يمثل مفهوم الفضيلة أحد أبرز المفاهيم المحورية التي استقطبت اهتمام المفكرين والفلاسفة على مر العصور، وهو مفهوم عميق الجذور في نسيج الثقافة الإسلامية. وللغوص في أعماق هذا المفهوم، ننطلق من استعراض جذوره اللغوية الأصيلة، لنكشف عن معانيه المتشعبة التي تستمد قوّتها من مادة “فضل”، وما تحمله من دلالات على الزيادة والارتقاء. ومن هذا المنطلق، تبرز أهمية فهم كيفية تعريف الفضيلة لغويا، ومن ثم اصطلاحيا، خاصة في سياق الأدبيات الإسلامية.
الفضيلة في اللغة
مفهوم الفضيلة في اللغة، فهي مأخوذة من مادة فضل، قال في تاج العروس: وفي المفردات للراغب: الفضل: الزيادة على الاقتصاد، وذلك ضربان؛ محمود: كفضل العلم والحلم، ومذموم: كفضل الغضب على ما يجب أن يكون عليه، والفضل في المحمود أكثر استعمالًا، والفضول في المذموم أقلُّ، والفضل إذا استُعمل بزيادة أحد الشيئين على الآخر، فعلى ثلاثة أضراب:
- فضل من حيث الجنس.
- وفضل من حيث النوع؛ كفضل الإنسان على غيره من الحيوان.
- وفضل من حيث الذات؛ كفضل رجل على آخر.
فالأولان جوهريان لا سبيل للناقص منهما أن يُزيل نقصه، وأن يستفيد الفضل؛ كالفرس والحمار لا يمكنهما اكتساب فضيلة الإنسان، والثالث قد يكون عرضيًّا، فيوجد السبيل إلى اكتسابه، ومن هذا النحو التفضيل المذكور في قوله تعالى: ﴿ وَاللَّهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ ﴾ [النحل: 71]؛ أي: في المكنة والمال والجاه والقوة، وكل عطية لا يلزم إعطاؤها لمن تُعطى له يقال لها فضل؛ نحو: ﴿ وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ ﴾ [النساء: 32]، وقوله تعالى: ﴿ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ ﴾ [المائدة: 54]، متناول للأنواع الثلاثة من الفضائل؛ انتهى.
والفضيلة: خلاف النقيصة، وهي الدرجة الرفيعة في الفضل، والاسم من ذلك الفاضلة، والجمع الفواضل، وفضَّله على غيره تفضيلًا: مزَّاه؛ أي: أثبت له مزية؛ أي: خصلة تُميزه عن غيره، أو فضَّله؛ أي: حكم له بالتفضيل أو صيَّره.
والتفاضل بين القوم: أن يكون بعضهم أفضلَ من بعض، وفاضلني ففضَلته أفضُله فضلًا: غالبني في الفضل، فغلبتُه به، وكنت أفضلَ منه، وتفضل عليه: تمزَّى، ومنه قوله تعالى: ﴿ يُرِيدُ أَنْ يَتَفَضَّلَ عَلَيْكُمْ ﴾ [المؤمنون: 24]؛ أي: يكون له الفضل عليكم في القدر والمنزلة، أو تفضل عليه: إذا تطول وأحسن، وأناله من فضله؛ قال الشاعر:
متى زدت تقصيرًا تزدني تفضلًا
كأني بالتقصير أستوجب الفضلا
تعريف الفضيلة اصطلاحا
الفضيلة اصطلاحًا: قال الشيرازي في كتابه الفضيلة: الفضيلة هي الحد الوسط بين الزيادة والنقصان، وهذان هما الرذيلة، وربما يكون قول نبي الأخلاق ﷺ: خير الأمور أوسطها إشارة إلى هذا.
وقال بعض الحكماء في تعريف الفضيلة: فالفضيلة هي خُلق وُضِعَ متوسطًا بين الإفراط والتفريط؛ أي: التوسط بين الإفراط في الزيادة، والتفريط الذي هو النقص؛ أي: أن يسلك فيها الإنسان بميزان الاعتدال، لا يبالغ حتى يصل إلى التطرف، ولا يتهاون فيصل إلى الإهمال… فالمبالغة مرفوضة سواء كانت سلبا أو إيجابًا… وللفلاسفة وأرباب السلوك مدارس في تفسير الفضيلة وتعريفها يُرجع إليها في مظانها.
وقال بعضهم: الفضائل جمع فضيلة، والفضيلة هي كل أمر حسن، استحسنه العقل السليم على نظر الشارع المقدَّس من الدين والخلق، وفضيلة الشيء: مزيته أو وظيفته التي فُقدت منه.
فالفضائل إذًا هي كل درجة أو مقام في الدين أو الخلق أو السلوك العلمي أو العملي اتَّصف به صاحبُها.
وجاء في معنى الدعاء الذي يقال بعد الأذان: (اللهم آت محمدًا الوسيلة والفضيلة والدرجة الرفيعة) – أن المراد بهذه الدعوة: أعط نبينا محمدًا ﷺ الفضلَ في كل شيء، والعلو في الدرجات، فهو علو في الدنيا، وعلو في موقف القيامة، وعلو في الآخرة، علو في الحياة وفي الممات، فأعطى الله تعالى محمدًا ﷺ الفضل والعلو في الدارين.