الفرق بين الشريعة والتشريع
على أن هناك خلطا بين مفهومي الشريعة والتشريع، فغالب كلام الفقهاء في ما يسمونه (مقاصد الشريعة)، ينصب في مقاصد التشريع وليس مقاصد الشريعة. فالشريعة: هي ما شرع الله تعالى لعباده من الدين من العقائد والشرائع، كما قال الله تعالى:{ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا}[2].فهي في الغالب تطلق على الشرع، كما قال تعالى: {ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ} [الجاثية: 18] فالشريعة هنا كل ما شرعه الله تعالى لعباده. أما التشريع فيقصد به خطاب الله تعالى الذي يتعلق بأفعال الناس طلب ترك أو طلب نهي أو تخيير أو وضعا، وهو بهذا يقصد به الفقه. ويطلق البعض الشريعة على التشريع، كما جاء في تفسير المنار (6/ 342-343): ” وروى ابن جرير من عدة طرق عن ابن عباس أنه قال في تفسير ” شرعة ومنهاجا ” سنة وسبيلا، وظاهر من قول قتادة أن الشريعة أخص من الدين، إن لم تكن مباينة له، وأنها الأحكام العملية التي تختلف باختلاف الرسل، وينسخ لاحقها سابقها، وأن الدين هو الأصول الثابتة التي لا تختلف باختلاف الأنبياء. وهذا يوافق أو يقارب عرف الأمم حتى اليوم، لا يطلقون اسم الشريعة إلا على الأحكام العملية، بل يخصونها بما يتعلق بالقضاء، وما يتخاصم فيه إلى الحكام، دون ما يدان الله تعالى به من أحكام الحلال والحرام). على أن الشريعة وهي السبيل والطريق والمنهج القويم أشمل من الأحكام العملية، ومن هذا، فإن حصر علم المقاصد بمقاصد التشريع والأحكام الفقهية من المعاملات والعبادات والأحكام الشخصية وفقه السياسة الشرعية، وفقه الحدود والجنايات وغيرها، وإن سمي مقاصد الشريعة؛ فإنه تضييق لمفهوم الشريعة، فالناس بحاجة إلى معرفة (مقاصد العقيدة)، و (مقاصد الأخلاق)، و (مقاصد التربية)، و ( مقاصد السلوك والتزكية)، وغيرها مما يمكن أن يندرج باتساع في مفهوم الشريعة، بل يتعداه إلى ما هو أبعد من هذا، من ( مقاصد الحضارة والعمران)، وغير ذلك مما يوسع مفهوم المقاصد؛ لتشمل جميع نواحي الحياة والعلوم على حد سواء، وبهذا يتسع أفق المقاصد لتكون ضابطة للإنسان والعلم والحياة معا، وهي النظرية العبقرية التي تميز بها الإسلام عن غيره من الأديان والشرائع.([1]) راجع: القواعد الكبرى، العز ابن عبد السلام، ج 2، ص 31 دمشق: دار القلم، 2000 م، [2]– [الجاثية: 18]. راجع: شمس العلوم ودواء كلام العرب من الكلوم (6/ 3431) تنزيل PDF