يتسع مفهوم القيادة في النظرة الإسلامية ليشمل مستويات عدة من أفراد المجتمع قال رسول الله ﷺ « كُلُّكُمْ رَاعٍ ، وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ ، الإِمَامُ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِى أَهْلِهِ وَهْوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ ، وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ فِى بَيْتِ زَوْجِهَا وَمَسْئُولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا ، وَالْخَادِمُ رَاعٍ فِى مَالِ سَيِّدِهِ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ – قَالَ وَحَسِبْتُ أَنْ قَدْ قَالَ – وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِى مَالِ أَبِيهِ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ وَكُلُّكُمْ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ»[1] .
وصف النبي ﷺ الإمام والرجل والمرأة والخادم بصفة مشتركة وهي أن كل منهم راع ومسؤل عن رعيته مع أن لكل منهم مجال عمل مستقل عن الآخر، فرعاية الإمام لرعيته إقامة العدل واختيار ما يصلحهم.
ورعاية الرجل لأسرته تقتضي منه توفير البيئة المناسبة لحياة كريمة ينعم فيها أفراد الأسرة بصحة نفسية وعقلية وجسدية، ويهتم فيها رب الأسرة بتلبية الحاجات المادية والمعنوية لأفرادها.
ورعاية المرأة لبيت زوجها وسكانه حسن استغلال الموارد المتاحة وتوفير البيئة المناسبة لحياة أسرية مستقرة، وصيانة نفسها بالورع وترك الشبهات.
ورعاية الخادم لمن يخدمه الحفاظ على ما تحت يده من موارد وأداء عمله على الوجه الأكمل فإذا كان الرجل ليس إماما ولا زوجا ولا خادما فمن يرعى في مثل هذه الحالة؟ يرعى نفسه بحسن قيادتها إلى الخير والحق ويرعى أصحابه بنصيحتهم وحسن عشرتهم[2].
لاشك أن الإنسان هو نتاج الوراثة والبيئة يكتسب خصائصة الذاتية وصفاته المميزة من الأسرة والمدرسة والمجتمع، ومعنى ذلك أن الجميع مسؤل عن تكوينه بما يودعونه من أفكار وعواطف وخبرات وما يكسبه من مهارات.
وأول صفة من صفات القيادي الناجح هو قدرته على التحكم في نفسه، فمن ملك نفسه ملك العالم، وملك قدرته على التحكم في عواطفه من الغضب والرضا والحب والبغض وما يترتب على ذلك من عطاء ومنع.
ويمكن للأسر والمدارس والمؤسسات التي تتعامل مع الأطفال والناشئة أن تضع نصب عينيها عدة أمور يمكن أن تساهم بمقدار ما في صناعة شخصية صحيحة من الناحية النفسية والعقلية مؤهلة لتتبوأ مكانتها اللائقة بها قادرة على أداء دورها في عبادة الله وعمارة الكون:
1. الحرص على التنمية الشخصية باستمرار وإكسابها المهارات اللازمة لحياة رشيدة سعيدة يتمكن بها الناشئ من مواجهة صعوبات الحياة وحسن التعامل مع الأزمات واستثمار الفرص المتاحة.
2. تنمية القدرة على التعبير عن النفس، وحاجاتها وتطلعاتها آمالها وآلامها ورغباتها، وعندما يفقد الإنسان القدرة على التعبير عن مكنون صدره يصاب بالارتباك أو يلجأ إلى الصراخ والغضب أو الانزواء بعيدا عن التفاعل داخل محيطه الاجتماعي.
3. تنمية القدرة على التفاوض للوصول على حل وسط يلبي حاجات الطرفين أو الأطراف المتنازعة، ويأتي ذلك عبر خبرات متراكمة من تقدير المواقف ومعرفة بطرق الحوار وبقيمة الأشياء.
التأكيد على الشجاعة الأدبية في الاعتراف بالخطأ، ومحاولة إصلاحه، والاعتذار لمن أخطأ في حقهم، والمحاولة المستمرة لتقويم المواقف.
4. التدريب على حل المشكلات الصغيرة التي يتعرض لها الناشئ، أو على الأقل عرض الحلول الممكنة لتجاوز هذه المشكلة واختيار المناسب منها فيما يشبه العصف الذهني .
التحفيز المستمر وبث روح الأمل في النفوس
تصاب المجتمعات أحيانا بما يسوؤها بل بما يحزنها، والحزن يضعف العزائم، ويوهي القوى النفسية والجسدية، لذا كان لزاما على القائد أن يشعل جذوة الأمل في نفوس الأفراد، وأن يحافظ عليها بكلماته السديدة ومواقفه المتفائلة.
في لحظة شديدة العسر على نفوس الصحابة شعروا فيها بالضعف وقلة الحيلة طلبوا من رسول الله صلى الله ﷺ أن يسأل الله تعالى نصرا مؤزرا عاجلا غير آجل، وبيّن لهم رسول الله ﷺ أن ما يعانونه من مصاعب قد مر ما هو أشد منه بأمم قبلهم، وبشرهم بزوال ما هم فيه من ضعف وقلة وحاجة، وأفهمهم أن نصر الله قريب وسيأتيهم في الموعد الذي حدده الله تعالى.
عَنْ خَبَّابِ بْنِ الأَرَتِّ، قَالَ: شَكَوْنَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ مُتَوَسِّدٌ بُرْدَةً لَهُ فِي ظِلِّ الكَعْبَةِ، قُلْنَا لَهُ: أَلاَ تَسْتَنْصِرُ لَنَا، أَلاَ تَدْعُو اللَّهَ لَنَا؟ قَالَ: «كَانَ الرَّجُلُ فِيمَنْ قَبْلَكُمْ يُحْفَرُ لَهُ فِي الأَرْضِ، فَيُجْعَلُ فِيهِ، فَيُجَاءُ بِالْمِنْشَارِ فَيُوضَعُ عَلَى رَأْسِهِ فَيُشَقُّ بِاثْنَتَيْنِ، وَمَا يَصُدُّهُ ذَلِكَ عَنْ دِينِهِ، وَيُمْشَطُ بِأَمْشَاطِ الحَدِيدِ مَا دُونَ لَحْمِهِ مِنْ عَظْمٍ أَوْ عَصَبٍ، وَمَا يَصُدُّهُ ذَلِكَ عَنْ دِينِهِ، وَاللَّهِ لَيُتِمَّنَّ هَذَا الأَمْرَ، حَتَّى يَسِيرَ الرَّاكِبُ مِنْ صَنْعَاءَ إِلَى حَضْرَمَوْتَ، لاَ يَخَافُ إِلَّا اللَّهَ، أَوِ الذِّئْبَ عَلَى غَنَمِهِ، وَلَكِنَّكُمْ تَسْتَعْجِلُونَ»[3]
الثقة المطلقة بالله
وفي اللحظات الحرجة التي تطيش فيها العقول وتتزلزل القلوب يكون ثبات القائد عاملا مهما في تسكين الخوف وإشاعة روح الطمأنينة.
في لحظة فارقة من عمر الدعوة الإسلامية خرج المشركون في البحث عن النبي ﷺ وكانوا في أقرب النقاط منه لكنهم لا يشعرون، عندما أدرك الصديق رضي الله عنه قربهم وفكر في عواقب إدراكهم للنبي ﷺ أبدى مخاوفه، ولكن ثقة النبي ﷺ بربه أزاحت غمامة الخوف من أمام الصديق رضي الله عنه.
عَنْ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قُلْتُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَأَنَا فِي الغَارِ: لَوْ أَنَّ أَحَدَهُمْ نَظَرَ تَحْتَ قَدَمَيْهِ لَأَبْصَرَنَا، فَقَالَ: «مَا ظَنُّكَ يَا أَبَا بَكْرٍ بِاثْنَيْنِ اللَّهُ ثَالِثُهُمَا»[4]
المبادرة
القائد الحكيم هو الذي يبادر إلى استطلاع مكامن الخطر، ويسعى إلى إزالتها وبث روح الطمأنينة في الأفراد، فإنه لما سمع أهل المدينة صوتا أفزعهم فخرجوا يبحثون عن مصدره، وإذا بهم يجدون النبي ﷺ قد ذهب إلى مصدر الصوت واطمأن وعاد يطمئنهم. وكان من شدة استعجاله ﷺ ركب فرسا ليس عليه سرج وانطلق مسرعا وكان من تقدير الله تعالى أن امتطى فرس أبي طلحة وكان الفرس قويا سريعا.
عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحْسَنَ النَّاسِ، وَأَجْوَدَ النَّاسِ، وَأَشْجَعَ النَّاسِ، وَلَقَدْ فَزِعَ أَهْلُ المَدِينَةِ ذَاتَ لَيْلَةٍ، فَانْطَلَقَ النَّاسُ قِبَلَ الصَّوْتِ، فَاسْتَقْبَلَهُمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ سَبَقَ النَّاسَ إِلَى الصَّوْتِ، وَهُوَ يَقُولُ: «لَنْ تُرَاعُوا لَنْ تُرَاعُوا» وَهُوَ عَلَى فَرَسٍ لِأَبِي طَلْحَةَ عُرْيٍ مَا عَلَيْهِ سَرْجٌ، فِي عُنُقِهِ سَيْفٌ، فَقَالَ: ” لَقَدْ وَجَدْتُهُ بَحْرًا. أَوْ: إِنَّهُ لَبَحْرٌ [5]
تقسيم العمل
لعل من أهم عوامل نجاح الأعمال الكبرى بعد توفيق الله تعالى هو التخطيط الدقيق الذي يقضي بتقسيم العمل على عدة أفراد حسب إمكانياتهم وقد كان النبي ﷺ يقسم العمل على أصحابه، فلما (شرع المسلمون بحفر الخندق، وكان يمتد من أم الشيخين طرف بني حارثة شرقاً حتى المذاذ غرباً ، وكان طوله خمسة آلاف ذراع وعرضه تسعة أذرع، وعمقه من سبعة أذرع إلى عشرة. وكان على كل عشرة من المسلمين حفر أربعين ذراعاً. وقد تولى المهاجرين الحفر من ناحية حصن راتج في الشرق إلى حصن ذباب، والأنصار من حصن ذباب إلى جبل عبيد في الغرب) [6]
المشاركة
القيادي الناجح هو الذي يشارك أفراد مجموعته أعمالهم وخصوصا عندما تكون هذه الأعمال متعلقة بحماية الأمن والمستقبل.
فقد كانت المدينة المنورة على موعد مع هجوم كبير من قبل المشركين، وبعد المشورة اتفق الرأي على حفر خندق يمنع الأعداء من الوصول إليها، (ولما كانت المدينة تحيط بها الحرات والجبال وبساتين من النخيل من كل جانب سوى الشمال، وكان النبي صلّى الله عليه وسلم يعلم كخبير عسكري حاذق أن زحف مثل هذا الجيش الكبير، ومهاجمة المدينة- لا يمكن إلا من جهة الشمال، اتخذ الخندق في هذا الجانب)[7].
قَال الْبَرَاء: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الْأَحْزَابِ يَنْقُلُ مَعَنَا التُّرَابَ، وَلَقَدْ وَارَى التُّرَابُ بَيَاضَ بَطْنِهِ، وَهُوَ يَقُولُ: “
اللهُمَّ لَوْلَا أَنْتَ مَا اهْتَدَيْنَا وَلَا تَصَدَّقْنَا وَلَا صَلَّيْنَا
فَأَنْزِلَنْ سَكِينَةً عَلَيْنَا إِنَّ الْأُلَى قَدْ بَغَوْا عَلَيْنَا “
وَرُبَّمَا قَالَ: ” إِنَّ الْمَلَا قَدْ أبَوْا عَلَيْنَا إِذَا أَرَادُوا فِتْنَةً أَبَيْنَا “، وَيَرْفَعُ بِهَا صَوْتَهُ [8]
شارك النبي ﷺ أصحابه في هذا العمل المهم وعمل معهم بكل جد وكان يرفّه عنهم بترداد هذه الكلمات التي تبث روح الحماسة وتجدد نشاط العاملين.
الوفاء بالوعد
الوفاء بالعهد هو استمطار لرحمة الله تعالى واستنزال لتأييده وهما من أهم عوامل الفلاح الذي يسعى له القائد لعبور الأزمة وبلوغ الغاية عن حُذَيْفَةُ بْنُ الْيَمَانِ، قَالَ: مَا مَنَعَنِي أَنْ أَشْهَدَ بَدْرًا إِلَّا أَنِّي خَرَجْتُ أَنَا وَأَبِي حُسَيْلٌ، قَالَ: فَأَخَذَنَا كُفَّارُ قُرَيْشٍ، قَالُوا: إِنَّكُمْ تُرِيدُونَ مُحَمَّدًا، فَقُلْنَا: مَا نُرِيدُهُ، مَا نُرِيدُ إِلَّا الْمَدِينَةَ، فَأَخَذُوا مِنَّا عَهْدَ اللهِ وَمِيثَاقَهُ لَنَنْصَرِفَنَّ إِلَى الْمَدِينَةِ، وَلَا نُقَاتِلُ مَعَهُ، فَأَتَيْنَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَخْبَرْنَاهُ الْخَبَرَ، فَقَالَ: «انْصَرِفَا، نَفِي لَهُمْ بِعَهْدِهِمْ، وَنَسْتَعِينُ اللهَ عَلَيْهِمْ»[9] وكما يجب على القائد أن يأخذ بالأسباب الدنيوية للفلاح عليه قبل ذلك أن يرضي ربه تبارك وتعالى لينال الفوز في الدنيا والسعادة في الآخرة.
التشاور
تتميز الشورى بعدة مميزات منها أنها ثمرة عقول كثيرة لكل منها تجربته الفريدة، ومع الإخلاص والحكمة يمكن الوصول إلى أفضل الآراء و”بالشورى تنكشف الحقائق وينجلي العمى ويستنبط الصواب ويصح الرأي وتتضافر الجهود وتتوزع المسؤولية وتقوى شوكة الأمة، ما ذلك إلا لأنه بالشورى تنبعث عوامل الألفة والمودة والمحبة والتعاون والتناصح، وتتشابك الأيدي لحل المعضلات، وبالشورى يصل الإنسان إلى ما يصبو إليه من عزة وفلاح وسعادة ونجاح في أمور الدنيا والآخرة.
وبالشورى تبنى المجتمعات الفاضلة والدول القوية، وبالشورى يحصل النصر وتستمال القلوب، ويتعاون أهل الشورى من أجل بناء الأوطان وعمارة الأرض وإرضاء الرب”[1].
وقد سجلت دوواين السنة مشاورات النبي ﷺ لأصحابه في الأمور المهمة فعند الإمام البيهقي في (دلائل النبوة) أثناء حديثه عن خروج النبي ﷺ لغزوة بدر (وارتحل رسول الله ﷺ فذكر مسيره حتى إذا كان ببعض وادي ذفار نزل وأتاه الخبر عن قريش بمسيرهم ليمنعوا عيرهم فاستشار رسول الله ﷺ الناس فقال أبو بكر [رضي الله عنه] فأحسن.
ثم قام عمر فقال فأحسن ثم قام المقداد بن عمرو فقال: يا رسول الله امض لما أمرت به فنحن معك والله لا نقول لك كما قالت بنو إسرائيل لموسى اذهب أنت وربك فقاتلا إنا ههنا قاعدون، ولكن اذهب أنت وربك فقاتلا إنا معكما مقاتلون. فو الذي بعثك بالحق لو سرت بنا إلى برك الغماد لجالدنا معك من دونه حتى تبلغه فقال له رسول الله ﷺ خيرا ودعا له به ثم قال: أشيروا علي أيها الناس وإنما يريد الأنصار وذلك أنهم عدد الناس، وكانوا حين بايعوه بالعقبة، قالوا: يا رسول الله إنا برءاء من ذمامك حتى تصل إلى دارنا، فإذا وصلت إلينا فأنت في ذممنا نمنعك مما نمنع منه أنفسنا وأبناءنا ونساءنا، فكان رسول الله ﷺ يتخوف أن لا تكون الأنصار ترى أن عليها نصرته إلا بالمدينة، وأنه ليس عليهم أن يسير بهم إلى عدو بغير بلادهم، فلما قال ذلك رسول الله ﷺ، قال سعد بن معاذ: والله لكأنك يا رسول الله تريدنا.
قال: أجل. قال سعد بن معاذ: فقد آمنا بك وصدقناك وشهدنا أن ما جئت به حق، وأعطيناك على ذلك عهودنا ومواثيقنا على السمع والطاعة، فامض يا رسول الله لما أردت فنحن معك، فو الذي بعثك بالحق لو استعرضت بنا هذا البحر لخضناه معك، ما تخلف منا واحد، وما نكره أن نلقى عدونا غدا، إنا لصبر عند الحرب، صدق عند اللقاء، ولعل الله يريك منا ما تقر به عينك، فسر بنا على بركة الله، فسر بذلك رسول الله ﷺ)[2].
الثناء والنقد
قال أبو بكر الصديق رضي الله عنه: يا رسول الله، نعم الرجل بريدة بن الحصيب لقومه، عظيم البركة عليهم، مررنا به ليلة، مررنا ونحن مهاجرون إلى المدينة، فأسلم معه من قومه من أسلم. فقال رسول الله ﷺ: نعم الرجل بريدة لقومه وغير قومه يا أبا بكر، إن خير القوم من كان مدافعا عن قومه ما لم يأثم، فإن الإثم لا خير [فيه][3]
وهناك ثناء يرشد إلى بعض مواضع القصور (قال النبىّ صلّى الله عليه وسلم لربيعة بن الحارث بن عبد المطلب: نعم الرجل ربيعة لو قصر من شعره وشمر من ثوبه)[4]
(عن أبي هريرة، أن رسول الله ﷺ، قال: “نعم الرجل أبو بكر، نعم الرجل عمر، نعم الرجل أبو عبيدة بن الجراح، نعم الرجل أسيد بن حضير، نعم الرجل ثابت بن قيس بن شماس، نعم الرجل معاذ بن عمرو بن الجموح، بئس الرجل” فلان وفلان سماهم رسول الله ﷺ ولم يسمهم لنا سهيل)[5]. وسهيل أحد رواة الحديث.
“مَا بَال أقْوَام يَشْتَرِطونَ شرُوطاً لَيْسَتْ فِي كِتَابِ الله؟ “[6]
وقد حدث أنس بن مالك الناس فقال: قال النبي ﷺ: «ما بال أقوام يرفعون أبصارهم إلى السماء في صلاتهم؟. فاشتد قوله في ذلك، حتى قال: لينتهن عن ذلك، أو لتخطفن أبصارهم.»[7]
التعاطف
القيادة الناجحة هي التي تتلمس عواطف الناس وتداوي آلام قلوبهم، وقد كانت لأم سليم آلام بسبب فقدها لأخيها وكان النبي ﷺ يداويها بهذه الزيارة التي تمسح الآلآم وتجلو الأحزان وبذلك يحافظ القائد على رعيته من المعاناة النفسية، وعن أنس رضي الله عنه: أن النبي ﷺ لم يكن يدخل بيتا بالمدينة غير بيت أم سليم إلا على أزواجه، فقيل له، فقال: (إني أرحمها، قتل أخوها معي)»[8] تعجب الصحابة رضي الله عنهم من دخوله ﷺ كثيرا على أم سليم وقد كانت رضي الله عنها خالة أمه من الرضاع فأجابهم أن كثرة الزيارة تعويض عن حبيب قدم روحه فداء لدين الله.
الاستخدام الدقيق للعاطفة في معالجة بعض الأزمات:
لاشك أن كثيرا من الناس تحكمهم العاطفة ومن حسن القيادة معرفة ما يؤثر على النفس البشرية والقدرة على استغلاله لما فيه من الوصول إلى الحق والعبور إلى بر الأمان ونزع فتيل الأزمات.
وفي الحديث الذي يرويه الإمام أحمد رحمه الله يبين كيف حرك النبي ﷺ عواطف الأنصار وكيف استنقذهم من آثار غضبهم من قسمته ﷺ للغنائم وكيف وجه النبي ﷺ عواطف الحب له لما فيه الخير للجميع.
عن أبي سعيد الخدري قال: لما أعطى رسول الله ﷺ ما أعطى من تلك العطايا في قريش وقبائل العرب، ولم يكن في الأنصار منها شيء وجد هذا الحي من الأنصار في أنفسهم، حتى كثرت فيهم القالة حتى قال قائلهم: لقي رسول الله ﷺ قومه، فدخل عليه سعد بن عبادة، فقال: يا رسول الله، إن هذا الحي قد وجدوا عليك في أنفسهم لما صنعت في هذا الفيء الذي أصبت، قسمت في قومك، وأعطيت عطايا عظاما في قبائل العرب، ولم يك في هذا الحي من الأنصار شيء، قال: ” فأين أنت من ذلك يا سعد؟ ” قال: يا رسول الله، ما أنا إلا امرؤ من قومي، وما أنا؟ قال: “فاجمع لي قومك في هذه الحظيرة”، قال: فخرج سعد، فجمع الأنصار في تلك الحظيرة، قال: فجاء رجال من المهاجرين، فتركهم، فدخلوا وجاء آخرون، فردهم، فلما اجتمعوا أتاه سعد فقال: قد اجتمع لك هذا الحي من الأنصار، قال: فأتاهم رسول الله ﷺ فحمد الله وأثنى عليه، بالذي هو له أهل.
ثم قال: ” يا معشر الأنصار ما قالة بلغتني عنكم وجدة وجدتموها في أنفسكم، ألم آتكم ضلالا فهداكم الله؟ وعالة فأغناكم الله؟ وأعداء فألف الله بين قلوبكم؟ “، قالوا: بل الله ورسوله أمن وأفضل. قال: ” ألا تجيبونني يا معشر الأنصار ” قالوا: وبماذا نجيبك يا رسول الله، ولله ولرسوله المن والفضل. قال: ” أما والله لو شئتم لقلتم فلصدقتم وصدقتم، أتيتنا مكذبا فصدقناك، ومخذولا فنصرناك وطريدا فآويناك، وعائلا فآسيناك، أوجدتم في أنفسكم يا معشر الأنصار في لعاعة من الدنيا، تألفت بها قوما ليسلموا، ووكلتكم إلى إسلامكم؟ أفلا ترضون يا معشر الأنصار أن يذهب الناس بالشاة والبعير، وترجعون برسول الله في رحالكم؟ فوالذي نفس محمد بيده لولا الهجرة لكنت امرأ من الأنصار، ولو سلك الناس شعبا، وسلكت الأنصار شعبا لسلكت شعب الأنصار، اللهم ارحم الأنصار، وأبناء الأنصار، وأبناء أبناء الأنصار ” قال: فبكى القوم، حتى أخضلوا لحاهم، وقالوا: رضينا برسول الله قسما وحظا، ثم انصرف رسول الله ﷺ وتفرقوا.[9]
اختيار الأكفاء
ينظر النبي ﷺ إلى اصحابه وهم يعملون بجد في بناء المسجد فيرى أحدهم صاحب مهارة عالية في خلط الطين وهو المادة الخام التي سيبني منها المسجد فيقول لهم قربوا اليمامي والطين يختار النبي ﷺ احد الأفراد بعد نظرة فاحصة ومتابعة دقيقة له ولغيره ليتضح بعد المقارنة أنه خير من يقوم بالعمل ،عَنْ قَيْسٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: جِئْتُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ يَبْنُونَ الْمَسْجِدَ، قَالَ: فَكَأَنَّهُ لَمْ يُعْجِبْهُ عَمَلُهُمْ، قَالَ: فَأَخَذْتُ الْمِسْحَاةَ، فَخَلَطْتُ بِهَا الطِّينَ، فَكَأَنَّهُ أَعْجَبَهُ أَخْذِي الْمِسْحَاة وَعَمَلِي، فَقَالَ: ” دَعُوا الْحَنَفِيَّ وَالطِّينَ، فَإِنَّهُ أَضْبَطُكُمْ لِلطِّينِ[10]
وعن قَيْسُ بْنُ طَلْقٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: جِئْتُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابِهِ وَهُمْ يَبْنُونَ الْمَسْجِدَ، فَلَمَّا رَأَيْتُ عَمَلَهُمْ أَخَذْتُ أُحْذِقُ الْمِسْحَاةَ، فَخَلَطْتُ بِهَا الطِّينَ، فَكَأَنَّهُ أَعْجَبَهُ أَخْذِي الْمِسْحَاةَ وَعَمِلُوا، فَقَالَ: «دَعُوا الْحَنَفِيَّ وَالطِّينَ، فَإِنَّهُ أَضْبَطُكُمْ لِلطِّينِ»[11]
وهكذا يتعلم القائد ان نجاح العمل مرهون بوضع الرجل المناسب في المكان المناسب دون النظر إلى أي اعتبارات أخرى تؤثر في اختياره ومن ثم يجد المجتمع حصيلة ذلك بناءا وعمارة ورقيا.