“وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ”

تتجه أفهام الكثير منا بشكل تلقائي عندما نقرأ هذه الآية إلى الشفاء الروحي أو الشفاء الجسدي وهذا صحيح لكن هل اتجه فهمنا للشفاء نحو الشفاء الفكري؟ نحو شفاء العقول من الحيرة والتيه والتي قد تجلب للانسان آلاما أكثر من آلام البدن والنفس؟!

منذ بدء الخليقة والطبيعة البشرية طبيعة تساؤلية، اذ يثور العقل البشري كبركان يرمي بتساؤلات في جميع الاتجاهات وحول كل شيء يصادفه أو كل شيء يتأمله، كما أن تساؤلاته هذه ذات طبيعة تسلسلية، أي أنه يبحث ويتساءل عن موضوع أو أمر ثم يسأل عما قبله وبعده وكل شيء يرتبط فيه في سلسلة متواصلة ومترابطة من التساؤلات.

وكانت أصعب الأسئلة هي التي تتعلق بوجوده : كيف وجد الإنسان ومن الذي أوجده أو خلقه وما هي مادة هذا الإنسان وماهي مادة هذا الخالق الذي خلقه .. إلى آخر تلك الأسئلة الوجودية التي يسهل سؤالها ويصعب كل الصعوبة جوابها.

هذا التساؤل في الوجود وما قبل الوجود كلف العقل البشري مئات بل آلاف السنين للبحث في إجاباتها تاه فيها أيما تيه وضل خلالها أيما ضلال، يأتي جيل من البشر والفلاسفة بتصور عنها ثم يأتي جيل اخر بتصور آخر والذي بعده بشيء آخر وهكذا ظل العقل البشري يدور في حلقة مفرغة

الكتب السماوية والقران كفت الإنسان عناء البحث والتفكير والتساؤل عن الوجود وماوراء الوجود وخالق الوجود، فجاء القرآن بإجابات شافية عن الإنسان ونشأته ومادته الأصلية ومن الذي أنشأه ومن الذي يدير هذا الوجود وأين هو .. ليستريح عقله ويكف بحثه وجهده في هذا المجال الزلق، وبدلا من ذلك وجهه ليتأمل في نفسه كموجود “وفي أنفسكم أفلا تبصرون” وفي الموجودات الأخرى من حوله “أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت وإلى السماء كيف رفعت وإلى الجبال كيف نصبت وإلى الأرض كيف سطحت” والآيات كثيرة في هذا المجال لايتسع المقال لسردها كلها.

بهذا يتحقق له أمران:

١- أن يصل إلى خالق الوجود ويتعرف عليه وعلى وجوده ويؤمن به بشعوره وقلبه من خلال الموجود وتأمل الموجود

٢- أن يعرف ويتعرف على دائرة وجوده التي يعيش فيها ويتعامل ويتفاعل مع الموجودات فيها ليشق فيها طريقه ويسلك في مناكبها فيعمر أرضه ويصلح أمره

وهكذا ترى أن القرآن وجه عقل الإنسان وتفكيره واجتهاده وتفاعله نحو الأهم عمليا له نحو دائرة وجوده وعلاقته بباقي الموجودات من حوله ووتفاعله وتعامله معها فهذا ما يحقق المطلوب منه في استخلاف الأرض وعمارتها وصلاح أمره فيها.