ما إن نسمع مصطلح “مشكلات زوجية” حتى تتبادر إلى أذهاننا مشكلات من العيار الثقيل من عينة: تأخر الإنجاب، أو خيانة أحد الطرفين، أو المشاكل المادية، أو مشاكل الفراش، فضلاً عن المنغصات التي تقع نتيجة تدخل الأهل في حياة الزوجين..، والكل يغض الطرف عن مشكلات تبدو تافهة وطريفة رغم أهمية ما تمثله في إعطاء مؤشرات على قلة الانسجام بين الزوجين، أو حتى تدل على قصور في فهمهما لطبيعة الزواج نفسه، مثل شكوى الزوجة من أن زوجها ينتقد طعامها، أو شكوى الزوج من طول الفترة التي تقضيها زوجته أمام المرآة.. مشكلات تافهة لكنها كافية لإحداث أول شرخ في جدران الاستقرار الأسري.
فهل يمكن أن تحول مشكلات زوجية تافهة الصغائر ببيت الزوجية إلى جحيم لا يطاق؟ ومن المسئول عن تعميق الهوة بين الزوجين، الأمر الذي يصل إلى حد الطلاق بنوعيه الشرعي والنفسي!.
هجوم مضاد
يقول أحمد المصري (36 عامًا) محاسب: ما أتفه أسباب الخلافات بيني وبين زوجتي! فهي تقيم الدنيا ولا تقعدها لو وجدت معجون الأسنان غير مرتب، أي مضغوطا من الأمام، وليس تدريجيًّا من الخلف، فتبدأ بإعطائي محاضرة تربوية عن أهمية الحفاظ على المنزل، ولا مانع من إصدار اتهام وحكم عليّ بأنني شخصية فوضوية ومهملة، وأسوأ قدوة للأبناء؛ لأنني أكرر هذه الجريمة الكبيرة، ولا أعبأ بتنظيم عملية الضغط على معجون الأسنان بشكل رأسي من أسفل لأعلى!.
ويتابع: عندما وجدت أنني أصبحت دائمًا في قفص الاتهام، وفي حالة دفاع دائم عن النفس، رفعت شعار “الهجوم خير وسيلة للدفاع” فلا أشعر بأي ذنب وأنا أنتقد طعامها؛ لأن الملح زائد مثلاً، بل أذكر أنني مرة قمت بقلب المائدة وخرجت غاضبًا من المنزل حينما وجدت شعرة في الطعام؛ لأريها أنه بإمكاني أنا أيضًا أن أغضب من الأشياء الصغيرة.
“ستكونين طالقًا لو وجدت آثار أظافرك على الصابون.. هكذا قال لي زوجي” بهذه الكلمات بدأتنا أم عبد العزيز (37 عامًا). وتابعت: لأن أظافري طويلة، فأنا أحتاج لتنظيفها يوميًّا عدة مرات مع كل وضوء بغرسها في الصابون، وزوجي يمقت هذا التصرف، وأنا -للأسف- اعتدت على ذلك، فهل من المعقول أن يصل الأمر لحلف يمين طلاق على فعل صغير كهذا؟!
أما “أم عز الدين” فترى أن عدم ملء زجاجات المياه من قبل زوجها من أكثر الأشياء التي تضايقها، وتشعرها أنها أمام مهمة لا تنتهي خاصة في الصيف، فالزوج يشرب الماء بكثرة ويترك لها الزجاجات فارغة، والأولاد يشاهدون رب البيت راقصًا، فيكتسبون خصاله السيئة، مما يسبب لها ضيقًا شديدًا.
باردة جدًّا
ويقول هاني هلال متزوج منذ 10 سنوات: مشاكلي مع زوجتي عديدة، وقد تبدو سطحية وتافهة، فمثلاً من الأمور التي تتسبب في معظم مشكلاتنا عدم التزامها بالمواعيد، وتأخرها المتكرر للتزين أمام المرآة، في حين أكون أنا في انتظارها في موقف السيارات، والجيران كلهم يتغامزون عليّ وأنا بانتظار الهانم، الأمر الذي أدى إلى كرهي الخروج معها؛ لأجنب نفسي ارتفاع ضغط الدم، الناتج عن برود أعصابها اللامتناهي.
ويضيف: “كل هذا كوم، والمفاجأة المتكررة التي تنتظرني من آن لآخر عقب عودتي من عملي كوم آخر، والمتمثلة في أن زوجتي الحبيبة تقوم بتغيير تنظيم غرفة النوم باستمرار، فتضع السرير مكان الخزانة مثلاً، وتقلب الغرفة رأسًا على عقب دون استشارتي، وعبثًا أحاول أن أشرح لها أن هذا يضايقني”.
رائحة فم كريهة
وتشتكي حصة (ربة بيت في العقد الرابع من عمرها) من رائحة فم زوجها، فأكثر ما يضايقها أنها مشكلة بسيطة، ويمكن تفاديها بغسل الأسنان بشكل جيد خاصة قبل النوم، وفي هذا تقول: أنا لم ولن أجرؤ على إخباره بأن رائحة فمه كريهة، ولكني كثيرًا ما أشتري له معطرًا، أو نعناعًا منعشا للفم، وأذكره بثواب المستاكين، وأستاك أمامه، لكنه لا يعبأ بالأمر.
وتتابع: الأمور السابقة تجعلني لا أطيق الجلوس بالقرب منه، وينتج عن ذلك مشاكل كثيرة، فهو يعتقد أنني أكرهه شخصيًّا، وأمتنع عنه، والحقيقة أنني لا أكره سوى الروائح الكريهة التي تصدر عنه من عرق وخلافه..، إنه لا يبالي على الإطلاق.. ماذا أفعل معه؟.
المباراة أم المسلسل؟
أما محسن عبد الحق متزوج منذ 30 عامًا فيقول: مشكلتي منذ البداية مع زوجتي هي جهاز التلفزيون، كنا في بداية زواجنا نختلف على أي محطة نشاهد عندما كانت ثلاث محطات فقط، أما الآن فلكم أن تتخيلوا عدد المشاكل التي تثار في حياتنا بعد وجود هذا الزخم الهائل من الفضائيات، فبعد أن أصرت على شراء الدش قامت بتشفير محطات الرياضة؛ لأنها تكره مباريات الكرة والرياضة بأنواعها، وحينما اعترضت ادعت أن هذا حقها؛ لأن حصتها في الدش أكبر من حصتي حيث إنها ساهمت بـ60% من ثمن شراء الجهاز.
ويتابع: حتى أستريح منها تركت لها الأجهزة المرئية والمسموعة بأسرها، وقمت بشراء جهاز كمبيوتر بكامل مدخراتي، ولم أوافق على أن تساهم فيه بريال واحد، فكانت تفتعل المشاكل معي بحجة أني أضيع وقتي أمام الكمبيوتر، علمًا بأنها تجلس أمام التلفاز معظم وقتها.
اعتراض
بادرنا هادي عبد المحسن 43 عامًا، محلل نظم، بقوله: أنا أعترض على تسميتها مشاكل تافهة، فكيف يكون الأمر تافهًا حينما أعود للمنزل فأجد زوجتي قد ارتدت قميصي والجينز الخاص بي كملابس للمنزل كي لا تتلف أو تستهلك ملابسها، مدخرة إياها “للخروجات” الهامة، حتى إنني وجدت أنها ارتدت قميصي الداخلي بدعوى أنه قطن ومريح، ولا يمكن أن أنسى أبدًا يوم أن كنت أبحث عن “الترينج” الرياضي الخاص بي في خزانتي وفي كافة الأدراج ونمت مكتئبًا لأنني لم أجده، وفي الصباح نظرت إليها فوجدتها ترتديه وهي نائمة بجانبي، فصرخت فيها قائلة: هل كنت ترتدينه منذ الأمس؟ فأجابتني ضاحكة: أين روح الدعابة التي تمتلكها، نعم كنت أرتديه منذ البارحة وكنت أدعو الله قائلة “وجعلنا من بين أيديهم سدًّا ومن خلفهم سدًّا فأغشيناهم فهم لا يبصرون” حتى لا تراني.
ويتابع هادي: والمفروض أن أتعاطى مع الأمر بروح من المرح في حين أنني قد أموت كمدًا من الغيظ؛ لأن زوجتي تدخر ملابسها الثمينة ولا تحب إلا استخدام ملابسي أنا في المنزل والمطبخ.
ثم إن الأمر لا يقف عند هذا الحد فما أن أضع الشكولاتة والحلوى في الثلاجة، حتى تختفي فورًا، وطبعًا فقد وارتها في مكان أمين في أعماق معدتها، مما يشعرني أنها لا تضعني في حسبانها من الأصل.
حجج واهية
يرى دكتور استشاري الطب النفسي أن المشكلات الصغيرة التي تقع بين الزوجين تكون بمثابة القشة التي تقصم ظهر البعير بينهما، أو تكون تعبيرًا عن خلافات لا يستطيعان مواجهة بعضهما بها، وفي هذا يقول: من المستحيل أن نقتنع أن زوجًا وزوجته قد تشاجرا بالأيدي لمجرد وجود طعام بارد، أو لتغيير قصة شعر، أو لأي شيء من هذه الصغائر، فالرجل أحيانًا قد لا يستطيع مواجهة زوجته أو المجتمع بمشكلة قد تكون في بيته، وأحيانًا قد لا يستطيع أن يواجه نفسه وجهًا لوجه ليقول لنفسه مثلاً: أنا لم أغضب بسبب الطعام، أو قصة الشعر، أو بسبب معجون الأسنان، بل بسبب استيائي وغضبي من زوجتي لأنني سمعتها ترد على الهاتف وتقول: “ألو” على طريقة “هند رستم”، ومع علمها أن رقم المتصل الظاهر على شاشة التليفون يخص صديقي.
ويتابع: لا يستطيع الرجل أن يعترف لأحد أنه قد سمع من الجيران أو المعارف كلامًا من زوجته فحواه أن التدخين قد أضر بقلبه، وأنها تدعو له أن يقلع عن التدخين لرغبتها الشديدة في الإنجاب، مما يوحي أن سبب عدم الإنجاب يرجع لمشاكل صحية سببها عقم الزوج، وأنها صابرة، وتتألم بشدة، وتتحمل الكثير، وتقوم بكل ما في وسعها، وقد يسمع الزوج من الخارج شكوى زوجته هذه، وهو الكلام الذي يصيبه في مقتل، ولأنه لا يستطيع مواجهتها بهذا الأمر، فيختلق أي مشكلة تبرر له رغبته في الانتقام منها، وإذا سألته عن أسباب معاملته السيئة لها لن يستطيع تبريرها وسيقول كلاما من عينة: لم أعد أطيقها، كلما رأيتها أشعر أنني أريد أن أسبها وأضربها.
وينهي الدكتور بالقول: إن الرجل يرى اعترافه بالإهانة يضاعفها، ولا يرى حرجًا في زعمه أنه هو الأعنف، أو الأظلم، ومن المستحيل أن يتمكن رجل من أن يشتكي لأحد أنه قد رأى زوجته تمشي في الحي مشية مريبة تتسول بها نظرات الإعجاب، يفهمها أي رجل، ومن هنا يتحين أي خطأ ولو بسيطا ويصب عليها ألوان عقابه المختلفة، وكذلك المرأة في بعض الأحيان.
منظومة الترف
بينما يرى الدكتور “أحمد عبد الله” السبب الرئيسي وراء حدوث مثل هذه المشكلات هو تغلب منظومة الترف على مجتمعاتنا العربية، وهي منظومة ضد الأسرة تمامًا، وأنا لا أقصد بالترف هنا “الغنى والفقر”، ولكني أقصد به طريقة تفكير، ونمط حياة، وهو ما يتعارض مع مؤسسة الزواج القائمة بالأساس على تحمل كل طرف للآخر، فطبيعة حياتنا تجلت فيها قيم الاستسهال وعدم مواجهة المشكلات بشكل حقيقي، وعدم فهم ماذا تعني الأسرة، وما السبيل لاستقرارها، فعندما يرتبط الزوجان ويواجهان مشكلات الزواج -حتى لو كانت تافهة- لا يستطيعان تحملها، وبالتالي تحدث الخلافات التي يمكن أن تؤدي إلى الطلاق، وهذا يفسر سر ارتفاع معدلات الطلاق عربيًّا.
ويضيف: كما أن تغيير الأدوار داخل الأسرة، وخروج المرأة إلى العمل ومساهمتها بجزء من راتبها في المنزل، وفي نفس الوقت لم يواكب هذا تغيير في تعامل الزوجين مع بعضهما، فأصبحت ثقافة الندية هي السائدة، مما أدى إلى زيادة الصراع داخل الأسرة.
ويؤكد د. أحمد عبد الله: ينبغي الانتباه إلى هذه الأسباب والتعامل معها، لو أردنا البحث في أسباب الطلاق وطرق التقليل منه، فلا بد من أن يفهم الزوجان أولاً معنى الزواج، وما هي منظومة الأسرة وكيف يتم الحفاظ عليها قبل الارتباط بشريك الحياة.