يقول روب هوبن، مدير مدرسة أغورا بمنطقة رورموند، هولندا، ” يردنا حوالي 70 طلباً في الأسبوع من جميع أنحاء العالم من أشخاص يرغبون في الاطلاع على تجربتنا ومعاينة ما نقوم به هنا، غالبا لا أستطيع تلبية معظم هذه الطلبات بسبب ضيق الوقت!”
ومن الواضح أن هذا الاهتمام الكبير بالتجربة بمثابة شهادة نجاح لمدرسة أغورا غير التقليدي. التقيت لأول مرة السيد روب في معرض تكنولوجي مختص بالتعليم ( 2019Bett) كان يقف أمام جناح لأجهزة محمولة من نوع ( PI-TOP ) – لابتوب متنقل مخصص للعمل في البرمجة و الإلكترونيات – وفي غضون لحظات استهلت علاقتنا بتوافق كبير في الأفكار.
لو افترضنا أن جهاز الحاسوب المحمول ( PI-TOP ) كلف بتصميم مدرسة فحتما سيخرج على أرض الواقع شبيها بمدرسة أغورا الهولندية. التجربة مثيرة للدهشة ليس بسبب امتلاكها للموارد المادية وأحدث المرافق، لكن بسبب نهجها المتركز حول المشاريع. إنها مدرسة تركز على التعلم لا على التدريس.
يقول السيد روب مدير المدرسة : “نحن نمنح الأطفال الفرصة للعب، لأنه عندما يلعب الطفل بشيء فإنه يهتم به، ولذلك نتركه ولا نحتاج لتعليمه أو مراقبته” .
مجموعات مفتوحة الأعمار
يتراوح معدل أعمار الطلاب في مدرسة أغورا بين 12 و18 سنة (على الرغم من عدم تحديد المجموعات بالأعمار) تمنح كل مجموعة الحرية في اختيار الرحلة التعليمية الخاصة بها. الأطفال يملكون القدرة على استكشاف التفاصيل المعرفية بالمواضيع التي تثير فضولهم.
التقيت بمجموعات طلابية تستطلع مواضيع متنوعة مثل أدلة الجبال الألمانية، الخيول المنغولية، مهنة الحدادة أو الحيوانات في قصص هاري بوتر، وألعاب الجداول وألواح التزلج. إن مهمة المعلم – الذي يسمى هنا مدرباً – هي تحدي الطلاب وتوجيه رحلة الاستكشاف.
ويتعين على الموظفين المسؤولين عن حوالي 17 طالباً ، أن يضمنوا تحقيق نتائج ملموسة وتطور حقيقي، فضلاً عن العمل مع كل طالب بشأن سبل مواصلة تطوير رحلة التعلم. على الرغم من روعة هذه التجربة التعليمية إلا أنه من السهل ملاحظة التحدي أمام السيد روب في هذا المشروع بالعثور على نوعية جيدة من المعلمين تميل إلى استخدام نهج ” الإرشاد الثانوي” بدلا من تلك التي اعتادت على أسلوب الصراخ .
يصف روب مدرسة أغورا بأنها مزيج من جامعة (حيث لديك المعرفة)، و مكان عبادة (حيث يمكنك أن تفكر وتتأمل)، ومدينة ملاهي (حيث يمكنك اللعب) وسوق مشتركة (حيث يمكنك التجارة ومبادلة الأشياء).
وبالنسبة لفكرة السوق ، استوحت مدرسة أغورا الفكرة من الحضارة اليونانية القديمة، واتخذت منها اسما للمدرسة (يطلق على المساحة العامة في المدن اليونانية القديمة ” أغورا” ومعناها مكان التجمع وكانت تعتبر مركز الحياة الرياضية والفنية والروحية والتجارية للمدينة اليونانية القديمة).
يبدأ اليوم الدراسي باجتماع الطلاب مع المدربين أمام لوحة تخطيط ملونة لبضع دقائق يتم فيها تحديد تحديات اليوم، وما يجب تحقيقه وما نوع المساعدة التي قد يحتاجون إليها. كما تعتبر فرصة لطلاب من مجموعات أخرى بتقديم اقتراحات أو الانضمام لمجموعات جديدة بحسب الاهتمامات.
من الممكن وصف هذه المساحة الخاصة بعقد الاجتماعات بـ ” الفوضى السعيدة” يحيط بالمكان مجسمات وكتب، وملصقات، وأرقام، ومشاريع نصف منتهية، قطع ألعاب. وكثير من الأشياء كلها صالحة للعب .
مكاتب مخصصة
كل طالب لديه مكتب، و يتم تشجيعهم على تخصيص مكان معين. أحدهم اتخذ من الواجهة الأمامية للسيارة مكتبا وبنيت بعد الاستعانة بأدوات خردة محلية.
يعلق السيد روب مدير المدرسة أحد الطلاب أراد مصعدا مما يعني أن على الطلاب تعلم كيفية حساب حجم مستطيل المصعد ومساحته وضبط تصميمه للحصول عليه.
بعد عقد الإجتماع الأولي وتحديد المهام ينتقل الطلاب إلى المشاريع، والتي يمكن أن تكون في مكاتبهم أو في أحد المرافق مثل ورشة الخشب، أو الورشة المعدنية، أو غرفة المنسوجات، أو المطبخ أو غرفة الكمبيوتر.
يوجد وقت مخصص لوجبة الغداء، يليه وقت استرخاء، حيث يتم تشجيع الطلاب فيه على القراءة أو التفكير. ومن ثم يعودون للعمل على أكثر من مشروع إلى نهاية اليوم. مع تقدم المرحلة العمرية، تزيد المرونة في اختيار أوقات بداية ونهاية كل مشروع لتتناسب بشكل أفضل مع دروسهم وما يهتمون به.
يضيف السيد روب ” بعض الناس يصفوننا بالغرابة، يعتقدون بسبب تجربتهم المدرسية السابقة أن لدينا مثلا أربعة دروس رياضيات في الأسبوع، كما هو الحال في المدارس الهولندية الأخرى. السلطات التعليمية تطلب منك فقط أن تجلب الطلاب إلى مستوى معين خلال فترة زمنية معينة”.
سحر هذه التجربة التعليمية الفريدة يكمن في “المدربين” واستخدامهم لهذه الحرية وإرشاد الطلاب بالمعارف بحسب ما يوجبه القانون. لذلك على سبيل المثال، يجب على جميع الطلاب معرفة نظرية فيثاغورس، ولكن هذا لا يفترض أن يتم تعليمه من خلال درس الرياضيات، يمكن أن يقدم كحل لمشكلة أثناء رحلة استكشاف جغرافية، مما يدفع الطالب لمعرفة المزيد.
استخدام الهاتف المحمول في كل مكان
ربما سيصاب معلمو المدارس الثانوية في المملكة المتحدة بصدمة إذا علموا بإمكانية استخدام الهاتف المحمول والانترنت بمدرسة أغورا. يقول السيد روب”جميع أطفالنا لديهم أجهزة Chromebook مجانًا – (جهاز كمبيوتر شخصي يعمل بنظام جوجل كروم كنظام تشغيل أساسي – لذلك يمكنهم الوصول إلى الإنترنت طوال اليوم.
نحن نسمح لهم باستخدام هواتفهم،لأننا نحتاج إلى تعليمهم كيفية عدم استخدام الهاتف الخاص في لحظات معينة من غير الحاجة لوضعه في خزانة أو حاوية، لأنه بعد ذلك ستحتاج لخزانة تضع بها هاتفك طوال حياتك.
وبالتالي، تستخدم المدرسة تطبيق واتساب لإدارة الرسائل الطلابية، ويتم تشجيع الآباء والأمهات على المشاركة والتفاعل مع النشرات المسجلة والإعلانات الموضحة لمهاراتهم. وإذا احتاجت مجموعة طلابية إلى نصيحة أو مساعدة في مهارة النجارة، يمكنها الاتصال بوالد طالب يعمل في النجارة والاستفادة من خبراته.
وبتوفيرها لأجهزة Chromebook مجانا لكل طفل لا تنفق مدرسة أغورا أموالا طائلة على الكتب.
يقول السيد روب ” حتى في الامتحانات، فإننا لا نشبه المدرسة التقليدية من حيث انفاق المال على 50 كتاب رياضيات على سبيل المثال. إذا كنت ترغب في دراسة الرياضيات عليك أن تشرح الطريقة التي ستدرسها وإلى أي نقطة أنت ذاهب ، وماهو الكتاب أو المحتوى الرقمي الذي تريد استخدامه. وإذا استطاع الطالب في الإقناع وشرح لماذا يحتاج هذا الكتاب سوف نشتريه له، لكن هذا لا يعني أن الشخص الذي بجانبه سيحصل على نسخة أخرى”.
بدأت مدرسة أغورا تجربتها في عام 2014 مع 30 طالبا داخل مدرسة أخرى أكثر تقليدية، لمعرفة ما إذا كانت الفكرة جاهزة للتطبيق ويمكن تصميمها بشكل مختلف. ومما يعطي المشروع ميزة أن الطلاب وليس أعضاء هيئة التدريس، الذين يتم استشارتهم بشأن ما ينبغي أن تحتويه المدرسة وقد طبق ذلك فعليا.
ومنح مجلس إدارة المدرسة دفة القيادة للطاقم المؤسس وتركه يعمل بحرية ولفترة طويلة . تضم المدرسة حاليا 250 طالبا مع قائمة انتظار طويلة تود الانضمام.
الطريف في الأمر بعد افتتاح المدرسة بشهر أرادت السلطات المحلية إغلاقها لكن في نهاية الأمر تراجعت عن القرار بعد إدراكها بفرادة وحقيقة التجربة.