لم يكن خبر إسلام السياسي الهولندي ” أرنود فان دورين” غريباً، رغم أنه (كان) متطرفاً شديد العداء للإسلام والمسلمين، لا يترك ثغرة يمكن أن يندس منها ويهاجم الإسلام ورموزه إلا وفعل.. أقول بأن خبر إسلامه قبل شهرين من الآن وإعلانه الشهادتين على “تويتر” ومن ثم في أحد المساجد في هولندا الذي شهد اساءاته له في ماضي الأيام، لم يكن غريباً علينا نحن المسلمين على أقل تقدير، فإن بعض من عرفناهم من تاريخنا، كانوا أكثر عداوة للإسلام والمسلمين من “فان دورين” وما إن رزقهم الله الهداية حتى أبصروا النور فكانوا وما زالوا علامات مضيئة.. وأبرز الأمثلة حينما نتحدث عن هذه الجزئية هو الفاروق عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – الذي وصلت به العداوة للمسلمين ولدينهم، أن يأس كثيرون منه، لكنه بعد قليل من التأمل والتدبر، ينشرح صدره لهذا الدين، فأصبح فاروقاً، فرق الله على يديه بين الحق والباطل، وأمسى من أبرز رموز الإسلام إلى يوم الدين..
هذان المثالان جئت بهما في مقدمة حديث أرى أهميته، ويتعلق بمسألة تبليغ الآخرين دين الاسلام ونشره بكل الطرق والوسائل المتاحة اليوم.. ذلك أن الحاصل الآن في مسألة تبليغ رسالة الإسلام إلى العالمين، هو الكثير من الإساءة ومن طرفنا نحن المسلمين حتى وإن صلحت النيات، فالناس تحكم غالباً على الظواهر وتتجنب البواطن وهذا كأصل بارز من أصول التعامل مع الآخرين.
نجد أن البعض وبدوافع طيبة ونيات حسنة ومن حيث يدري أو لا يدري، يقوم بنشر الدين وتبليغه وشرحه للآخرين، ولكنه يسيء استخدام الوسائل ولا يُحسن عرض الدين على غير المسلمين بالتي هي أحسن، فتكون النتائج عكسية سلبية، وهذا ما يدعونا إلى التساؤل : من يمنع انتشار الإسلام بشكل أفضل مما عليه الآن؟ ولماذا أصبح الإسلام مرتبط بصورة ذهنية غاية في السلبية والسوء عند كثيرين من أبناء الملل والنحل المنتشرين في مشارق الأرض ومغاربها؟
واقع الأحداث يفيد أننا نتحمل الجزء الأكبر من مسؤولية بطئ انتشار الإسلام في العالم، ونحن من يتحمل مسؤولية الصورة الذهنية المشوهة لهذا الدين عند كثيرين، ونحن من يعمل – دون وعي – على بث روح النفور أو التخوف من الاقتراب من الإسلام فضلاً عن دخوله واعتناقه..
الإسلام به طاقة جذب هائلة يمكنها جذب وسحب أي إنسان بعد قليل من التدبر والتأمل والتفكر، ويكون بعيداً عن مشاهد وصور الإساءات أو المغالطات التي سواء، نقوم بها نحن المسلمين أو يقوم غيرنا بها.. إن دين الإسلام هو دين الإنسانية، وأنظر إلى عظمته إن شئت، حين يدعو الناس جميعاً وليس المسلمين فقط، ليتعارفوا، لنأتي نحن ونضرب أسوأ الأمثلة في الشقاق والخلاف والعراك بين بعضنا البعض! فكيف نقول للآخرين بأن ديننا دين سلام وإنسانية، ونحن من يطرد السلام والإنسانية عن أنفسنا وإخواننا في الدين بل اللغة أيضاً؟! إن التناقضات التي نعيشها اليوم من أسباب تعزيز الصورة الذهنية السلبية عن الإسلام والمسلمين عند الآخرين..
خلاصة الحديث أن الإسلام جاء يخاطب النفوس والعقول، ومن ثم يترك المجال للاختيار، فلا إكراه في الدين، ولا حاجة للقهر والعنف من أجل زيادة عدد المسلمين. هذا الدين ما انتشر إلا لإنسانيته وتعزيزه للقيم الإنسانية الرائعة، وسماحته، فحين يرى غير المسلمين أتباع هذا الدين وقد سادت العداوة البغضاء والكراهية بين بعضهم البعض، وضاعت الكثير من المعاني السامية والقيم النبيلة من حياتهم، وساد الظلم والقهر بدل المساواة والعدل، فلا عجب إذن إن تردد احدهم في اعتناق الإسلام أو ظل حائراً متردداً لا يدري ما يفعل..
من هنا ندعو ونكرر ونحث على أهمية الدعوة والجدال بالحسنى، سواء بين بعضنا البعض أو مع غيرنا من أبناء الملل والنحل الأخرى، وإن قوتنا في قوة منطقنا وشدة تمسكنا بروح هذا الدين، وكلما تعمقنا في ديننا ووصلنا إلى مراتب الإيمان حتى ندخل تحت مظلة ” يا أيها الذين آمنوا.. “، كلما زاد عدد من يدخل ديننا ويكثر سواد المسلمين.. أما إن حدث العكس وبقينا في عداد المسلمين، فلا شك سيزيد عدد من ينتظرون على بوابات الإسلام، خشية أو حيرة، وإلى أن يقضي الله أمراً كان مفعولا.. تأمل في هذا القول ثم انظر ماذا ترى.