عندما تحدث المولى عز وجل عن مشابهة عيسى لآدم في الخلقة من غير سابق نظير؛ لإبراز طلاقة القدرة الإلهية، وذلك في سياق التوضيح وإزالة العجب في مجيء عيسى من غير أب له، ضرب لهم المولى عز وجل مثلا على طلاقة القدرة الإلهية في إيجاد أصل البشرية وأبيها الأول آدم عليه السلام من غير أب وأم، إذ خلقه من تراب ..!
وهنا يبرز التساؤل العجيب في تعبير القرآن عن أصل خلق آدم من تراب في سياق ذكر عيسى، كما هو في سورة آل عمران (إِنَّ مَثَلَ عِيسَىٰ عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ ۖ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ)….
و في موضع آخر يذكر أصل خلقة آدم من طين كما هو في سورة ص (إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ طِينٍ) …والطين كما هو معلوم مكون من عنصرين هما الماء والتراب …
فما سر هذا التغاير في التعبير؟!
لقد جاء ذكر خلق الإنسان من (تراب) بصيغة الإفراد والتنكير في القرآن في سياق الرد على منكري البعث، وسياق مماثلة خلق عيسى بخلق آدم عليهما السلام ..
وذلك أن التراب هو أضعف مراحل الخلق إذ هو أضعف من الطين كثافة وتكوينا … وهذا ناسب سياق الرد على الكافرين ومنكري البعث؛ إذ أوقفهم على حقيقة ضعف خلقتهم ابتداء، فكيف يتكبرون ويغترون، وينكرون مردهم إلى الله؟!
(قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلًا)
وكذلك الحال هنا في سياق ذكر خلق عيسى عليه السلام، فلم يذكر المولى عزوجل مشابهة عيسى لآدم في خلقه من طين، وإنما ذكر التراب الذي هو أضعف مراحل خلق الإنسان -كما ذكرت- لمناسبة السياق العجيبة الدقيقة من وجهين هما :
الإمعان في طلاقة القدرة الإلهية التي أوجدت آدم من تراب أشبه بالعدم (ثم قال له كن فيكون) وكذلك الحال مع عيسى عليه السلام.
وللإشارة الخفية إلى من ادعى في عيسى الألوهية، فناسب ذكر مشابهة خلقته لآدم في أضعف مراحلها وتكوينها؛ للتأكيد على كونه مخلوقا من أضعف مراحل الخلق للإنسان.
فسبحان من أودع كلامه دقائق الإعجاز و البيان …!