مرتضى الزبيدي فقيه ومؤلف وكاتب ومحدث عراقي أصله من اليمن، وهو علامة في اللغة والحديث وعالم بالرجال والأنساب ومن كبار المصنفين، فضلا عن كونه كاتبا وشاعرا ومؤرخا.كان أهل المغرب يعتقدون أن من حج ولم يزر الزبيدى ويصله بشئ لم يكن حجه كاملا!
اشتهر بالسيد المرتضى الحسيني الزبيدي اليماني الواسطي العراقي الحنفي، ويكنى أبا الفيض وأبا الجود وأبا الوقت.
أصله من واسط (في العراق) ومولده بالهند (في بلجرام) ومنشأه في زبيد (باليمن) رحل إلى الحجاز، وأقام بمصر، فاشتهر فضله وانهالت عليه الهدايا والتحف، وكاتبه ملوك الحجاز والهند واليمن والشام والعراق والمغرب الأقصى والترك والسودان والجزائر.
اشتغل على المحدث محمد فاخر بن يحيى، والدهلوي فسمع عليه الحديث وأجازه. ولقد أعتنى به “إسماعيل كتخدا عزبان” وتولاه برعايته حتى راج أمره، واشتهر ذكره عند العام والخاص، وسافر إلى الصعيد ثلاث مرات، واجتمع بأعيانه وأكابره وعلمائه، وأكرمه شيخ العرب همام، وإسماعيل أبو عبد الله وأبو علي وأولاد نصير وأولاد وافي وهادوه وبرّوه.
من هو مرتضى الزبيدي؟
هو مرتضى محمد بن محمد بن محمد بن عبد الرزاق بن عبد الغفار بن تاج الدين بن حسين بن جمال الدين بن إبراهيم بن علاء الدين بن محمد بن أبي العز بن أبي الفرج بن محمد بن محمد بن محمد بن علي بن ناصر الدين بن إبراهيم بن القاسم بن محمد بن علي بن محمد بن عيسى بن علي بن زين العابدين بن الحسين السبط.
ولد عام 1145 هـ، الموافق عام 1732م، في بلگرام وهي بلدة في الهند ونشأ في زبيد في اليمن، ورحل إلى الحجاز، وأقام بمصر. وتوفي بالطاعون في مصر، عام 1205 هـ، 1790م.
نشأ في زبيد من بلدان اليمن، وكان الفيروزآبادي (ت817هـ/1415م) صاحب القاموس المحيط قصد إليها قبله. وهذا ما حفز الزبيدي إلى قراءة قاموسه والانصراف إليه في حداثته.
رحل عن زبيد وشرع يطوف في ديار العرب منذ يفاعته، وتنقل في الحجاز بين مكة والمدينة والطائف، وأخذ عن شيوخ فيها. وقصد أخيراً إلى مصر فطاب لـه فيها المقام حيث أمضى في رحابها بقية حياته، وقد وجد في مكتباتها كل ما يحتاج إليه من أمهات الكتب التي أعانته في تأليف كتبه الكثيرة، فذاع صيته واتجهت إليه الأنظار لما حواه من علم غزير وإطلاع واسع، وأذن لـه بالتدريس في القاهرة فسعى إلى سماعه كثير من رجالات الأزهر وطلاب العلم، وكان يحاضرهم في الحديث وصحيح البخاري.
كان لطيف الشكل حسن الصفات بشوشاً وقوراً محتشماً عارفاً بالفارسية والتركية، وقد تزوج من زبيدة بنت ذي الفقار الدمياطي وعاش سعيداً معها. ثم فجع بوفاتها ولزم قبرها أياماً طويلة، ورثاها بقصائد ومقطعات جميلة العبارة حسنة السبك.
بين “تاج العروس” و”لسان العرب”
كان مرتضى الزبيدي يحسن عدة لغات منها التركية والفارسية وبعضا من لسن الكرج. وله عدد كبير من المؤلقات والكتب القيمة، لكن بعضها أصبح في طي النسيان والضياع، فقد خلف مرتضى الزبيدي حوالي 107 عملا أدبيا، بين رسالة وكتاب، أهمها وأضخمها شرحه على القاموس المسمى بتاج العروس من جواهر القاموس، ومنها شرح كتاب إحياء علوم الدين للغزالي أملاه في 11 عاماً وفرغ منه سنة 1201هـ ولامه سلطان المغرب على تضييع وقته فيه، في رسالة ذكرها الجبرتي، وطبع الكتاب في عشرة مجلدات ضخمة. ومنها رسالة سماها (قلنسوة التاج) في إجازة الشيخ محمد بن بدير المقدسي برواية تاج العروس من جواهر القاموس.
وكان معجمه الكبير “تاج العروس من جواهر القاموس” أهم مؤلفاته وبه اشتهر، ويعد من أوسع المعاجم العربية، ولا يضارعه في حجمه أو يفوقه إلا “لسان العرب” لابن منظور. وقد أمضى في تأليفه أربعة عشر عاماً كان يواصل فيها عمله من دون انقطاع، إذ بدأ في تأليفه نحو 1174هـ وهو في مصر وأنجزه سنة 1188هـ.
أتيح للزبيدي، بحكم تأخره في الزمان، أن يفيد من الذين سلفوه من اللغويين الذين تناولوا القاموس، وكان من دوافعه إلى تأليف معجمه اقتضاب “المحيط” في مجمل مواده وانطواؤه أحياناً على بعض الغموض وإغفاله ما كان يحسن إيراده. وقد بذل جهداً طيباً في تناول مواد القاموس، وكان ينقل من مصادر متعددة بعضها مفقود اليوم. وقد بلغ عدد المصادر التي استعان بها كما يذكر في مقدمة معجمه مئة وعشرين كتاباً. وكان يحرص على تنسيق مادة القاموس مع سائر ما يتعلق بها عند أسلافه فيرتبها بحيث تتداخل وتنسجم مع أصول “المحيط”، وقد يضيف مستدركات مما فات الفيروزآبادي ذكره.
كان الزبيدي يكتب معجمه بنفسه، ثم يسلم بعد ذلك مسوداته إلى تلاميذه ليبيضوها ويراجعوه فيها. وقد قال في مكتوب لـه إلى أحد شيوخه: “ومما منّ الله تعالى عليّ أن كتبت على القاموس شرحاً غريباً في عشر مجلدات كوامل، مكثت مشتغلاً به أربعة عشر عاماً وشهرين”. وحين أنجز تأليف معجمه احتفل بذلك وأولم وليمة حافلة جمعت طلاب العلم وأشياخه. وقد أشاد بعمله كثيرون وقرظوه شعراً ونثراً.
بين عشق اللغة وعشق الزوجة
لم يشتهر الزبيدي بعشق اللغة فقط، بل اشتهر أيضا بعشقه الكبير لزوجته.عشق آخر، ملأ حياته حتى قضى، ما بقي من عمره، باكياً عليها، بعد وفاتها. هذا العاشق الوفي لزوجته، والذي جمع بينها وعشق اللغة، اختار أن ينقطع عن الناس ويهجر الدنيا ويردّ هدايا السلاطين، جامعاً الناس حول قبرها، مقدما لهم الطعام والشراب، ومجزياً بالمال من يقول رثاء فيها، وبلغ حزنه أنه قال في رثائها إنه حتى لو مات فإن عظامه في القبر ستبكي، هي الأخرى، على زوجته. أي أن حزنه عليها فاق حزنه على نفسه.
وأفصح الزبيدي ذاته، عن مدى الحزن الذي أصابه إثر وفاة زوجته، فيعلن في قصيدة رثاها بها:
سأبكي عليها ما حييتُ وإن أمُت *** ستبكي عظامي والأضالعُ في القبرِ!
كان الزبيدي عاشقاً لزوجته التي يشار إليها باسم السيدة “زبيدة”.وأعلن عن وفاة زوجة مؤلف “تاج العروس”، سنة 1196 للهجرة. ورغم اشتهاره بين العامة والخاصة، ومكاتبة الملوك له، ومنهم السلطان عبد الحميد، إلا أن هذا لم يمنعه من الحزن الشديد على زوجته التي فارقت الحياة. فحزن عليها حزناً شديداً، ثم أسس لها مقاماً على قبرها ومقصورة، وجعل أهل الحرفة يزينون المقام بالقناديل والستائر. ويقال إنه لزم قبرها أياماً، لا يفارقه.
وتعبيراً عن مدى حبه لزوجته، فقد اشترى قطعة أرض إلى جانب مدفنها، وبنى عليها منزلاً صغيراً، وخصصه لأمّ زوجته!، وكان هو نفسه يبيت فيه، بعض الأحيان.
كتبه ومؤلفاته
وفيما يلي قائمة ببعض مؤلفاته:
- تاج العروس في شرح القاموس – عشرة مجلدات
- إتحاف السادة المتقين – في شرح إحياء العلوم للغزالي، عشرة مجلدات.
- أسانيد الكتب الستة
- عقود الجواهر المنيفة في أدلة مذهب الإمام أبى حنيفة – مجلدان
- كشف اللثام عن آداب الإيمان والإسلام
- رفع الشكوى وترويح القلوب في ذكر ملوك بني أيوب
- التكملة والصلة والذيل للقاموس – في مجلدين ضخمين
- إيضاح المدارك بالإفصاح عن العواتك – رسالة
- عقد الجمان في بيان شعب الإيمان – رسالة، ثم طُبعت
- تحفة القماعيل، في مدح شيخ العرب إسماعيل – بخطه،
- تحقيق الوسائل لمعرفة المكاتبات والرسائل
- جذوة الاقتباس في نسب بني العباس
- حكمة الإشراق إلى كتاب الآفاق
- الروض المعطار في نسب السادة آل جعفر الطيار
- بلغة الغريب في مصطلح آثار الحبيب
- غاية الابتهاج لمقتفي أسانيد مسلم بن الحجاج
- تنبيه العارف البصير على أسرار الحزب الكبير
- عقد اللآلي المتناثرة في حفظ الأحاديث المتواترة
- نشوة الارتياح في بيان حقيقة الميسر والقداح
- العرائس المجلوة في ذكر أولياء فوة
أقوال العلماء فيه
قال عنه محدث بلاد الشام الوجيه عبد الرحمن الكزبري: “إمام المسندين وخاتمة المحدثين”. وقال عنه الزركلي في ترجمته: “زاد اعتقاد الناس فيه حتى كان في أهل المغرب كثيرون يزعمون أن من حج ولم يزر الزبيدي ويصله بشئ لم يكن حجه كاملا”.
وقال عنه أحد أعلام المغرب الحافظ ابن عبد السلام الناصري في رحلته لما ترجمه فيها: “ألفيته عديم النظير في كمال الاطلاع والحفظ واللغة والأنساب، فهو والله سيوطي زمانه، انخرق له من العوائد ما انخرق لابن شاهين وابن حجر والسيوطي”.
وقال عنه عالم مصر الشمس محمد بن علي الشواني الأزهري: “شيخ الإسلام علامة الأنام ناشر لواء السنة المحمدية، وواصل الأسانيد النبوية أبو الجود وأبو الفيض.
وقد ترجمه من متأخري المصريين محمد إبراهيم فني المصري في جزء صغير سماه “الجوهر المحسوس في ترجمة صاحب القاموس”.
وفي ترجمة له في “فهرس الفهارس” لعبد الحي بن عبد الكبير الكناني، فيتم تعريفه بالتالي: “الواسطي العراقي، أصلاً، الهنديّ مولداً، الزبيدي تعلّماً وشهرة، المصريّ وفاةً، الحنفيّ مذهباً، القادري إرادة، النقشبندي سلوكاً، الأشعري عقيدة”.
ويقول الكناني عن الزبيدي في ترجمته له: “هذا الرجل كان نادرة الدنيا، في عصره ومصره، ولم يأت بعد الحافظ ابن حجر وتلاميذه، أعظم منه اطلاعاً ولا أوسع رواية، ولا أعظم شهرة”. ويضيف: “ولعظم شهرته كاتَبَه ملوك النواحي من الترك والحجاز والهند واليمن والمغرب والسودان والجزائر”. مؤكداً أن من أخذ عنه من “ملوك الأرض” هو خليفة “الإسلام في وقته، السلطان عبد الحميد الأول”.
ومن شيوخه رضي الدين عبد الخالق النمري الزجاجي الزبيدي الحنفي، وأبو عبد الله محمد علاء الدين الزجاجي، وأبو عبد الله محمد الشرفي الفاسي نزيل طيبة. وكان المؤرخ عبد الرحمن بن حسن الجبرتي (ت1237هـ/1822م) أبرز تلاميذه.
وفاته
توفي المرتضى الزبيدي بمرض الطاعون في شهر شعبان من سنة 1205 للهجرة، بعد أن صلى صلاة الجمعة في مسجد الكردي القريب من داره، فدخل داره واعتُقل لسانه في تلك الليلة، وظل في فراشه مريضا حتى توفي في يوم الأحد.