لم يقتصر نبوغ العرب في عصورهم الزاهية على علوم الشريعة واللغة وإنما امتد ليشمل كافة مجالات العلوم بما فيها العلوم الحربية، وإذا كان جل المحققون نشروا جوانب مختلفة من التراث العلمي منذ بدايات حركة نشر التراث في القرن التاسع عشر إلا أن التراث العسكري ظل بعيدا عن الاهتمام على الرغم من وجود تراث عسكري أشارت إليه كتب الببليوغرافيا وتصانيف العلوم وتقسيمها، وفي السطور التالية أحاول الإشارة إلى طائفة من الفنون العسكرية التي ظهرت في السياق العربي الإسلامي، وإلى بعض التآليف التي صنفت فيها، وجل مادة هذا المقال مستخرجة من: (مفتاح السعادة) لطاشكبري زادة، (كشف الظنون) لحاجي خليفة باعتبارهما أهم ببليوغرافية إسلامية، كما أفدت من (هدية العارفين) للبغدادي حيث يضم التصانيف المتأخرة في هذا المجال.
نبذة حول العلوم الحربية
أشار كلا من طاشكبري زادة وحاجي خليفة إلى بعض العلوم التي ظهرت في المجال الحربي ، مثل علم الفروسية، وعلم الصناعات الحربية، وعلم البنود (الرماح)، وعلم الميادين الذي يدرس كيفية النزال، ولكنهما تحدثا بإسهاب عن أربعة علوم رئيسة وهي:
- علم الآلات الحربية: وهو علم يتعرف منه كيفية اتخاذ الآلات الحربية، كالمنجنيق والنشاب وغيرها، وهو من فروع علم الهندسة، ومنفعته ظاهرة لأنها شديدة الغناء في دفع الأعداء وحماية المدن، وهذا العلم: أحد أركان الدين، لتوقف أمر الجهاد عليه، وهو على قسمين: علم وضعها وصناعتها، وعلم استخدامها.
- علم الرمي: مثل الرمي بالقوس والبنادق والنشاب والسهام، وهو علم يتعرف منه رمي الأمور المذكورة من خلال الممارسة العملية، ليكون عملها على وجه الاصابة، وقد جعله حاجي خليفة جعله فرعا عن علم الآلات الحربية المتعلق باستخدامها، وفيه مصنفات سنشير إليها لاحقا.
- علم قود العساكر والجيوش: وهو علم يبحث في كيفية ترتيب العساكر ونصب الرؤساء، وقد أشار إليه الماوردي في (الأحكام السلطانية)، ثم طاشكبري زادة في (مفتاح السعادة) وهو يختص: بضبط أحوالهم، وتهيئة أرزاقهم، وتمييز الشجاع عن الجبان، والقوي عن الضعيف، ويحسن إلى الأقوياء والشجعان، ويهيىء لهم ألبسة الحروب وما يليق بهم من السلاح، ثم يأمر كلا منهم بالزهد والصلاح، ليفوزوا بالخير والفلاح، ويأمرهم أن لا يظلموا أحداً، ولا ينقضوا عهداً، ولا يهملوا ركناً من أركان الشريعة، ويفترض طاشكبري زادة أنه أحد فروع علم الحكمة لكن حاجي خليفة يدرجه ضمن علم سياسة الملوك.
- علم ترتيب العساكر: ويسمى أيضا (علم التعابي العددية في الحروب)، وهو كما وصفه طاشكبري زادة “يتعرف منه كيفية ترتيب العساكر في الحروب، وكيفية تسوية صفوفها أزواجا وأفرادا، أو تعيين أعداد الصفوف وأعداد الرجال في كل صف، منها، وهيئة الصفوف: أما على التدوير أو التثليث أو التربيع، الى غير ذلك، حسب ما تقتضيه الأحوال؛ وبينوا أن في رعاية الترتيب المذكور، ظفرا بالمرام، ونصرة على الأعداء، ولا يكون مغلوباً أبداً باذن الله القادر العليم. إلا أن العلماء أخفوا هذا العلم وضنوا به عن الأغيار”، وقد جعله من فروع علم العدد وعارضه حاجي خليفة في ذلك.
تذخر المكتبة التراثية بمصنفات حربية كثيرة، وهي على شاكلتين: مصنفات عامة تتضمن فصلا أو قسما يتحدث عن سياسات الحروب والصناعات المرتبطة بها ومن أمثلتها؛ عيون الأخبار لابن قتيبة (ت: 276ه) وهو عشرة كتب [فصول] الثاني منها في الحرب، والأحكام السلطانية للماوردي (ت: 450ه) الذي تحدث في الباب الثاني من كتابه عن الولاية في الحروب وكيفية إدارتها وسوس العساكر وما إلى ذلك، ومقدمة ابن خلدون التي ورد بها فصل في الحروب ومذاهب الأمم في ترتيبها وفصل آخر عن قيادة الأساطين والسفائن.
أما المصنفات المتخصصة فهي أكثر من أن تحصى وبعضها يندرج في إطار العلوم الأربعة السالفة وبعضها يخرج عنها، وسنفتتح أولا بالعلوم الأربعة ثم نعرج على بعض المصنفات الأخرى.
المصنفات في علم الآلات الحربية
- إبراهيم بن عز بن غانم الأندلسي؛ العز والمنافع للعاملين في سبيل الله بآلات الحروب والمدافع.
- محمد بن أبي بكر، المعروف بابن جماعة (ت: 819ه)، الأسوس في صناعة الدبوس (عصا حربية).
- ابن أرنبغا الزردكاش (ت: 867 ه) الأنيق في المنجنيق، حققه ونشره وقد له إحسان هندي (2013).
- – هارون (غير معلوم وفاته)، كتاب آلات الحرب، ذكره حاجي خليفة.
- محمد بن محمود منكلي (ت: 778)، كتاب التدبيرات السلطانية في سياسة الصناعة الحربية، ذكره حاجي خليفة، وقد حققه صادق محمود الجميلي (1983).
- مُحَمد بن مُحَمد المقِدسِي المعروف بالخليلي (ت:926 ه)، السيوف الجليلة والمدافع الرعدية.
المصنفات في علم الرمي
- أبو بكر محمد بن خلف (ت: 306 ه)، كتاب الرمي.
- السيوطي (ت: 911ه) غرس الأنشاب في الرمي بالشهاب.
- مؤلف مجهول: القول التام في فضل الرمي بالسهام.
- تاج الدين بن عثمان بن التركماني الحنفي (744ه)، أحكام الرمي والسباق.
- محمد بن أبي بكر، المعروف بابن جماعة (ت: 819ه)، تحفة الغزاة رسالة في الرمي والذرب واللعب بالفرس.
- محمد بن أبي بكر، المعروف بابن جماعة (ت: 819ه)، فلق الصبح في أحكام الرمي.
- علي بن قاسم السعدي، الحلبي الرامي (غير معلوم تاريخ وفاته)، التعليم والإعلام، في رمي السهام، ألفه: للأمير برسباي الجركسي أوله: (الحمد لله الحنان المنان … الخ) وأورد في آخره: (أرجوزة في قواعد الرمي).
- أبو يعقوب: إسحاق بن إبراهيم بن محمد بن سهل الحافظ المعروف بالقراب (ت:429ه)، جزء الرمي وفضله.
- بن وكيع الضبى (ت: 393ه) كتاب الرمى والنصال، وله أيضا: الرَّد على من اوهم أن ترك الرمى للْعذر يسْقط الدم.
المصنفات في علم قود العساكر
- الفارابي (ت: 260)، رسالة في قود الجيوش
- ابن سينا الرئيس (ت: 428ه)، تدبير الجند والممالك.
- يوسف بن عبد الملك بن بخشيش، هزم الجيوش مختصر في الغالب والمغلوب، وشرحه في (حزم الجيوش)، وأوله: (الحمد لله الذي أمر بالقتال … الخ)، أتمه في: ذي الحجة، سنة 852 ه، كما ذكر حاجي خليفة.
- مرضي بن علي الطرطوسي، تبصرة أرباب الألباب في كيفية النجاة في الحروب.
- محمد بن محمود منكلي (ت: 778ه)، المنهل العذب لورود أهل الحرب.
- محمد بن محمود منكلي (ت: 778ه)، الرسالة المرضية في صناعة الجندية.
- محمد بن محمود منكلي (ت: 778ه)، الحيل في الحروب وفتح المدائن وحفظ الدروب.
- أبو عبد الله محمد بن عبد الله الرشيدي، تفريج الكروب في تدبير الحروب.
- عماد الدين موسى اليوسفي المصري، كشف الكروب في معرفة الحروب.
- أبو سعيد الشعراني الهرثمي (848ه)، مختصر سياسة الحروب، حققه عبد الرءوف عون وراجعه محمد مصطفى زيادة.
المصنفات في علم ترتيب العساكر
- مجهول المؤلف، نظم التعبئة، مخطوط بالجامعة العربية.
- محمد بن محمود منكلي (ت: 778ه)، الأدلة الرسمية في التعابي الحربية، وله أيضا (الأحكام الملوكية والضوابط الناموسية).
- شاني زادة (1242ه)، قوانين العساكر
- ابن العناني الجزائري (1250ه) السعي المحمود في ترتيب العساكر والجنود.
ولم يقتصر التأليف العسكري على هذه العلوم، وإنما نجد طائفة من المؤلفات تندرج ضمن ما يسمى علم الحيل ومن أمثلتها كتاب (التذكرة الهروية في الحيل العسكرية) لأبي بكر الهروي (ت:611 ه)، ومؤلفات تندرج ضمن علم الفروسية وهي لا تكاد تحصى ومن أمثلتها (كتاب الفروسية) لابن الجوزي، وكتاب (السر المخزون وجامع الفنون في أمر الفروسية والحروب) للأمير بدر الدين بكتوت الرماح، وكتاب (الأمنية في علم الفروسية) لابن جماعة (ت:819 ه)، ومؤلفات تتصل بالسيف ومن أقدمها (كتاب السيف) لأبي عبيدة معمر بن المثنى البصري (ت: 211 ه).
استنتاجات ختامية
استخلاصا مما سبق يمكن القول أن التصنيف في الفنون الحربية والعسكرية شغل قسما لا بأس به من المكتبة التراثية، وأن الحاجة لا تزال ماسة إلى بذل الجهد للتعريف به وتحقيقه ونشره نشرا علميا، وأولى المؤلفات في هذا المجال تعود إلى بدايات القرن الثالث الهجري ومؤلفوها لم يكونوا من العسكريين فقد كتب بعض الفلاسفة كالفارابي وابن سينا عن قيادة الجيوش، وكذلك كتب نفر من الفقهاء عن الفروسية والخيل، ولكن تطورا نوعيا ملحوظا يمكن رصده ابتداء من العصر الأيوبي الذي شهد المواجهة مع الصليبيين، وفيه نجد أن عملية التصنيف في المجالات العسكرية انتقلت إلى أيدي القواد والمقاتلين وصارت أكثر تخصصية وتتناول موضوعات فنية دقيقة، وقد وضع عدد من المصنفات بأمر مباشر صلاح الدين الأيوبي، واستمر التطور في العصر المملوكي الذي شهد توسعا في حركة التصنيف حيث اشتهر بعض القادة بوضع مصنفات كثيرة، مثل: ابن منكلي وهو رئيس حرس السلطات الأشرف شعبان، وابن جماعة الذي عاصر عددا من السلاطين المماليك، وقد استمرت حركة التصنيف خلال العصر العثماني وهنالك عدد ضخم من المؤلفات كتبت باللغة العثمانية، وهي تشير إلى أن المسلمين عبر تاريخهم لم يهملوا شأن العلوم والصناعات الحربية وأولوها عنايتهم.