اقتضى مبدأ المحاسبة أن يُرسل الله رسلا لئلا يكون للناس حجة بعد الرسل، رسلا مهمتهم التبليغ والبيان ليس إلا، ويجد المتتبع أنه كلما سرد القرآن قصةً من قصص الأنبياء أتبع ذلك بالموقف المستهزئ للملأ المكذِّب، فيقولون ساحر، مجنون، كاهن، ضلال مبين، سفاهة افتراء.
ليس في القرآن الكريم أمر لنبي بأن يقوم بردة فعل مساوية لسوء تصرف قومه، لم يرد في أي قصة من قصص الأنبياء في القرآن أن لو استهزؤوا بك يا نوح ويا إبراهيم ويا.. اقتلهم أبِدْهم؛ بل الصبر ومواصلة الدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة والجدال بالتي هي أحسن هي غاية المرسلين.
كل ما يقرره القرآن في هذا الصدد للتعامل معهم هو:
ـ الإشفاق على جهلهم بالحقائق، “قالوا إنما أنت مفتر بل أكثرهم لا يعلمون”.
ـ إعلان المهمة المتمثلة في التبليغ فقط:”ليس بي ضلالة ، ولكني رسول من رب العالمين أبلغكم رسالات ربي.”
كما يقوم القرآن بمواساة الأنبياء تجاه ما يلقونه من أذى، “فلا يحزنك قولهم إنا نعلم ما يسرون وما يعلنون.”و”لقد نعلم إنه ليحزنك الذي يقولون فإنهم لا يكذبونك ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون”.
ذلك منهج القرآن أما منهج المستعجلين العاطفيين فهو: من يُرسم النبي أويستهزئ به أو يتعالى على ذات الله فإن عقوبته ستكون بيدي، أين النخوة والشهامة والدفاع عن المقدسات؟!.
منهج الأنبياء الصبر على الأذى والإشفاق على الناس، وبث الدعوة بينهم، فلو عرفوها وفهموها لأحبوا صاحبها ووقروه، ولكنهم في سكرتهم يعمهون.
خطوات راشدة
ماذا ينبغي أن يكون موقف المسلم تجاه الإساءة لدينه؟ لعل من الجواب:
- أمت الباطله بتركه: حتى لا نصبح بمثابة آلة دعائية لأهل الباطل، فننقل باطلهم وحماقاتهم من رأي في قناة أو صحيفة أو ندوة قد لا يصل صداها غير الحاضرين، ننقله إلى العالم كله بالمسيرات والتنديد، فنكون مساهمين في الدعاية لشتم النبي والإساءة إلى الدين.
- دع العاطفة لوقتها: من الناس من يفكر بحماسة، ويقول علينا أن نوقفهم عند حدهم، لنحتج..لنحرق السفارات، ولنقتل المجرم بأيدينا، ولعل كل ذلك يكون خيرا منه مقاطعة اقتصادية تضرهم وتضعفهم
- فكر بعمق: أي ركز على خلفيات الحدث أكثر من التركيز على الحدث ذاته ، حاول حسن قراءته والنظر في تجلياته ومن ثم الربط بين سياقاته ومآلاته.
- استفت الشرع: وفي استفتاء الشرع لابد من التفريق بين من يفقه الواقع من العلماء ومن لا يفقهه، فهناك فتاوى عاطفية، ينساق أصحابها وراء العواطف أكثر من الأدلة والنصوص والمقاصد الشرعية، فتجد:
أ ـ الاستدلال بقول عمر:دعني أقطع عنق هذا المنافق، ولو تريث صاحب هذا الرأي قليلا لغير رأيه، لأن فقه المآلات سيقول له لا تقتله “حتى لا يقال بأن محمدا يقتل أصحابه.”.
ب ـ وقد يقول لك: “كيف نرضى الدنية في ديننا، ألسنا على حق؟”، كما قال عمر رضي الله عنه أيضا لما أسلم حيث قال: “ألسنا على حق؟ قال النبي ﷺ: بلى، أوليسوا على الباطل؟ قال بلى، قال: فلم نرضى الدنية في ديننا؟” لكن الجواب كان التزاما شرعيا لا عاطفة متحفزة، “إننا لم نؤمر بذلك يا عمر. ومثل هذه المواقف تكثر حسب الحدث. وفي حالة الميل إلى هذا يتم إنزال جميع آيات الجهاد.
رد الفعل الذكي والغبي
إن عقلية المسلمين تختلف عن عقلية غير المسلمين بغض النظر عن اتباع الدين، ولعل هذا سر المشكلة كلها. فالغرب يحمي مقدساته ورموزه الدينية ولكنه يقوم بكل ذلك بطريقة ذكية، تجعلنا نحن نتعاطف معه، إنه لا يتجاهل المساس بمقدساته، ولكنه يقيس مستوى أثر الفعل ويرتب على ذلك ردة الفعل المناسبة، كل الأمر متعلق بطبيعة ردة الفعل الذكية وردة الفعل الهوجاء.