توجت أبحاث عالم الاقتصاد البنغلاديشي محمد يونس بتأسيس بنك يعرف ب Grameen Bank وهو البنك الذي عرف تطبيقا لمجموعة من نظرياته منها  (Microcredit)  و (Microfinance) حيث تم من خلال هذه الآليات منح قروض ميسرة للفقراء ساعدتهم على تأسيس مشاريع مدرة للدخل، وقد ساهمت هذه السياسة كثيرا في التخفيف من حدة الفقر بين الطبقات المعدومة في بنغلاديش، وتوجت مجهوداته بحصوله على جائزة نوبل في الاقتصاد سنة 2006 ، ألف العديد من الكتب القيمة، سنحاول من خلال هذه المقالة تقديم قراءة لأحد هذه الكتب وهو كتابه “نظرية الأصفار الثلاثة”.

يشير  البروفسور محمد يونس في بداية كتابه “نظرية الأصفار الثلاثة” إلى وجوب الاعتراف بوجود مشاكل بنيوية في الرأسمالية تسير بها نحو الانهيار والدليل على ذلك فشل هذه المنظومة في تحقيق العدالة الاجتماعية بل على العكس من ذلك انتشرت البطالة و تفاقمت الطبقية و دمرت البيئة.

ويضيف يونس قائلا: المشكلة الأساسية التى تعاني منها الراسمالية وتطبيقاتها المعاصرة في تجذر الأنانية و السعي للربح الفردي بطريقة جشعة نتيجة لذلك يتم تصميم الشركات وتقديم الدعم للمشروعات التجارية ودعمها بناء على تحقيق هذا الهدف.

بينما لا يجد ملايين البشر حول العالم نفس الاهتمام والدعم حين ما يؤسسون مشاريع تهدف إلى تقليص الفقر  و البطالة و المحافظة على البيئة ، ويرى البروفسور يونس أنه يمكن تحقيق نتائج جيدة في هذه النقاط الثلاثة من خلال تصميم الاستراتيجيات الاقتصادية والتجارية مع الوضع في الاعتبار الاهتمام بهذه الركائز الأساسية ، وهنا من الملاحظ أن الأعمال التجارية الاجتماعية تلعب دورا مهما في هذه السياسات.

ويؤكد محمد يونس أن الحلول لمشاكل الفقر البطالة والمناخ متوفرة و جاهزة وقابلة للتطبيق وعزى مصدر الفشل إلى إخفاق النظام الاقتصادي الراهن.

مرتكزات النظرية

قدم البروفسور محمد يونس شرحا مفصلا لنظرية الأصفار الثلاثة ، معتبرا أن خطة عمل هذه النظرية سيوفر مستقبل أفضل للأجيال القادمة ، وأضاف يقصد بنظرية الأصفار الثلاثة أن تكون : نسبة البطالة صفر ، ونسبة الفقر صفر ، ونسبة انبعاثات الكربون صفر. ووفق هذه النظرية سيجعل التنمية أكثر استدامة وأي خطة لا تأخذ هذه النظرية في الحسبان لن تكون ذات نتائج تذكر.  لإنجاح هذه النظرية سنتحتاج إلى تحقيق الأمور التالية : – الاستفادة من طاقة الشباب وإبداعهم – استخدام التكنولوجيا – تحويل الأعمال إلى أعمال اجتماعية – ضمان الحكم الرشيد ، يعتقد البرفسور يونس أن تحقيق هذه النقاط الأربعة هو مفتاح النجاح لنظرية الأصفار الثلاثة.

وقد استفاض يونس في شرح هذه المرتكزات التى من خلالها يمكن تحقيق هذه النظرية على أرض الواقع حيث يؤكد: بأن الشباب طاقة حقيقية قادرة على القيام بأي عمل يطلب منهم . روح العمل والتضحية والمثابرة عندهم هي أكبر رصيد في العالم خاصة بالنسبة لبنغلاديش. سيتعين من أجل الاستفادة منهم منحهم حرية العمل والدعم الكافي مع الإرشاد ، وسوف يتكفلون بالباقي.

أما بخصوص التكنولوجيا ، فيري البروفسور يونس أن العالم يتغير بتسارع مذهل  وكل ذلك بسبب الابتكارات التكنولوجية التي وقعت تحت سيطرة الأغنياء مما أدى إلى استخدمها بجشع طلبا لزيادة في الثراء لكن إذا تم استخدام هذه التكنولوجيا لحل مشاكل العالم – الفقر ، والبطالة ، والتدهور البيئي ، وإدارة السكان ، إلخ ، فسوف يحدث تحول كبير في العالم. يجب أن تكون المهمة الأساسية استخدام الابتكارات التكنولوجية  لإحداث “نمو مستدام” وليس لزيادة الفجوة بين الفقراء والأغنياء.

و في ما يتعلق بالأعمال الاجتماعية يرى البروفسور يونس أن هذه الأعمال هي الطريق نحو خلق ديناميكية قادرة على توفير الفرص لطبقات المجتمع المعدمة والفقيرة من خلال التركيز على خطط استثمارية قائمة على منح قروض لهذه الطبقات وإدماج في الدورة الاقتصادية من خلال مشاريع مدرة للدخل ، ويقدم يونس تجربته في هذا المجال والتى حققت نجاحات كبيرة في مساعدة الطبقات الفقيرة في بنغلاديش  ، حيث يؤكد بالأرقام أن بنك ( Grameen  ) منح 2.5 مليار دولار من القروض الميسرة ل ما يقارب 9 مليون امرأة في الريف ، حيث ساعدت هذه القروض في خلق مشاريع مدرة للدخل، وتشير نفس الإحصاءات إلى أن الآليات المقترحة مكنت 300 مليون شخص حول العالم من الحصول على قروض  لتسيير مشاريع إنتاجية.

و آخر المرتكزات التى تقوم عليها نظرية الأصفار الثلاثة هي الحكامة الرشيدة التي تعتبر أهم مرتكز لهذه النظرية حيث أن كل النقاط السابقة يتحدد نجاحها بوجود حكامة رشيدة تقوم على الديمقراطية وسيادة القانون والحقوق الأساسية والشفافية ، ويؤكد البرفوسور يونس أن الأعمال الاجتماعية لا يمكن أن تثمر إلا في بيئة تتسم بالحكم الرشيد.