صدر حديثا كتاب “ملامح قطر في الحضارة الإسلامية“، وهو عبارة عن دليل تعريفي يرصد أدوار دولة قطر، وجهودها في خدمة الثقافة الإسلامية، وذلك في سياق يستحضر: المرجعية الحضارية، والدستورية، والقانونية، والاستراتيجيات والمواثيق التي تؤصِّل هذه الأدوار، كما يقدِّم جردا للمُقوِّمات المُؤسساتية والمُجتمعية التي تسهر على ترجمتها على أرض الواقع.

الكتاب هو إصدار جديد للمؤلف محمد سلعان المري، رئيس اللجنة الفنية والثقافية بفعاليات الدوحة عاصمة الثقافة في العالم الإسلامي 2021، وقد عُرض الكتاب في معرض الدوحة الدولي للكتاب الذي اختتمت فعالياته 22 يناير الجاري.

نموذج فريد منذ لحظة التأسيس

ويوضح المؤلف في كتابه “ملامح قطر في الحضارة الإسلامية” أن القارئ أو الباحث يستطيع ومن خلال رصد تلك الأدوار، والجهود، والمهام المنوطة بالمُؤسسات المعنية بها، تكوين معرفة متسقة، وشاملة حول نموذج فريد وأصيل في الإصلاح والتحديث، اعتمدته دولة قطر، منذ أن وضع الأسلاف جذوره الحضارية عند لحظة التأسيس الأولى، والتي جعل فيها الشّيخ جاسم بن محمد بن ثاني دولة قطر منارة لطلاب العلم والمعرفة الإسلامية والإنسانية، ونموذجا للسياسة الحكيمة في الحفاظ على العلاقات الأخوية مع مختلف الأطراف.

قطر ملتقى لثقافاتٍ عبر التاريخ

وأشار المؤلف محمد سلعان المري إلى أنه لما كانت دولة قطر ملتقى لثقافاتٍ عديدة عبْر حقب التاريخ، ودولة عربية عريقة من دول الأمة العربية والإسلامية، فقد امتدت تلك الجذور، وانفتحت على الزمن الحضاري الحديث بكل ما تقتضيه شروط النهضة الشاملة التي أطلقها صاحب السمو الأمير الوالد الشّيخ حمد بن خليفة آل ثاني، ويواصل تحقيقها حضرة صاحب السمو الشّيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير البلاد المفدى، من خلال إعطاء دولة قطر، يوماً بعد آخر، دوراً، ومكانةً أقوى، وأكبر على كافة الصعد والمجالات.

ويضيف محمد سلعان المري أن دولة قطر قد أدركت أن التقدُّم الاقتصادي والاجتماعي للمُجتمعات الحديثة أصبح يعتمد على عملية طويلة الأمد ذات أهدافٍ مرسومة مسبقاً، تقوم من حيث المُنطلقات التنموية على الثقة بالهويّة الوطنيّة والتمسك بالقيم الأخلاقيّة المُتأصلة في الدين الإسلامي الحنيف، وتنسجم من حيث الإنجاز مع العقلانيّة في التخطيط الاجتماعي والاقتصادي، والانفتاح على العالم، والنظرة الكونيّة الإنسانيّة في قضايا العدالة وحقوق الإنسان.

رؤية 2030 ..جسر بين الحاضر والمستقبل

ومن منطلق هذا الإدراك، كان ميلاد رؤية قطر الوطنية 2030 باعتبارها خطةً شاملةً بعيدة الأفق، وجسراً يصل الحاضر بالمُستقبل، وضمانةً لرفاهية الأجيال القادمة. وباعتبارها كذلك، فقد تطلبت أقوم سُبل التحديث مع الحفاظ على التقاليد، والاستغلال الأمثل للموارد الطبيعية في تشييد بُنى تحتية قوية وفريدة في كافة المجالات، وهي المُعادلة التي أدت إلى تحوُّلات اقتصادية واجتماعية وثقافية وإعلامية ورياضية كبيرة في البلاد تبوّأت فيها دولة قطر مراكز الصدارة.

ويوضح المؤلف في كتابه “ملامح قطر في الحضارة الإسلامية” أنه إذا كانت السياسة الرشيدة قد وضعت مصلحة قطر، والشعب القطري على رأس سُلُّم الأولويات، فإن هذه المصلحة مثلما شملت مواصلة بناء الإنسان القطري، وتكوينه، ليكون قادراً على المُشاركة الفعَّالة في الحياة الثقافية، والاقتصادية، والاجتماعية، والسياسية للبلاد، فإنها كذلك استوعبت حلقاتٍ أوسع، باعتبار دولة قطر جزءاً من منطقة الخليج العربي، ومن العالَمِ العربيّ، والعالَمِ الإسلاميّ، وجزءاً من الإنسانيةِ والمُجتمعِ الدوليّ. وهي حلقات متجذِّرة تعكس قيمة اللقاء التاريخي بالآخر، والمُستمر في الزمن الحضاري على أرض، كانت وستبقى أرضاً للحوار، وملتقى للثقافات، والانفتاح على الحضارات، وملمحاً جوهرياً من ملامح التشكُّل والانتماء الحضاريَيْن لشعب قطر.

القيادة الرشيدة واستراتيجية البناء

ويضيف المؤلف أن القيادة الرشيدة في دولة قطر، آمنت بأنّ بناء المدن من أعظم إنجازات الإنسانية، التي تبقى علامة على التحضُّر، والرقي، ومؤشرا على مراحل التطوُّر والنمو. ومن منطلق هذا الإيمان تبوّأت النهضة العمرانية الحديثة مكانةً رئيسية إلى جانب كافة متطلبات النهضة الشاملة لدولة قطر، آخذة في الاعتبار، أن بناء مدينة عظيمة لابد وأن يجمع بين التاريخ، والمبادئ الحديثة للتخطيط الحضري، وهذا ما يتضح جلياً في التخطيط المعماري، الذي أخذ بالنظريات، والأساليب الهندسية الحديثة، وحافظ في الوقت نفسه، على التقاليد المعمارية العربيّة والإسلاميّة العريقة.

صورة مشرفة عن الإسلام

ولفت المؤلف انه وفي هذا المضي نحو الانتماء إلى الزمن الحضاري، ونحو النمو المُتزايد الذي بلغ مرحلة الوعي بالذات وبالآخر، ازدادت الحاجة إلى التعايش السلمي، القائم على إدراك قوة الإنسانية المُتمثلة في قيم الحوار، والإنصات العميق لثقافة الآخر. وبحكم التزاماتها تجاه القضايا الإنسانية، تتشبث دولة قطر بمبادئها، التي تجعل منها قوة خير، تلعب دوراً نشطاً في تحقيق السلام، إلى جانب جهودها البارزة في التضامن الإنساني والتعاون الدولي، من خلال الاستجابة للاحتياجات الإنسانية المُتزايدة، ومساعدة الدول الأقلّ نمواً في مشاريع الصحة، والتعليم، والثقافة. وبذلك تقدِّم دولة قطر للعالَم صورةً مشرِّفةً عن الإسلام، ومثالاً على سلوك المسلم تجاه الإنسانية، في العمل الإنساني أينما كان. وتابع لقد تشكَّلت صورة قطر الحديثة من خلال معادلة متوازنة ربطت الماضي بالحاضر، وبذلك تتطلع إلى المُستقبل وفي حوزتها شروط الانتماء إلى الزمن الحضاري، والمعرفي، من عمران، وتنمية، وفضاءات ثقافية، مثلما تصون الهوية القطرية وتقاليدها الأصيلة، فإنها كذلك تحتفي بالتنوُّع الثقافي، وتضعه ضمن رهانات تدبير الثراء الإنساني، واستثماره في عمليات التنمية المنشودة، في مناخ يسوده السِّلْم، والاحترام المُتبادل بين الثقافات.

رأسمال ثقافي

ومن هذه المُنطلقات شكّل التحديث مع المُحافظة على التقاليد واحدةً من التحدّيات الخمسة في الرؤية الوطنية – قطر 2030، التي تمَّ إطلاقها بموجب القرار الأميري رقم (44) لسنة 2008. ويترجم هذا التحدّي حرص دولة قطر، على ترسيخ دعامات نظام الحكم الديموقراطي واحترام حقوق الإنسان. وقد أعد هذا الكتاب بمناسبة استضافة فعاليات الدوحة عاصمة الثقافة في العالم الإسلامي لعام 2021 عن المنطقة العربية، حيث ان هذه الاستضافة تأتي ضمن برنامج الاحتفاء بعواصم الثقافة الإسلامية التي اطلقته منظمة العالم الإسلامي للتربية والعلوم والثقافة (الإيسيسكو) بالتعاون مع الدول الأعضاء عام 2005، وهو يستند إلى أهمية الرأسمال الثقافي، في تحويل العواصم الإسلامية إلى وجهة ثقافية تكسبها جاذبية تمكّنها من إحراز وضع دولي متقدِّم في تصنيف المدن.