غلب على تدوين حياة الرسول ﷺ أن تكتب فيما يعرف بـ (السيرة النبوية)، وهي تصنف علميا ضمن ( المغازي والسير)، وذلك لأن المباحث التي دونت فيها تتكلم غالبها عن المغازي والجهاد وعلاقة الرسول ﷺ بالكفار والمشركين، فتبدأ أحداث السيرة أولا ببشارات النبوة في الكتب السابقة وإرهاصات الميلاد، ثم ميلاده ﷺ، ثم طفولته، وتربية جده ثم عمه له، ثم زواجه من خديجة، ثم نزول الوحي، والصراع مع المشركين حتى الهجرة، ثم الأحداث في المدينة يغلب عليها الغزوات ابتداء من أحد وانتهاء بفتح مكة، ثم الحديث عن وفاته ﷺ.
وكثير من الكتب نحت هذا المنحى ابتداء بسيرة ابن هشام وانتهاء بما كتبه المعاصرون مثل المباركفوري وسعيد رمضان البوطي ومحمد الغزالي وغيرهم.
وكثير من الكتب التي ترجمت إلى غير العربية ترجمت هذه الكتب، يعني أن صورة محمد ﷺ إلى غير المسلمين نقلت بهذه الصورة التي يغلب عليها الطابع الحربي والعسكري في غالبها.
على أن هناك صنف آخر من الكتب رصد حياة النبي ﷺ بصورة أفضل، وهي كتب الشمائل المحمدية.
والشمائل المحمدية هي الكتب التي تعنى بتوثيق كل ما يتعلق بشخصية النبي ﷺ من النواحي المتعددة، كعلاقته بربه سبحانه وتعالى، وعبادته، كما تتعلق بعلاقته بآل بيته وأقاربه، وعلاقته بأصحابه، وبيان أخلاقه وسلوكه مع جميع من تعامل معهم، فالشمائل تقابل السير التي تعنى بالمغازي والجهاد، ذلك أن التصنيف في السيرة النبوية أخذ عدة مناح متعددة، اشتهر منها منهج المغازي والسير، ومنها منهج الشمائل والأوصاف والأخلاق والسلوكيات، أو بتعبير أدق العناية بهدي النبي ﷺ في عموم حياته، فالشمائل تسلط الضوء على الجانب الاجتماعي والحضاري لرسول ﷺ ويمكن اعتبارها من قسم السنة الفعلية والتقريرية أكثر من قسم السنة القولية، وإن كانت الشمائل تشمل الأنواع الثلاثة للسنة، لكنها في الجانب التطبيقي أكثر، كما يدخل فيها وصف الصحابة لشخص الرسول ﷺ ووصف أفعاله وسلوكه، والنقل عنه وعن مواقفه المتعددة.
مصادر الشمائل
وتتنوع مصادر الشمائل المحمدية، فمنها ما هو خاص بالشمائل، ومنها ما هو عام.
أولا- المصادر العامة للشمائل:
المصادر الشاملة للشمائل هي كتب السنة بكافة أنواعها، كالصحيحين: صحيح البخاري وصحيح مسلم، وكتب السنة، مثل: سنن أبي داود، وسنن الترمذي، وسنن النسائي، وسنن ابن ماجه، وسنن الدارمي، وسنن سعيد بن منصور، وكذلك: موطأ الإمام مالك، ومسند الإمام أحمد، ومسند البزار، وصحيح ابن خزيمة، وصحيح ابن حبان، ومصنف ابن أبي شيبة، والأدب المفرد للبخاري، والمستدرك على الصحيحين للحاكم، والمعاجم الثلاثة للطبراني وغيرها من كتب متون السنة.
ثانيا- المصنفات الخاصة بالشمائل:
النوع الثاني، هي الكتب التي أفردت الشمائل النبوية بالتصنيف، ومن أهمها:
– صفة النبي ﷺ لوهب بن منبه المتوفى سنة (200هـ)، وهو أول كتاب وصلنا في الشمائل النبوية.
– صفة أخلاق النبي ‘ للحافظ أبي الحسن علي بن محمد المدائني، المتوفى سنة (270هـ)
– الشمائل النبوية والخصائص المصطفوية، للحافظ الإمام أبي عيسى محمد بن عيسى بن سورة الترمذي المتوفى سنة (279 هـ).
– الشمائل لمحمد بن المستغفري، المتوفى سنة (432 هـ)
– الأخلاق النبوية لإسماعيل القاضي المالكي، المتوفى سنة: (282 هـ).
– شمائل الرسول للحافظ ابن كثير، المتوفى سنة: (ت 774هـ) .
– على أن كتاب الشمائل النبوية للإمام الترمذي كتب الله تعالى له الشهرة في هذا المجال، فاعتنى العلماء بشروحه واختصاره.
النوع الثالث: كتب الهدي:
على أن هناك نوعا ثالثا غاية في الأهمية في تصنيف السيرة النبوية، وهي الكتب التي تعنى ببيان هدي النبي ﷺ، وهي أوسع من الشمائل، حيث إنها جمعت جانب السير مع جانب الشمائل، بل توسعت أكثر من ذلك، ومن أشهر من كتب في هذا الإمام ابن القيم (ت:751هـ) في كتابه: ( زاد المعاد في هدي خير العباد)، والإمام الصالحي (ت:942هـ) في موسوعته الكبرى في السيرة النبوية المسماة: ( سبل الهدى والرشاد في هدي خير العباد)، وهو كتاب يمثل ثلاثة أضعاف حجم ما كتب الإمام ابن القيم، حيث وصل في بعض الطبعات إلى خمسة عشر مجلدا.
عرض السيرة النبوية
يبقى أن غالب الدعاة الذين يعرضون السيرة النبوية وحتى الهدي والشمائل يكتفون بنقل ما هو موجود في الكتب مع شرح معاصر، إن فعلوا، على أن الزاد الأكبر هو الاستفادة من منهج النبي ﷺ وسيرته وهديه وشمائله بالإسقاط على الواقع، وأن تكون حياته زادا للإصلاح والتغيير إلى الأفضل، من خلال استقراء منهجه في مناحي الحياة.
إن الدور على المسلمين كبير في عرض حياة نبيهم ﷺ بصورة حضارية لا تستثني جانبا من حياته، ولكنها في ذات الوقت تعرض حياته عرضا شاملا كاملا، حتى يستفيد منه جميع الناس..
إن الله تعالى وصف نبيه ﷺ في آية هي أعظم وصف للرسول ﷺ، حيث قال: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِيهِمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ } [الممتحنة: 6]، فكل الناس يجدون قدوتهم في رسول الله ﷺ، فالحاكم يجد منهج الحكم في سيرته، وكذلك القاضي والمفتي والتاجر والوالد والصديق والزوج وكل الوظائف وأحوال الناس كلهم، فقد جمع الله تعالى أحوال الخلائق في شخص محمد بن عبد الله ﷺ، فكان قدوة ورحمة للناس كما قال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} [الأنبياء: 107]..
إننا اليوم بحاجة إلى أن نقدم سيرة نبينا محمد ﷺ بشكل حضاري يجعل غير المسلمين يتعرفون على عظمة شخصيته، ويدركون قيمة الرسالة التي جاء بها للعالمين، ساعتها نكون قد أحببناه كما يجب أن نحبه، وعرفنا غيرنا به التعريف الذي يليق بمقامه الشريف.