جاء في الحديث الشريف قصة ابن صياد أنه شخصية شبهت بالمسيح الدجال وذلك في زمن النبي ﷺ بالمدينة المنورة، فمن هو ابن صياد؟ وهل ابن صياد هو المسيح الدجال؟ وماذا قال الرسول ﷺ لابن صياد؟
لا شك أن المسيح الدجال الدجال بلاء وابتلاء الذي سيعم الورى وأعظم الفتن ستقع على وجه الأرض، ذلك لما سوف يُجرى على يديه من خوارق العادات التي يدعي بها الألوهية، كأمره للسماء أن تمطر فتمطر، والأرض أن تنبت فتنبت، وقطع مسافات شايعة من الأرض بسرعة شديدة كالغيث استدبرته الريح، ويكون معه كنوز الأرض من الأنهار والماء وجبال الخبز، وجنة ونار، ولكن جنته ناراً، وناره جنة.
من هو ابن صياد ؟
ابن صياد هذا اسمه عبد الله بن صياد كان من اليهود، وفيه أوصاف كثيرة من أوصاف المسيح الدجال، هذا حمل بعض الصحابة ظنه هو الدجال.
جاء في كتاب أسد الغابة: عبد الله بن صياد، أورده ابن شاهين وقال: هو ابن صائد كان أبوه من اليهود لا يدرى ممن هو، وهو الذي يقول بعض الناس: إنه الدجال. ولد على عهد رسول الله ﷺ أعور مختونا، من ولده: عمارة بن عبد الله بن صياد من خيار المسلمين من أصحاب سعيد بن المسيب. روى عنه مالك وغيره .
قال النووي: “قال العلماء: وقصته مشكلة وأمره مشتبه في أنه هل هو المسيح الدجال المشهور أم غيره ولاشك في أنه دجال من الدجاجلة قال العلماء وظاهر الأحاديث أن النبي ﷺ لم يوح إليه بأنه المسيح الدجال ولاغيره وإنما أوحي إليه بصفات الدجال وكان في ابن صياد قرائن محتملة فلذلك كان النبي ﷺ لايقطع بأنه الدجال ولاغيره.
ولهذا قال لعمر رضي الله عنه إن يكن هو فلن تستطيع قتله وأما احتجاجه هو بأنه مسلم والدجال كافر وبأنه لايولد للدجال وقد ولدله هو وأن لايدخل مكة والمدينة وان بن صياد دخل المدينة وهو متوجه إلى مكة فلا دلالة له فيه لأن النبي ﷺ إنما أخبر عن صفاته وقت فتنته وخروجه في الأرض ومن اشتباه قصته وكونه أحد)”[1].
هل ابن صياد هو المسيح الدجال؟
كان ابن صياد شخصية غامضة وغرابة، وعجيب الأطوار والمسالك؛ من حين الطفولة والنشوء حتى الكبر، ومن أكثر الشخصيات جدلية في ساحة النقاش العلمي، وقد طال النقد فيها والتحليل، وجرت ضروب من الأخذ والرد نظرا لوجوه الروايات الواردة في حقيقة أمره.
القول الأول: ذهب جماعة من الصحابة الكرام إلى جزم القول – بل أقسموا بالله على – أنه هو الدجال الأكبر المنتظر بين يدى قيام الساعة، لأدلة وقرائن تدل على ذلك، ومن هؤلاء الجازمين به: عمر وابنه عبد الله، وعلي بن أبى طالب وعبد الله بن مسعود وجابر بن عبد الله وأبو ذر رضي الله عنهم، ومن أدلتهم:
1- حلف عمر بن الخطاب رضي الله عنهما بحضرة النبي ﷺ والصحابة أنه الدجال، ولم ينكر عليه النبي ﷺ، مما يفيد الإقرار منه عليه الصلاة والسلام والتأييد، وتمسك جابر بن عبد الله الصحابي به ليحلف مثل حلف عمر أمام التابعين، وكان يقول أبو ذر رضي الله عنه: لأن أحلف عشر مرارا أن ابن صائد هو الدجال أحب إلي من أن أحلف مرة واحدة أنه ليس به
2- أن ابن صياد شبيه بالدجال في كثير من صفاته كـــ:
- يهودي النسب، وروي في حديث “يخرج الدجال من يهودية أصبهان”[2] وذكر عن أبي بكرة رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله ﷺ: ” يمكث أبو الدجال وأمه ثلاثين عاماً، لا يولد له ولدٌ، ثم يولد له غلام”. وذكر نعته ونعت والديه، فقال أبو بكرة: سمعنا بمولود في اليهود في المدينة، فذهبت أنا والزبير بن العوام، حتى دخلنا على أبويه، فإذا نعت رسول الله ﷺ فيهما.
- أعور العين، قال عليه الصلاة والسلام:” ألا إن المسيح الدجال أعور العين اليمنى، كأن عينه عنبة طافية”[3] وعن ابن عمر رضي الله عنهما أنه لقي ابن صياد وقد نفرت عينه، فقال:” فقلت: متى فعلت عينك ما أرى؟ قال: لا أدري؟ قال: قلت: لا تدري وهي في رأسك؟ قال: إن شاء الله خلقها في عصاك هذه. قال: فنخر كأشد نخر حمار سمعت، فزعم بعض أصحابي أني ضربته بعصا كانت معي حتى تكسرت وأما أنا فوالله ما شعرت.[4]
- شدة الغضب: لقي ابن عمر ابن صياد، في بعض طرق المدينة، فقال له قولاً أغضبه، فانتفخ حتى ملأ السكة، فدخل ابن عمر على حفصة، وقد بلغها، فقالت له: رحمك الله، ما أردت من ابن صياد؟ أما علمت أن رسول الله ﷺ قال: ” إنما يخرج من غضبة يغضبها”[5]
2- أن النبي عليه الصلاة والسلام مات ولا ينفي أنه ليس بالدجال، بل حاول ﷺ أكثر من مرة أن يكشف أمره ويعرف حقيقته، ولو كان ابن صياد مجرد أحد الدجاجلة لما اتتبع عليه الصلاة والسلام أمره إلى هذا الحد، ودل هذا من القرائن أنه دجال حقيقي.
3- ما تجري على لسانه من كلمات كفرية، كقوله لرسول الله ﷺ: أتشهد أني رسول الله؟ فرفضه رسول الله ﷺ ثم قال: ” آمنت بالله وبرسله “[6]
4- قول ابن صياد نفسه: ” أما والله إني لأعلم الآن حيث هو وأعرف أباه وأمه. وقيل له: أيسرك أنك ذاك الرجل؟ فقال: لو عرض علي ما كرهت.[7]
5- أن ابن صياد فقد يوم الحرة، ولا يدرى عن مصيره يقينا، بل جاء عن شبل بن عروة عن أبيه في فتح أصبهان أنه رأى اليهود في تلك الليلة يضربون بالدفوف ويزفنون فرحا لاستقبال رجل في قبة ريحان زعموا أنه ملكهم فإذا هو ابن صياد.
وقال عروة:” فدخل، فلم ير إلى هذه الغاية” يعني اكتفى ابن صياد بعد ذلك المشهد، وقد جاء في خبر مكان خروج الدجال أنه سيكون من جهة المشرق في خراسان من يهودية أصبهان.
وهذه من بعض الحجج الداعية لأن يعتقد هؤلاء السادة بأن ابن صياد هو المسيح الدجال بلا ريب.
القول الثاني: ذهب جمع من أهل العلم إلى أن ابن صياد قد يتشبه بالدجال ولكن ليس هو بعينه لأدلة كثيرة، ومنها:
1- أنه لم يوح للنبي عليه الصلاة والسلام في أمره شيء، فامتحانه عليه الصلاة والسلام له في أكثر من موقف يدل على ذلك، بل قال النبي ﷺ لعمر رضي الله عنه لما أراد قتله:” إن يكنه فلن تسلط عليه وإن لم يكنه فلا خير لك في قتله”[8] ولذا بقي النبي ﷺ شاكا ومتوقفا في حقيقة أمره حتى مات.
2- ثبت أن ابن صياد أسلم بعد وفاة النبيﷺ وأعلن إسلامه، وكان اسمه عبد الله، ومن صفات الدجال أنه: كافر
3- أنه عاش في المدينة ودخل مكة حاجا أو معتمرا، والمعروف أن الدجال لا يمكَن دخول مكة والمدينة.
4- أن له ابنان جليلان من حملة العلم، ومن رواة الحديث الشريف، وأشهرهما علما: عمارة بن عبد الله بن صياد الانصاري، أبو أيوب المدني، وكان من أصحاب سعيد بن المسيب بل روى عن جابر بن عبد الله، وروى عنه الناس، وروى مالك عنه وعن أخيه الوليد بن عبد الله بن صياد المدني. ومن نعوت المسيح الدجال أنه عقيم لا يولد له.
5- أن ابن صياد نفسه كان متأذيا ومتضررا من وسمة وصفه بالدجال، حتى فكر في كيفية التخلص من ذلك، وهم بقتل نفسه.
6- جزم النبي ﷺ بوجود المسيح الدجال في وقته وأنه مقيد في جزيرة من جزائر اليمن البحرية.
7- أنه لو كان ابن صياد هو الدجال حقا لما تركه النبي ﷺ بالمدينة ولا صحابه من بعده، ولقاتلوه حتى يسترح من فتنته العباد والبلاد.
ولعل الحق الظاهر في حال ابن صياد أن يتوقف كما توقف النبي عليه الصلاة والسلام، وإن كان الأقرب أنه شبيه بالدجال في أخلاقه وتصرفاته وأوصافه لذلك زعم عمر بن الخطاب وغيره من الصحابة إلى أنه هو المسيح الدجال. قال ابن كثير: ابن صياد ليس بالدجال الذي يخرج في آخر الزمان قطعًا؛ لحديث فاطمة بنت قيس الفهرية، وهو فيصل في هذا المقام.
وعلى أية حال سواء كان ابن صياد هو دجال أم لا، فإن الدجال خارج وقادم بفتنه وإضلاله بين يدي قيام الساعة بلا شك، ولذا ظل النبي عليه الصلاة والسلام طوال حياته يذكر ويحذر الصحابة ومن بعدهم من خطورة فتنه العمياء كي يأخذوا حذرهم وأن يتمسكوا بالدين حق التمسك، وأن يكثروا الاستعاذة والتعوذ من فتنه لا سيما في الصلاة عند التشهد، وأن يتحصنوا بحفظ عشر آيات من أول سورة الكهف، ونحو ذلك مما يعين على الثبات والبقاء في الدين دون الميل، وهذا هو المقصد الأساسي من طرح موضوع ابن صياد.
ماذا قال الرسول ﷺ لابن صياد؟
روى ابن عمر رضي الله عنهما قصة وقعت بين النبي ﷺ وابن صياد، وأن النبي ﷺ اختبر تكهن الصبي، وذلك كما في صحيح البخاري ومسلم قال ابن ابن عمر:
إن عمر انطلق مع النبي ﷺ في رهط قبل ابن صياد، حتى وجدوه يلعب مع الصبيان، عند أطم بني مغالة، وقد قارب ابن الصياد الحلم، فلم يشعر حتى ضرب النبي ﷺ بيده، ثم قال لابن الصياد: (تشهد أني رسول الله). فنظر إليه ابن صياد فقال: أشهد أنك رسول الأميين. فقال ابن صياد للنبي ﷺ: أتشهد أني رسول
الله؟ فرفضه وقال: (آمنت بالله وبرسله). فقال له: (ماذا ترى). قال ابن صياد: يأتيني صادق وكاذب. فقال النبي ﷺ: (خلط عليك الأمر). ثم قال له النبي ﷺ: (إني قد خبأت لك خبيئا). فقال ابن صياد: هو الدخ. فقال: (اخسأ، فلن تعدو قدرك). فقال عمر رضي الله عنه: دعني يا رسول الله أضرب عنقه. فقال النبي ﷺ: (إن يكنه فلن تسلط عليه، وإن لم يكنه فلا خير لك في قتله).
وقال سالم: سمعت ابن عمر رضي الله عنهما يقول: انطلق بعد ذلك رسول الله ﷺ وأبي بن كعب، إلى النخل التي فيها ابن صياد، وهو يختل أن يسمع من ابن صياد شيئا، قبل أن يراه ابن صياد، فرآه النبي ﷺ وهو مضطجع، يعني في قطيفة، له فيها رمزو أو زمرة، فرأت أم ابن صياد رسول الله ﷺ، وهو يتقي بجذوع النخل، فقال لابن صياد: يا صاف، وهو اسم ابن صياد، هذا محمد، ﷺ، فثار ابن صياد، فقال النبي ﷺ: (لو تركته بين).
وقد اختلف الناس في ابن صياد اختلافاً شديداً وأشكل أمره حتى قيل فيه كل قول، وقد يسأل عن هذا فيقال كيف يقار رسول الله ﷺ رجلاً يدعي النبوة كاذباً ويتركه بالمدينة يساكنه في داره ويجاوره فيها وما معنى ذلك وما وجه امتحانه إياه بما خبأه له من أنه الدخان. وقوله بعد ذلك اخس فلن تعدو قدرك.
والذي عندي أن هذه القصة إنما جرت معه أيام مهادنة رسول الله ﷺ اليهود وحلفائهم وذلك أنه بعد مقدمه المدينة كتب بينه وبين اليهود كتاباً صالحهم فيه على أن لا يهاجوا وأن يتركوا على أمرهم، وكان ابن صياد منهم أو دخيلاً في جملتهم وكان يبلغ رسول الله ﷺ خبره وما يدعيه من الكهانة ويتعاطاه من الغيب فامتحنه بذلك ليزور به أمره ويخبر شأنه فلما كلمه علم أنه مبطل وأنه من جملة السحرة أو الكهنة أو ممن يأتيه رؤى من الجن أو يتعاهده شيطان فيلقي على لسانه بعض ما يتكلم به.
فلما سمع منه قول الدخ زبره فقال اخس فلن تعدو قدرك. يريد أن ذلك شيء اطلع عليه الشيطان فألقاه إليه وأجراه على لسانه وليس ذلك من قبل الوحي السماوي إذا لم يكن له قدر الأنبياء الذين علم الغيب ولا درجة الأولياء الذين يلهمون العلم فيصيبون بنور قلوبهم، وإنما كانت له تارات يصيب في بعضها ويخطىء في بعض، وذلك معنى قوله يأتيني صادق وكاذب فقال له عند ذلك قد خلط عليك، والجملة أنه كان فتنة قد امتحن الله به عباده المؤمنين ليهلك من هلك عن بينة، ويحيى من حيى على بينة، وقد امتحن قوم موسى عليه السلام في زمانه بالعجل فافتتن به قوم وهلكوا ونجا من هداه الله وعصمه منهم[9].
ما رأي ابن باز في ابن صياد؟