إن الإساءة إلى الرسول ﷺ ليست جديدة. فقد بدأت منذ عهده ﷺ، حينما كان أبو لهب يؤذيه هو وزوجته أم جميل، التي كانت تضع الشوك والأوساخ في طريقه وعلى باب بيته، وتفسد بينه وبين الناس بالنميمة[1]. وفيهما نزل قوله تعالى: (تَبَّتۡ يَدَآ أَبِي لَهَب وَتَبَّ * مَآ أَغۡنَىٰ عَنۡهُ مَالُهُۥ وَمَا كَسَبَ * سَيَصۡلَىٰ نَارا ذَاتَ لَهَب * وَٱمۡرَأَتُهُۥ حَمَّالَةَ ٱلۡحَطَبِ * فِي جِيدِهَا حَبۡل مِّن مَّسَدِۭ)[2].
ووضع عقبة بن أبي معيط بفرث بدمه وقذارته (او ما يعرف بسلا جزورٍ وهو ما يخرج من الناقة عند ولادتها) فوق ظهره وهو ساجد في صلاته، فجاءت فاطمة فأزالته عنه[3]. وغير ذلك الكثير مما حدث في مكة قبل الهجرة، حينما كان المسلمون مستضعفين، وكان كفار قريش يذيقونهم صنوف العذاب والذل.
وكان ﷺ صبور على كل ذلك، حتى ما أذن الله تعالى له بالهجرة هو وأصحابه إلى المدينة. فوجدوا هناك الأنصار في إستقبالهم والبشرى والفرح تملأ قلوبهم بقدوم الحبيب المصطفي صلوات الله وسلامه عليه. فآووه ونصروه وعظموه، وفازوا بصحبته ونصرته في الدنيا، كما فازوا بالوعد بالفلاح والجنة في الآخرة. قال تعالى: (فَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ بِهِۦ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَٱتَّبَعُواْ ٱلنُّورَ ٱلَّذِىٓ أُنزِلَ مَعَهُۥٓ ۙ أُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلْمُفْلِحُونَ)[4]. فيا له من شرف كبير وفضل عظيم سبقنا إليه الإنصار، وكان حري بكل مسلم السعي إليه. نسأل الله أن يكون لنا منه نصيب.
الإساءة إلى الرسول ﷺ في العصر الحديث
توالت إساءة الغرب الي الإسلام والمسلمين في العصر الحديث عبر وسائل الإعلام المختلفة. ولم يكتفوا بهذا، بل وصل بهم الأمر إلى نشر الرسوم الفاضحة والكاريكاتيرات الساخرة عنه ﷺ في الصحف والمجلات وشبكات الإنترنت والتواصل الإجتماعي. وبدأ تسلسل الإحداث في هذا الشأن منذ عام ٢٠٠٥م، حين أشعل الدنماركي كورت نار الفتنة بنشر رسم مسيء للنبي ﷺ بأحد الصحف الدنماركية. فتشجع الرسامين من بعده على نشر المزيد من الرسومات المسيئة له. فنشرتْ صحيفة جيلاندس بوستن الدنماركية إثني عشر رسماً كاريكاتورياً تحريرياً مسيئا بعنوان (محمد أنسيجت اي وجه محمد). ثم جاء بعده السويدي لارس فيلكس عام ٢٠٠٧م برسومه المسيئة للرسول[5].
وتكرر هذا الأمر الخبيث في الدنمارك وفرنسا والسويد وغيرها. فهم – عليهم لعنة الله – يسيئون الي خيرة الخلق بأبشع الرسومات، والتي لا تُقبَل حتى في حق مواطن عادي؛ ناهيك عن نبيّ مُرسل ويتَّبعه ملايين من البشر حول العالم. ويا للعجب، أن هذا يحدث في أوروبا التي تدعى حرية الأديان والرأي. وأي حرية هذه التي يتحدثون عنها؟! إذ لو كانت هناك حرية لما أهانوا نبي له أتباعه. إذ هم بهذه الإساءة يوجهون إضطهاد لجهة معينة بالطعن في دينها ومقدساتها وينقضون نظرية حرية المعتقد التي يتباهون بها. وقد توعد الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم باللعن والعذاب في الدنيا والآخرة لمن يسيء إلي الرسول ﷺ. وذلك في قوله تعالى: (إِنَّ ٱلَّذِينَ يُؤْذُونَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ لَعَنَهُمُ ٱللَّهُ فِى ٱلدُّنْيَا وَٱلْآَخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُّهِينًا)[6].
وبالفعل رأينا النهايات الذليلة والمريرة لمن اساء إليه، والتي كان من آخرها موت الرسام السويدي محترقاً في سيارته في أبشع صور الموت. كما لا يخفى على أحد الكوارث الطبيعية الكثيرة التي مرت بها البلاد الأوروبية مؤخرا لا سيما فرنسا؛ وكأنه نوع من العذاب وإنتقام الله تعالى منهم.
مساوئ نشر رسوم الكاريكاتير المسيئة للرسول من منظور إسلامي
- في هذه الرسوم تجرأ على مقدسات الناس وأديانهم، وسوء ادب مع الله ورسوله. قال تعالى: (إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ)[7].
- نشر مثل هذه الرسوم فيه وقاحة متناهية مع رسول الله وإصرار على الكفر والعداوة لرسول الله والمجاهرة به. ومع ذلك فالله سبحانه وتعالى وليه وناصره. قال تعالى: (مَنْ كَانَ يَظُنُّ أَنْ لَنْ يَنْصُرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّمَاءِ ثُمَّ لِيَقْطَعْ فَلْيَنْظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ مَا يَغِيظُ)[8].
- كما أن فيه جهل بعواقب الأمور وان سُنَّة الله هو نصرة نبيه وعقاب من يسئ إليه. قال تعالى: (إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ)[9].
- نشر هذه الرسوم يمكن أن يثير المظاهرات والإعتراض على الدولة أو الدول الأخرى مما يسبب زعزعة لأمن وسلامة الدولة.
وجوب نصرة النبي ﷺ:
يجب محاربة الإساءة إلى الرسول ﷺ في الاعلام. وعلينا التكاتف جميعا لنصرته، كلٌ حسب طاقتِهِ. فنحن أمته وأولى الناس بنصرته والدفاع عنه. قال تعالى: (ٱلنَّبِىُّ أَوْلَىٰ بِٱلْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ)، وقال أيضاً: (إِلَّا تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ ٱللَّهُ)[10]. ولنكن على يقين أن الله ينصر من ينصره وينصر نبيه، سواء بإظهارهم على أعدائهم في الدنيا، أو بفوزهم بالجنة في الآخر. قال تعالى: (وَلَيَنصُرَنَّ ٱللَّهُ مَن يَنصُرُهُۥٓ ۗ إِنَّ ٱللَّهَ لَقَوِىٌّ عَزِيزٌ)[11]. وقال أيضاً: (وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ)[12].
مقترحات لنصرة النبي ﷺ
يجب عدم نشر هذه الصور لان ذلك يسئ للنبي ﷺ؛ وهو مبتغى المسيئين. فنشرها يجعلها متداولة وفي متناول الجميع مما يسئ أكثر إليه. ويمكن الاكتفاء بنقل الخبر دون الصورة حتى يتصدى له المسلمين بالرد عليهم بالحكمة. ومن الوسائل المقترحة لتحقيق ذلك:
- نشر مقالات مضادة باللغة الإنجليزية وغيرها تبرز اخلاق النبي ومكانته بين المسلمين وحبهم له وأنهم يفدونه بأرواحهم. ويتم نشره هذ المقالات في المواقع الإلكترونية ومواقع التواصل الاجتماعي والمنتديات الأجنبية لا سيما الأوروبية.
- إنشاء مواقع تعريفية به وبسيرته وصفاته. وتترجم هذه المواقع للغات العالم المختلفة لإعلام العالم أجمع عنه ﷺ وعن خصاله الرفيعة وسيرته العطرة.
- يمكن عمل برامج للجوال عن سيرته تستهدف الصغار لتعليمهم سيرته العطرة، وتترجم كذلك بلغات مختلفة.
- عمل برامج تلفزيونية لنصرته والدفاع عنه ﷺ.
- تأليف كتب في السيرة بمختلف اللغات. ومن هنا نهيب بمختصي الترجمة واللغات للمساعدة بترجمة كتب السيرة الجيدة ومنها الرحيق المختوم. ويحبذ بالبدء بالكتب المختصرة أو الصغيرة نسبيا لتسهيل فهمها من قبل غير المسلمين وغير الناطفين باللغة العربية. وربما يمكن البدء بمنشورات صغيرة توزع في مساجد أوروبا وأمريكا. فهي سهلة التصميم وقليلة التكلفة.
نسأل الله تعالى أن ننال شرف الدفاع عنه نبيه ونصرته، ونسأله شفاعته يوم القيامة، وأن يسقينا من حوضه شربة لا نظمأ بعدها أبدا، ومرافقته في الفردوس الأعلى من الجنة، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
[1] فيض القدير شرح الجامع الصغير، عبد الرؤوف المناوي، جزء ٥، صفحة ٥٤.
[2] سورة المسد، آية ١-٥.
[3] الراجحي، عبد العزيز، شرح سنن النسائي، ١٦/١٦.
[4] سورة الأعراف، آية ١٥٧.
[5] كيف بدأت قضية رسوم النبي محمد المنشورة في الدنمارك قبل ١٥ عاما، swissinfo.ch، بتصرف.
[6] سورة الأحزاب، آية ٥٧.
[7] سورة الحجر، آية ٩٤-٩٥.
[8] سورة الحج، آية ١.
[9] سورة غافر، آية ٥١.
[10] سورة التوبة، آية ٤٠.
[11] سورة الحج، آية ٤٠.
[12] سورة المائدة، آية ٦٧.