إسلام أون لاين التقى نائب المدير التنفيذي لمؤسسة المعجم الدكتور محمد العبيدي الذي أكد أن معجم الدوحة مشروع ضخم وفريد من نوعه ولا يشبه المعاجم الأخرى.

و هذا نص الحوار :

-إسلام أون لاين: ما معنى المعجم التاريخي؟ وما هي الفروق بينه وبين المعاجم التي بين أيدينا؟

-الدكتور محمد العبيدي: المعجم التاريخي نوعٌ من المعاجم يرمي إلى تزويد القارئ بتاريخ الألفاظ ومعانيها من خلال تتبُّع تغيُّرها منذ أقدم ظهور مسجّل لها حتى يومنا هذا.

ويُعرّف معجم الدوحة التاريخي للغة العربية بأنه معجمٌ لألفاظ اللغة العربية، يسجِّلُ تاريخ استعمالها بدلالاتها الأولى، ويرصد تحولاتها البنيوية والدلالية عبر التاريخ، مع تحديد مستعمليها، وتعزيزها بالمعلومات الضرورية والشواهد المضبوطة الموثّقة.

وبهذا التحديد، يخرج من دائرة معجم الدوحة التاريخي للُّغة العربية كلُّ المعلومات التي لا تتعلق تعلقًا مباشرًا بتاريخ الألفاظ ودلالاتها. فليس المقصودُ وضعَ موسوعة لغوية توغل في سرد المعلومات الصوتية والصرفية والنحوية والبلاغية التي تحتملها الكلمة، حتى إن رُوعي في سردها الترتيب التاريخي؛ لأن عملاً من هذا القبيل يتجاوز موضوع المعجم التاريخي، ويحيد عن الهدف المتوخَّى منه.

ويتميّز المعجم اللغوي التاريخي من المعجم اللغوي العام من حيث الماهية والوظيفة بعدد من الخصائص المميِّزة، أهمها:

أ-أنه يستمد مادّته اللغوية من مدوّنة نصِّيَّة شاملة ممتدّة من أقدم نصٍّ مكتوب إلى آخر نصٍّ مستعمل في العصر الراهن، فألفاظه ومعانيه وشواهده مأخوذة من هذه المدونة، وقد حرص المعجم في مدوّنته على الشمول والإحاطة والدقة، أما الشمول والإحاطة فباستيعاب كلِّ النصوص المكتوبة المتاحة المنتمية إلى المرحلة المحدّدة، وأما الدقة فبالتحقُّق من صحة نسبة النصوص إلى أصحابها واستبعاد النصوص المشكوك في نسبتها، والتحقُّق من صحة النصوص، قدر المستطاع.

ب-أنه محكومٌ بالتطور التاريخي للألفاظ من حيث مبانيها ومعانيها، فهو يرصد ألفاظ اللغة في حركتها التاريخيّة بمبانيها الجديدة ومعانيها المتغيرة، مع الحرص على تحديد تاريخ استعمال اللفظ ما أمكن ذلك، أو الاكتفاء بتاريخ وفاة المستعمل عند تعذُّر تحديد تاريخ الاستعمال الدقيق.

ج-أنه معنيٌّ بضبط الشواهد، وتوثيقها من مصادرها، والتأكد من صحّتها وسلامتها مما قد يعتريها من تصحيف أو تحريف. والواقع المؤلم أن نصوص تراثنا العربي في أغلبها لم تنلْ حقّها من الضبط والتصحيح والتدقيق؛ ومن ثم يجد المعالج المعجمي نفسه في مواجهة مباشرة مع النصِّ، وهو يسعى إلى استنباط معنى اللفظ كما أراده قائلُه. ولكي يصل إلى هذا الغرض عليه أن يُحقِّق النصّ أولا، ويتأكد من صحة ألفاظه، ودقّة ضبطه، ونسبته لقائله، وتاريخه.

د-أنه معجم سياقي يستمد المعنى من سياق الشاهد، ومن مجمل السياقات التي تحمل المعنى نفسه، وهو معنيٌّ بالوصول إلى مراد المتكلِّم باللفظ.

-إسلام أون لاين: هل سيكون معجم الدوحة التاريخي للغة العربية الذي تنوون إعلان اكتمال مرحلته الأولى في ديسمبر القادم؛ هل سيكون ورقيا أم أنه سيكون معجما إلكترونيا فقط؟

-الدكتور محمد العبيدي: سيُنشر معجم المرحلة الأولي الممتدّة من القرن الخامس قبل الهجرة إلى آخر القرن الثاني للهجرة على بوابة المعجم الإلكترونية التي توفر للقارئ خدمات متطوّرة تلبي كل احتياجاته، وسيتاح له مع المعجم المدوّنة اللغوية غير المسبوقة التي تضمُّ أكثر من اثني عشر مليون كلمة، وكذلك مصادر المعجم المفهرسة المتضمنة كل المعلومات البيبليوغرافية.

أما النسخة الورقية فستكون عند الانتهاء من معجم المرحلة الثانية بعد سنتين إن شاء الله، وستحتوي المعجم التاريخي إلى سنة 500 هـ.

إسلام أون لاين: ما الذي سيضيفه معجم الدوحة التاريخي للغة العربية للثقافة العربية الإسلامية إذا اكتمل إنجازه؟ وبماذا سيفيد البحث العلمي؟ أم أنه مجرد تقليد للغرب في صناعة المعاجم التاريخية؟

– الدكتور محمد العبيدي: المعجم التاريخي للغة العربية مشروع ضخم لا يشبهه أيُّ معجم لغوي آخر، فعند اكتماله سيكون مرجعًا وافيًا كافيًا يضمُّ بين دفتيه كل ما يحتاج إليه المستعمل العربي من ألفاظ ومصطلحات وتراكيب، كلٌّ منها يتضمن ذاكرة شاملة لمسيرته التاريخية، ورحلته في النصوص من قرآن وحديث نبويٍّ وشعر وخطب ورسائل ووصايا وأمثال ونصوص نثريّة مختلفة، ونصوص علميّة في المجالات كافّة. وهذا يعني أنّ كلّ عربيٍّ مهما كان تخصُّصه أو مستواه المعرفيّ سيجد بُغيته في هذا المعجم.

-إسلام أون لاين: منذ بداية القرن والحديث بين المعجميين العرب يدور حول بناء معجم تاريخي للغة العربية، وقد بدأت محاولات لذلك منها ما قام به مجمع اللغة العربية في القاهرة وغيره، هل أسستم معجم الدوحة التاريخي على الموجود من تلك التجارب والمحاولات أم أنكم أهملتم كل ذلك التراكم؟

– الدكتور محمد العبيدي: نحن نقدِّر كل الجهود المباركة التي بُذلت في سبيل إعداد المعجم التاريخي للغة العربية، التي بدأت بجهود المستشرق الألماني فيشر، ثم بجهود مجمع اللغة العربية في القاهرة، وجهود اتحاد المجامع اللغوية، وجهود الجمعية المعجمية التونسية، ولكنّ الواقع أن كلّ تلك الجهود بقيت في إطار المحاولات، ولم تُنجز شيئًا يُذكر حتى اليوم، فلم يكنْ أمامنا سوى المبادرة بخطّة خاصّة مبنيّةٍ على تصوّرٍ علمي محكم، وكان من حسن حظِّنا أن المشروع الذي اقترحناه تبنّاه المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، ممثّلًا بمديره المفكِّر العربي الدكتور عزمي بشارة، وعن طريقه حظي المشروع برعاية كريمة من دولة قطر. على أن المشروع أفاد من الدراسات العلمية والمؤتمرات والندوات المتعلقة بالمعجم التاريخي، واستقطب المهتمين بإنجاز هذا المشروع من المعجميين العرب، كما أنه يرحِّب بالتعاون مع أي جهة علمية مهتمة بإنجاز هذا المشروع، بوصفه مشروعًا عربيّا قوميًّا، يمثِّل إنجازه حُلمًا وغاية لكل عربيٍّ غيورٍ على لغته.

إسلام أون لاين: إذا كان المعجم التاريخي يعني –حسب ما أفهم- التأريخ لتطور دلالات الألفاظ، فهل يعني هذا أن ما تقومون به لا يعدو كونه إعادة ترتيب لما في المعاجم العربية، بما أن كل واحد منها أرَّخ للمرحلة التي أُلِّف فيها، فما هي إضافتكم إذن؟

– الدكتور محمد العبيدي: المعاجم العربية لا تُعنى بالتأريخ للألفاظ والمعاني، وإنما بجمع ألفاظ اللغة وشرحها بأساليب مختلفة، وألفاظها تكاد تكون محصورة في عصور الاحتجاج، فأغلبها تنقل عن العين للخليل بن أحمد الفراهيدي، ولا تأخذ ألفاظ المعجم من أفواه المتكلمين أو من الكتب والنصوص، ومن ثمّ نجد المعاجم العربية، ولاسيّما بعد القرن الرابع الهجري ينقل بعضها من بعض.

أما المعجم التاريخي فيستخرج مادّته من النصوص الممتدّة عبر الزمان والمكان، ويعالجها وفق معايير منهجيّة محكمة، فيأتي كلُّ لفظ مضبوطًا بالشكل ومعزّزًا بالتوسيم الصرفي والتركيبي وبالتعريف والشاهد واسم مستعمله وتاريخ استعماله ومصدر توثيقه، وأصله إن كان أعجميًّا ونظائره السامية، والنقوش التي ورد فيها.

إسلام أون لاين: في ظل تراجع الاهتمام بالدراسات اللغوية داخل الجامعات العربية وضعف مستوى الطلاب والباحثين فيها، على من اعتمدتم في بناء المعجم، وكيف استطعتم تمييز الغث من السمين في دائرة الباحثين في اللغة العربية؟

– الدكتور محمد العبيدي: اعتمدنا على انتقاء نخبةٍ من خيرة الباحثين المعجميين والمختصين بالتراث العربي، وأغلبهم من أساتذة الجامعات المعروفين في أرجاء الوطن العربي، ولخصوصية العمل وصعوباته الكثيرة عقدنا عددًا من الدورات التدريبية وورش العمل لتأهيل الخبراء المعجميين المشاركين في إعداد المعجم.

– إسلام أونلاين: كم مرحلة قسمتم إليها إنجاز معجمكم، وما هي الفترة التي تغطيها المرحلة الأولى التي أنتم بصدد إعلان اكتمالها قريبا؟ وعلى أي أساس قمتم بتحديد تلك المراحل، هل هو تقسيم علمي منهجي أم اعتباطي فقط؟

– الدكتور محمد العبيدي: نظرًا لضخامة التراث العربي وامتداده الزمني الطويل وانتشاره في رقعة جغرافية كبيرة، ولصعوبة إنجاز مدونة شاملة لكل التراث العربي قبل الشروع في إعداد المعجم اقتضت الضرورة المنهجية تقسيم العمل إلى خمس مراحل، وهذا التقسيم إجرائي محض، لأن كل المراحل ستُجمع في معجم واحد هو معجم الدوحة التاريخي للغة العربية.

وستتاح البوابة الإلكترونية لمعجم المرحلة الأولى من المعجم بتاريخ 10 ديسمبر 2018، وهذا يمثِّل الأساس المتين لمعجم الدوحة التاريخي للغة العربية ويشمل ألفاظ اللغة التي استعملت إلى نهاية القرن الثاني للهجرة، ويدخل في ذلك ألفاظ النقوش العربية القديمة، وألفاظ الشعر الجاهلي والقرآن الكريم والحديث النبوي والشعر الأموي والعباسي والنصوص النثرية التي قيلت في إطار هذه المرحلة.

إسلام أون لاين: هل سيكون معجمكم في متناول عموم قراء العربية من ناحية يسر التعامل معه وبساطة تعريفاته للألفاظ، أم أنه سيكون معجما نخبويا فقط؟

-الدكتور محمد العبيدي: معجم الدوحة التاريخي للغة العربية يلبي حاجات جميع المستعملين من المثقفِّين والباحثين المتخصِّصين في جميع المجالات والطلبة وعامّة الناس، وقد حرصنا على تيسير استعماله، وتقريب تعريفاته من لغة العصر، مع مراعاة إيراد معنى اللفظ كما أراده صاحبه عند استعماله.


*حاوره الشيخ أحمد البان