من المقاصد الأساسية التي رعتها الشريعة، وتضافرت عليها أدلة الكتاب والسنة، وهي من رخص الحج والعمرة: رفع الحرج، وعدم إلحاق الضرر والمشقة بالمكلف، ومن ذلك قوله جل وعلا: {يريد الله بكم اليسر} وقوله تعالى: {يريد الله أن يخفف عنكم} وقوله تعالى: {وما جعل عليكم في الدين من حرج}، وقوله- ﷺ-: (إن الله تعالى يحب أن تؤتى رخصه كما يحب أن تؤتى عزائمه).
وقد قرر أهل العلم استناداً إلى هذه النصوص عدداً من القواعد الفقهية، التي تفيد رفع الحرج وإزالة الضرر والمشقة عن المكلف؛ من ذلك قولهم: “المشقة تجلب التيسير”، وقولهم: “الضرر مدفوع شرعاً”، وقولهم: “الأمر إذا ضاق اتسع”، ونحو ذلك مما أصله الفقهاء في قواعدهم الفقهية. ولا خلاف في مشروعية الأخذ بالرخص الشرعية إذا وجدت أسبابها، وتحققت دواعيها، واقتصرت على مواضعها، ولا بأس أيضاً بالأخذ ببعض الرخص الفقهية وهي التي جاءت مبيحة لأمر في مقابلة اجتهادات أخرى تحظره على أن تكون معتبرة شرعًا ولم توصف بأنها من شواذ الأقوال، وأن تقوم الحاجة إلى الأخذ بالرخصة، دفعًا للمشقة أو للمصلحة المعتبرة خاصة في فريضة عملية وشاقة مثل فريضة الحج. وهذه المادة جمعت معظم هذه الرخص إضافة لبعض المباحات في الحج والعمرة .
أولاً: رخص الإحرام والنية
- جواز النية بأحد أنواع الحج الثلاثة: التمتع، أو الإفراد، أو القران، وهذا شبه إجماع عند أهل العلم.
- إذا فعل المحرم شيئاً من محظورات الإحرام ناسياً أو جاهلاً فلا شيء عليه، ولكن يجب عليه بمجرد ما يزول العذر أن يتخلى عن ذلك المحظور.
- إن خشي الحاج عدم القدرة على المضي في النسك، بسبب مرض أو عمل أو إجراءات رسمية فليقل عند الإحرام: “إن حبسني حابس فمحلي حيث حبستني”، وفائدة هذا الاشتراط: أنه لو حبس عن النسك جاز له شرعاً أن يقطع إحرامه ويرجع ولا يلزمه شيء.
- الأصل في الإحرام أن يكون عند المواقيت المكانية المحددة، لكن يمكن لقاصد الحج أن يحرم قبل الميقات إن خشي فواته لجهل به أو نوم، أو نحو ذلك.
- إن فات الحاج أو المعتمر الإحرام من الميقات يمكن له أن يعود إليه مرة أخرى ليحرم منه ولا شيء عليه.
ثانياً: رخص ملابس الإحرام
- يجوز لبس المخيط إن كانت ثمة ضرورة تستدعي ذلك مع وجوب الفدية على الصحيح.
- لو انشق الإزار أو الرداء فخاطهما الحاج، ثم لَبِسَهُما؛ فلا شيء عليه بالاتفاق. وقد وقع اللبس عند كثير من الناس الذين يرون أن كل مخيط لا يلبس، وأن العلة في الخياطة فقط. وهذا خطأ.
ثالثا: رخص يوم التروية
يمكن لمن فاته يوم التروية أن يذهب يوم عرفة فيقوم بالطواف والسعي يوم عرفة صباحاً، ثم يذهب إلى عرفات بعد ذلك ويواصل بعد ذلك عمل بقية المناسك دون شيء عليه في يوم التروية الذي فاته وقام بأعماله يوم عرفة.
رابعاً: رخص الوقوف بعرفة
- الأصل في الوقوف بعرفة أن يكون نهارًا مع جزء من الليل أي بعد الغروب، لكن لو مرَّ الحاج بعرفة مرورًا، أو كان فيها نائمًا، أو مغمًى عليه، أو جاهلاً بأنها عرفة، صح وقوفه. ومعنى ذلك أن هذا الركن يحصل أداؤه بلحظة.
- لو مشى الحاج من عرفات قبل الغروب صح عند الأئمة، فحجه تام ولا شيء عليه وهذا الصحيح في مذهب الشافعية، وقال به الإمام ابن حزم رحمه الله، وقال أبو حنيفة وأحمد حجه صحيح ويجب عليه الدم؛ لأن الوقوف بعرفات إلى غروب الشمس واجب.
- ليلة عرفة هي التي تكون بعدها، وهي ليلة مزدلفة، فالوقوف بعرفة يبدأ من يومها إلى طلوع الفجر ليلة المزدلفة، فمن وقف أي ساعة شاء ما بين هذين الوقتين بعرفة فقد أدرك الحج، يقول النبي ﷺ: “من أدرك عرفات بليل فقد أدرك الحج.
خامساً: رخص المبيت بمزدلفة
المبيت بمزدلفة واجب لكن يرى بعض العلماء أن المبيت بمزدلفة مجرد منزل دون مبيت، وليس على الحاج البقاء بمزدلفة إلا بمقدار ما يصلي المغرب والعشاء جمعًا، أو يتناول طعامه، وخصوصًا إذا كان من أهل الأعذار أو كان معه نساء أو أولاد صغار، وهو رأي المالكية، وهو مذهب ميسر نظرًا لكثرة الحجاج والأعداد الهائلة التي تفد سنويًّا لأداء فريضة الحج.
سادساً: رخص المبيت بمنى
المبيت في منى ليلة التروية سنة من تركها فلا شيء عليه، أما المبيت بمنى أيام التشريق، فواجب عند جمهور أهل العلم، يلزم بتركه دم على مَن قدر على ذلك، ووجد مكانًا يليق بمثله، لكن دلت الأدلة على سقوط المبيت عن من لم يجد مكانًا يليق به، وليس عليه شيء، وله أن يبيت حيث شاء في مكة أو المزدلفة أو العزيزية أو غيرها، ولا يلزمه المبيت، حيث انتهت الخيام بمنى ولا يلزم من أحد أن يبيت في الطرقات والممرات بين الخيام وأمام دورات المياه والأرصفة وشعف الجبال؛ لأن ذلك ليس مكانًا صالحًا لمبيت الآدميين كما أنه لا يتناسب مع روح هذه العبادة العظيمة، فهؤلاء لهم ترك المبيت، ولا شيء عليهم.
سابعاً: رخص رمي الجمرات
- إذا رمى الحصى من بعيد، ولم تقع الحصاة عند مكان الرمي، ووقعت قريبًا منها أجزأه ذلك، وإن وقعت بعيدًا منها لم يجزه وهذا كلام نفيس؛ خصوصًا في هذه الأيام التي يسقط فيها العشرات تحت الأقدام صرعى!.
- للحاج أن يرمي ليلاً، وهو مذهب عبد الله بن عمر، ومذهب الحنفية، ورواية عند المالكية، وأحد القولين عند الشافعية، وبه أفتى المجلس التأسيسي لرابطة العالم الإسلامي حينما اشتد الزحام على الجمرات.
- الأصل في وقت الرمي أيام التشريق أن يكون بعد الزوال إلى الغروب لكن للحاج أن يرمي قبل الزوال في سائر الأيام، وهو منقول عن ابن عباس، وقول طاوس، وعطاء في إحدى الروايتين عنه، ومحمد الباقر، وهو رواية غير مشهورة عن أبي حنيفة، وإليه ذهب ابن عقيل، وابن الجوزي من الحنابلة، والرافعي من الشافعية، ومن المعاصرين: الشيخ عبدالله آل محمود، والشيخ مصطفى الزرقاء، والشيخ القرضاوي والشيخ صالح البليهي وطائفة من أهل العلم، وقواه الشيخ عبدالرحمن السعدي رحمهم الله.
- للحاج أن يؤخر رمي الجمرات عدا يوم العيد إلى آخر يوم من أيام التشريق وذلك لأصحاب الأعذار ممن صعب عليهم الرمي يوميًّا، ويكون الرمي في هذه الحالة أداء لا قضاء، وأيام التشريق كلها كاليوم الواحد. وهذا قول الشافعية والحنابلة، وأبي يوسف ومحمد بن الحسن من الحنفية وهو المعتمد عندهم، لكن لا يجوز له أن يؤخره إلى ما بعد يوم الثالث عشر (آخر أيام التشريق).
- الأصل لمن أراد التعجل أن ينفر من منى ثاني أيام التشريق قبل غروب الشمس، لكن إذا غربت عليه وتأخر بسبب الزحام والمواصلات ونحو ذلك فلا يلزمه شيء.
- يجوز للرجل أن ينوب عن أكثر من فرد في رمي الجمرات لكن عليه أن يرمي عن نفسه أولا ثم عن غيره بعد ذلك.
ثامناً: رخص الحلق والتقصير
- حلق الرأس أثناء الإحرام محظور بالكتاب والسنة والإجماع، لكن إذا احتاج أحد إلى الحلق لظروف ما حلق وفدى فقد سأل النبي ﷺ كعب بن عجرة «أيؤذيك هوام رأسك؟». قال: نعم. قال: «فاحلق، وصم ثلاثة أيام، أو أطعم ستة مساكين، أو انسك نسيكةً».
- جواز كل من الحلق أو التقصير لأن كليهما نسك جائز في الحج والعمرة، ولأن النبي ﷺ دعا للمحلقين والمقصرين معاً.
- الجمهور على أن الحلق في الحج والعمرة نسك، يجبر بدم إن تركه الإنسان، لكن ذهب بعض الفقهاء كأبي ثور، ورواية عن الإمام أحمد،ورواية للشافعية، وأبي يوسف صاحب أبي حنيفة أنه إحلال من محظور وليس بنسك. ويسع الحاج أن يأخذ بهذا القول ولا شيء عليه عند نسيان الحلق أو التقصير دون فصد.
تاسعاً: رخص طواف الإفاضة
- طواف الإفاضة لا يكون إلا بعد الوقوف بعرفة، وهو يبدأ بعد نصف الليل (ليلة المزدلفة). وقال بعض العلماء يبدأ من بعد الفجر لكن الأمر فيه سعة لعدم توفر نص في هذه الجزئية.
- يجوز للحاج طواف الإفاضة قبل رمي الجمرة الكبرى،، وإن كان الطواف بعد الرمي أيسر.
- الأصل في طواف الإفاضة أن يكون في يوم النحر وأيام التشريق، لكن لو فعله في أي يوم من أيام ذي الحجة أو حتى بعدها فلا شيء عليه.
- يمكن تأخير طواف الإفاضة ليكون هو وطواف الوداع شيئًا واحدًا؛ ليخفف المشقة عن نفسه، والزحام على إخوانه.
- نص النووي وجماعة من العلماء أنه لو نسي الإفاضة، وطاف للوداع من غير نية الإفاضة، أو بجهل بوجوب الطواف؛ أجزأه طوافه عنهما معًا.
عاشراً: رخص الطهارة في الطواف
الطهارة واجبة عند الجمهور من الحدث الأصغر والأكبر، وأجاز أبو حنيفة الطواف على غير طهارة، وهو رواية عن الإمام أحمد، واختار ابن تيمية، وابن القيم عدم شرطية الطهارة، وهذا يخفف على الناس في الزحام، وصعوبة الوصول إلى أماكن الوضوء، وإن كنا نقول: ينبغي له أن يتطهر؛ لكن لو لم يتطهر وطاف، أو أحدث خلال الطواف ولم يجدد وضوءه، فلا شيء عليه. وخالف أبو حنيفة رحمه الله الجمهور في هذه المسألة فقال: لا تشترط للطواف طهارة… فلو طاف جنباً، أو محدثاً، أو عليه نجاسة… صح طوافه.
الحادي عشر: رخص السعي بين الصفا والمروة
- لا يشترط الطهارة في السعي بين الصفا والمروة إذا كان بعد طواف صحيح.
- الموالاة أي أداء الأشواط بشكل متتال ليس شرطا في السعي بين الصفا والمروة ويجوز للمسلم أن يستريح إذا شعر بالتعب، أو يتوقف ويعود ليكمل باقي أشواط السعي ولكن الموالاة أفضل.
الثاني عشر: رخص الحائض والنفساء
- إذا أصاب المرأة الحيض أو النفاس وهي في طريقها للحج فتفعل عند الإحرام ما يفعله الرجل من حيث الاغتسال والتنظيف ومتى ما نوت المرأة الدخول في نسك الحج أو العمرة فقد أحرمت، ولا يشترط أن تكون طاهرة، بل يصح إحرام الحائض والنفساء.
- يباح للمرأة أن تلبس من المخيط ما شاءت من الثياب من غير تبرج ولا زينة، إلا أنها لا تلبس النقاب والبرقع ولا القفازين، وإذا احتاجت إلى أن تضع الخمار على وجهها مؤقتا فلا حرج.
- لو اضطرت الحائض أو النفساء لمغادرة مكة، ولم تكن قد طافت طواف الإفاضة، ولا يمكنها أن تبقى في مكة حتى تطوف، ولا أن تعود من بلدها لتطوف، ففي هذه الحالة تغتسل وتتحفظ، وتطوف للإفاضة وتسعى وهي حائض، ويصح ذلك منها ذلك ولا شيء عليها، وذلك على مذهب ابن تيمية وتلميذه ابن القيم، وقد أفتى بهذا الشيخ ابن باز رحمه الله.
- يمكن للمرأة عدم الذهاب لرمي الجمرات، ويمكنها أن توكل هذه المهمة لرجل يقوم بها نيابة عتها تفاديا للمزاحمة والمخاطرة.
- يرخص للحائض والنفساء ترك طواف الوداع وليس عليهما شيء، لقول ابن عباس رضي الله عنهما: “أمر الناس أن يكون آخر عهدهم بالبيت إلا أنه خفف عن الحائض “.