يعد مسجد النجاشي من أبرز الآثار الإسلامية التي تقع في القرن الإفريقي، ويقع مسجد النجاشي في قرية النجاشي على بعد 45 كم شمال مدينة مقلي، عاصمة إقليم تجراي بدولة أثيوبيا، وعلى بعد نحو 770 كم من العاصمة الإثيوبية أديس أبابا.
وتعد هذه القرية هي أول مكان يعرف الإسلام ويدخله في إفريقيا، وذلك زمن هجرة الصحابة – رضوان الله عليهم- إلى الحبشة مرتين، وذلك سنة خمسة من البعثة، عام 615م. حيث استقبلهم أصحمة بن أبجر النجاشي، ملك الحبشة وأكرم وفادتهم، ورفض تسليمهم لعمرو بن العاص موفد قريش إليه، بعدما استعمل إلى كلا الطرفين، واستمع إلى آيات من القرآن من سورة مريم تقص ميلاد المسيح عليه السلام.
يوجد في قرية النجاشي بمدينة مقلي المسجد الشهير ومقبرة لـ 15 صحابياً، وبجوارها قبر الملك الصالح النجاشي رحمه الله-، أو كما يسميه الناس اليوم هناك (الصالح أحمد النجاشي) الذي حكم الحبشة بين عامي 610 و630 ميلادية، واستقبل المهاجرين المسلمين الأوائل. ومن المعلوم تاريخيا أن النجاشي قد أسلم، وصلى عليه النبي ﷺ صلاة الغائب.
وقد جاء في سيرة ابن هشام ت السقا (1/ 333): “قال ابن إسحاق: فلما رأت قريش أن أصحاب رسول الله ﷺ قد أمنوا واطمأنوا بأرض الحبشة، وأنهم قد أصابوا بها دارا وقرارا، ائتمروا بينهم أن يبعثوا فيهم منهم رجلين من قريش جلدين إلى النجاشي، فيردهم عليهم، ليفتنوهم في دينهم، ويخرجوهم من دارهم، التي اطمأنوا بها وأمنوا فيها، فبعثوا عبد الله بن أبي ربيعة، وعمرو بن العاص بن وائل، وجمعوا لهما هدايا للنجاشي ولبطارقته ، ثم بعثوهما إليه فيهم”.
واستمع إلى كلام عمرو بن العاص، وطلب من الصحابة أن يتكلموا، فكان الذي كلمه جعفر بن أبي طالب (رضوان الله عليه) ، “فقال له: أيها الملك، كنا قوما أهل جاهلية، نعبد الأصنام، ونأكل الميتة، ونأتي الفواحش، ونقطع الأرحام، ونسيء الجوار، ويأكل القوي منا الضعيف، فكنا على ذلك، حتى بعث الله إلينا رسولا منا، نعرف نسبه وصدقه وأمانته وعفافه، فدعانا إلى الله لنوحده ونعبده، ونخلع ما كنا نعبد نحن وآباؤنا من دونه من الحجارة والأوثان وأمرنا بصدق الحديث، وأداء الأمانة، وصلة الرحم، وحسن الجوار، والكف عن المحارم والدماء، ونهانا عن الفواحش، وقول الزور، وأكل مال اليتيم، وقذف المحصنات، وأمرنا أن نعبد الله وحده، لا نشرك به شيئا، وأمرنا بالصلاة والزكاة والصيام- ..
فعدد عليه أمور الإسلام- فصدقناه وآمنا به، واتبعناه على ما جاء به من الله، فعبدنا الله وحده، فلم نشرك به شيئا، وحرمنا ما حرم علينا، وأحللنا ما أحل لنا، فعدا علينا قومنا، فعذبونا، وفتنونا عن ديننا، ليردونا إلى عبادة الأوثان من عبادة الله تعالى، وأن نستحل ما كنا نستحل من الخبائث، فلما قهرونا وظلمونا وضيقوا علينا، وحالوا بيننا وبين ديننا، خرجنا إلى بلادك، واخترناك على من سواك، ورغبنا في جوارك، ورجونا أن لا نظلم عندك أيها الملك.
فقال له النجاشي: هل معك مما جاء به عن الله من شيء؟
فقال له جعفر: نعم،
فقال له النجاشي: فاقرأه علي، فقرأ عليه صدرا من: «كهيعص 19: 1» .
فبكى النجاشي حتى اخضلت لحيته، وبكت أساقفته حتى أخضلوا مصاحفهم، حين سمعوا ما تلا عليهم، ثم قال (لهم) النجاشي: إن هذا والذي جاء به عيسى ليخرج من مشكاة واحدة، انطلقا،
فلا والله لا أسلمهم إليكما، ولا يكادون” راجع: سيرة ابن هشام (1/336-337)
وكانت أول صلاة في هذه البقعة في هجرة المسلمين الأوائل من الصحابة إلى الحبشة، حيث صلى 83 صحابيا من المهاجرين، عاد منهم للمدينة 61 صحابيا ودفن هناك 15 منهم خلف المسجد، بجانب ضريح نُسب للنجاشي ملك الحبشة، ويمكن زيارة قبورهم مع زيارة المسجد والإطلالة عليه من بابه الخلفي.
وتبلغ مساحة مسجد النجاشي ما لا يتجاوز 200 متر مربع، ومساحته الداخلية 30 مترا، ويقع على يمينه صالة لتعليم القرآن الكريم وعلومه، وفي الأخرى مبان تضم مشروعات خيرية، وبجوار المسجد بوابة تحمل لافتة تتحدث عن الأثر التاريخي لهذه القرية.
وفي العصر الحديث، شهد المسجد ثلاثة ترميمات، حيث قام الشيخ محمد عبده، وهو رجل أعمال إثيوبي في عهد الرئيس الإثيوبي السابق، منغستو هيلي ماريام (1987 ـ 1991)، بإعادة بناء المسجد، وقبل 25 عاماً، أعاد الملياردير السعودي، محمد حسين العمودي، بناء المسجد..
فيما جاءت أعمال الترميم والصيانة الثالثة علي يد وكالة “تيكا ” التركية، ليظهر المسجد بعدها في حلته الجديدة، مستعيدا رونقه بعد انتهاء أعمال الترميم التي نفذتها الوكالة حتى عام 2018م.
ويعد المكان تخليدا لذكرى النجاشي ملك الحبشة، وهو أول ملوك إفريقيا دخولا في الإسلام، وقد ورد في صحيح البخاري عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: نعى لنا رسول الله – ﷺ – النجاشي صاحب الحبشة اليوم الذي مات فيه فقال: “استغفروا لأخيكم. وفي صحيح مسلم أبا هريرة -رضي الله عنه- قال: “إن النبي – ﷺ – صف بهم بالمصلى فكبر عليه أربعًا.
وفي صحيح البخاري عن جابر -رضي الله عنه-: قال النبي – ﷺ – حين مات النجاشي: “مات اليوم رجل صالح، فقوموا فصلوا على أخيكم أصحمة”.
وعند الطبراني عن ثابت البناني عن أنس بن مالك قال: لما مات النجاشي قال النبي – ﷺ -: “استغفروا لأخيكم” فقال بعض الناس: يأمرنا أن نستغفر له وقد مات بأرض الحبشة؟ فنزلت {وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَمَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْكُم }.
ومن اللافت للنظر أن المسجد يزوره ما يقارب ثلاثة آلاف زائر يوميا.