصلى ركعتين ركعتين، ويجوز صلاتها أربعا أربعا، ويسن أن يبدأ الإنسان صلاة التهجد بركعتين خفيفتين .

مفهوم التهجد

 يقال: هجد الرجل إذا نام بالليل، وهجد إذا صلى بالليل. وأما المتهجِّد فهو القائم إلى الصلاة من النوم (١)

قال الله عز وجل في صفة عباد الرحمن: { وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا} (الفرقان : 64).

وقال عز وجل في صفة المتقين: {كَانُوا قَلِيلا مِّنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ * وَبِالأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} (الذاريات : 17  – 18 ) .

وقال تعالى في أصحاب الإيمان الكامل: { تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ * فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ ما أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ } (السجدة : 16 – 17).

وقال سبحانه: { يَتْلُونَ آيَاتِ الله آنَاء اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ } (آل عمران : 113).

وقال سبحانه وتعالى: { وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالأَسْحَارِ} (آل عمران : 17) ووصف الله عز وجل – أهل الإيمان الكامل الذين يقومون بالليل بالعلم، ورفع مكانتهم على غيرهم، فقال تعالى: { أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الأَلْبَابِ } (الزمر : 9)، ولعظم شأن صلاة الليل قال الله لنبيه صلى الله عليه وسلم: {يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ * قُمِ اللَّيْلَ إِلا قَلِيلا * نِصْفَهُ أَوِ انقُصْ مِنْهُ قَلِيلا * أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلا} (المزمل : 1 – 4).

وقال سبحانه للنبي صلى الله عليه وسلم: { وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَّكَ عَسَى أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَّحْمُودًا} (الإسراء : 79)، وقال عز وجل: { إِنَّا نُحن نَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ تَنزِيلا * فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِمًا أَوْ كَفُورًا * وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ بُكْرَةً وَأَصِيلا * وَمِنَ اللَّيْلِ فَاسْجُدْ لَهُ وَسَبِّحْهُ لَيْلا طَوِيلا } (الإنسان: 23 – 26).

وقال سبحانه وتعالى : {وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَأَدْبَارَ السُّجُود} (ق: 40). وقال عز وجل: { وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَإِدْبَارَ النُّجُوم} (الطور : 49)، وحث عليها النبي – صلى الله عليه وسلم – بقوله: ” أفضل الصيام بعد رمضان شهر الله المحرم، وأفضل الصلاة بعد الفريضة صلاة الليل” (رواه مسلم).

وقت صلاة التهجد

أفضل صلاة الليل ثلث الليل بعد نصفه، فتقسم الليل أنصافاً، ثم تقوم في الثلث الأول من النصف الثاني، ثم تنام آخر الليل.

قال عليه الصلاة والسلام: “أحب الصلاة إلى الله صلاة داود عليه السلام، وأحب الصيام إلى الله صيام داود، وكان ينام نصف الليل، ويقوم ثلثه، وينام سدسه، ويصوم يوماً، ويفطر يوماً”. (متفق عليه)

صفة صلاة التهجد

يُسن أن ينوي الإنسان قيام الليل عند النوم، فإن غلبته عيناه ولم يقم كُتب له ما نوى، وكان نومه صدقة عليه من ربه، وإذا قام للتهجد مسح النوم عن وجهه، وقرأ العشر آيات من آخر آل عمران (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ .. )، ويستاك، ويتوضأ، ثم يفتتح تهجده بركعتين خفيفتين، لقوله عليه الصلاة والسلام: ((إذا قام أحدكم من الليل فليفتتح صلاته بركعتين خفيفتين)). (أخرجه مسلم ).

ثم يصلي مثنى مثنى، فيسلم من كل ركعتين لما روى عبدالله بن عمر رضي الله عنهما قال: إن رجلاً قال: يا رسول الله، كيف صلاة الليل؟ قال: “مثنى مثنى، فإذا خِفْتَ الصبح فأوتر بواحدة. (متفق عليه).

وله أن يصلي أحياناً أربعاً بسلام واحد.

ويستحب أن يكون له ركعات معلومة، فإن نام عنها قضاها شفعاً، وقد سُئلت عائشة رضي الله عنها عن صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم بالليل فقالت: سبع، وتسع، وإحدى عشرة سوى ركعتي الفجر. (أخرجه البخاري).

ويسن أن يكون تهجده في بيته، وأن يوقظ أهله، ويصلي بهم أحياناً، ويطيل سجوده بقدر قراءة خمسين آية، فإن غلبه نعاس رقد، ويستحب أن يطيل القيام والقراءة فيقرأ جزءاً من القرآن أو أكثر، يجهر بالقراءة أحياناً، ويُسِرُّ بها أحياناً، إذا مرَّ بآية رحمة سأل، وإذا مرَّ بآية عذاب استجار، وإذا مرَّ بآية فيها تنزيه لله تعالى سبَّح.

ثم يختم تهجده بالليل بالوتر لقوله عليه الصلاة والسلام: ” اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وترا”. (متفق عليه).

فضل قيام الليل

يقول الدكتور عبدالرحمن العدوي أستاذ الفقه بجامعة الأزهر : قد أمر الله نبيه محمدًا ـ صلى الله عليه وسلم ـ بالتهجد، وصلاة الليل، فقال له: { وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَّكَ عَسَى أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَّحْمُودًا } سورة الإسراء 79.

وهذا الأمر وإن كان لرسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ إلا أن عامة المسلمين يدخلون فيه، بحكم أنهم مطالبون بالاقتداء برسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وقد جاءت آيات كثيرة تبين فضل قيام الليل، وأن المحافظين على قيامه هم المحسنون المستحقون لجنات الله ونعيمه، وأنهم عباد الرحمن الذين يبيتون لربهم سجدًا وقيامًا، وقد رويت أحاديث كثيرة في فضل قيام الليل، منها قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: “عليكم بقيام الليل، فإنه دأب الصالحين قبلكم، ومقربة لكم إلى ربكم، ومكفرة لسيئاتكم، ومنهاة عن الإثم، ومطردة للداء من الجسد. (رواه أحمد والترمذي، والحاكم والبيهقي، وصححه الألباني).

ويصلي في الليل ركعتين ركعتين بغير عدد محدود قدر طاقته، لقوله صلى الله عليه وسلم: “صلاة الليل مثنى مثنى”. وروي من فعل رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ أنه كان يصلي في الليل إحدى عشرة ركعة، أو ثلاث عشرة بإضافة ركعتي الفجر، فعن عائشة ـ رضي الله عنها ـ قال: “ما كان يزيد في رمضان ولا غيره على إحدى عشرة ركعة، يصلي أربعًا، فلا تسأل عن حسنهن وطولهن، ثم يصلي أربعًا، فلا تسأل عن حسنهن وطولهن، ثم يصلي ثلاثًا”.

وتجوز صلاة الليل في أول الليل ووسطه وآخره، وأفضل أوقاتها ثلث الليل الأخير، فعن عمرو بن عبسة قال: سمعت النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ يقول: “أقرب ما يكون العبد من الرب في جوف الليل الأخير، فإن استطعت أن تكون ممن يذكر الله في تلك الساعة فكن”.

ويستحب أن يبدأ تهجده بركعتين خفيفتين، فإن النبي كان يفعل ذلك، وهو مخير بين الجهر بالقراءة والإسرار بها، إلا إذا وجد من يضره رفع الصوت، فيكون الإسرار بها أفضل، ويستحب المداومة على تطوعه، فخير الأعمال أدومها وإن قل.