ضمن فعاليات النسخة الرابعة من “موسم الندوات” بالدوحة، بالشراكة مع جامعة قطر، نظمت وزارة الثقافة ندوة بعنوان”كيف نفهم تأثير الحضارة الإسلامية في العالم اليوم؟” قدمها الأكاديمي الأمريكي وأستاذ العلوم السياسية بجامعة تكساس في أوستن الدكتور روي كاساغراندا الذي تحدث عن دور العلماء المسلمين واكتشافاتهم في مختلف العلوم.
هل تساءلت يومًا عن سر النهضة العلمية التي غيّرت مجرى الحضارة الغربية؟ وراء كل معادلة رياضية متقدمة وابتكار طبي حديث، تقف الحضارة الإسلامية التي أضاءت العالم بعلومها وفكرها المتقد.
من ابن الهيثم، الذي أحدث ثورة في علم البصريات، إلى الخوارزمي، مؤسس علم الجبر، مرورًا بابن سينا، الطبيب العبقري الذي أثّرت مؤلفاته في الطب الأوروبي لقرون. هؤلاء العلماء لم يحفظوا علوم الحضارات السابقة فحسب، بل طوروها وأضافوا إليها إبداعات لا تزال آثارها واضحة حتى يومنا هذا.
تُظهر هذه الندوة بوضوح كيف شكّل العلماء المسلمون الجذور الأساسية للعلوم الحديثة، في وقت كانت فيه أوروبا غارقة في عصور الظلام. هذه الإسهامات هي التي أنقذت الحضارة الغربية، وأعادت لها بريق التقدم والابتكار.
كاساغراندا: الحضارة الإسلامية بصمت على الحضارة الغربية
الندوة شهدت حضورا كبيرا من المثقفين والأكاديميين الذين ساهموا في إثرائها بالمداخلات القيمة. وسلطت الندوة الضوء على الإسهامات الكبرى التي قدمتها الحضارة الإسلامية ودعمت بها الحضارة الغربية في مجالات العلوم والفكر الإنساني، ودورها المحوري في تشكيل مسار التقدم البشري.
وقال الدكتور كاساغراندا إن الحضارة الإسلامية لعبت دورًا محوريًا في حفظ وتطوير العلوم والفكر إضافة إلى الإسهامات الجليلة والمبتكرة في العديد من المجالات، من خلال علماء المسلمين في العصر الذهبي للإسلام الذي امتد من عام 750م إلى 1258م، معرجا على إسهامات هؤلاء العلماء المسلمين في تطوير العلوم الحديثة والمعاصرة.
![صورة مقال محاضرة: كيف نفهم تأثير الحضارة الإسلامية في العالم اليوم؟](https://islamonline.global.ssl.fastly.net/wp-content/uploads/2025/02/روي-كاساغراندا-يحاضر-في-الدوحة-عن-الإسلام-والحضارة-الغربية.jpg)
وأضاف أن الحضارة الإسلامية شهدت تطورًا كبيرًا في مجال الرياضيات، من خلال علماء مثل محمد بن موسى الخوارزمي، أحد أبرز العلماء في تاريخ الرياضيات والفلك والمعلوماتية، وهو مؤسس علم الجبر وأسهم في تطوير علوم الهندسة وعلم المثلثات، ووضع الأسس للعديد من المفاهيم الرياضية الحديثة، مشددا على أن الحضارة الإسلامية تركت بصماتٍ واضحةً في شتى جوانب الحياة، ولا يزال تأثيرها ممتدًا إلى يومنا هذا، منوها باهتمام الحضارة الإسلامية بعلم الفلك، فتم بناء المراصد الفلكية، وتطويرها واكتشاف العديد من النجوم والكواكب.
وتابع الأكاديمي وأستاذ العلوم السياسية بجامعة تكساس في أوستن أن الفيلسوف والقاضي المسلم أبي نصر الفارابي، قد شغل الفلسفةَ الكونية بأفكاره العميقة، فكان أثره بارزا في الفكر والفلسفة الغربية، حتى أنه لقب بالمعلم الثاني بعد أرسطو..
إسهامات كبيرة للحضارة الإسلامية
واستعرض الدكتور كاساغراندا إسهامات الحضارة الإسلامية الكبيرة في الحضارة الغربية خاصة في مجالات العلوم والطب، خلال العصور الوسطى، ولا يزال تأثيرها واضحًا حتى اليوم، فلا تزال العديد من المصطلحات الطبية المستخدمة اليوم أصولها عربية، كما لا يزال العديد من التقنيات الجراحية المستخدمة حتى يومنا هذا مستوحاة من التقنيات الجراحية التي طورها المسلمون، مثل خياطة الجروح.
![صورة مقال محاضرة: كيف نفهم تأثير الحضارة الإسلامية في العالم اليوم؟](https://islamonline.global.ssl.fastly.net/wp-content/uploads/2025/02/الأكاديمي-الأمريكي-الدكتور-روي-كاساغراندا-600x330.jpg)
وفي خضم حديثه عن الحضارة الإسلامية وتأثيراتها على الحضارة الغربية، تطرق للحديث عن الطبيب والفيلسوف المسلم الأكثر شهرة وتأثيراً في العصور الوسطى، الحسين بن عبد الله بن الحسن بن علي المشهور بـ “ابن سينا” والملقب بـ “أبو الطب”، والذي ترك تراثا ضخما من المؤلفات المحفوظة في مكتبات الشرق والغرب، وترجمت إلى اللاتينية في أيامه، والفرنسية والصينية والأيرلندية مؤخرا، مشيدا بكتابه «الشفاء» الموسوعة الفلسفية والعلمية واسعة النطاق، وكتاب «القانون في الطب» وهو من أشهر الكتب في تاريخ الطب.
كما تطرق إلى جهود العالم العربي ابن الهيثم وهو أبو علي محمد بن الحسن بن الحسين البصري، المولود في مدينة البصرة ويعد عالما موسوعيا برز في علوم البصريات والفيزياء والهندسة وعلم الأعداد والحساب والفلك والفلسفة والمنطق والطب، وله مصنفات في كل هذه العلوم.
وأوضح أن ابن الهيثم نبغ في علم البصريات وطوره تطويرا جذريا، ويعد كتابه المناظر ثورة في عالم البصريات، بعدما توصل إلى نظريات جديدة أصبحت نواة علم البصريات الحديث، كما بحث في قوة التكبير في العدسات مما جعله المبدع الرائد لفكرة أول نظارة في العالم.
العصر الذهبي للإسلام
وردا على سؤال حول إنكار الغرب لدور الحضارة الإسلامية على العالم الغربي والحضارة الغربية، أوضح الدكتور كاساغراندا أن تأثير الحضارة الإسلامية على الغرب حقيقة تاريخية لا يمكن إنكارها ولا تقبل الجدل، وقد ترجم هذا التأثير في مختلف جوانب الحياة، وذلك خلال فترة ازدهار الحضارة الإسلامية “«”العصر الذهبي للإسلام” من منتصف القرن الثامن الميلادي حتى القرن الخامس عشر الميلادي، والذي شمل مناطق واسعة من العالم الإسلامي.
![صورة مقال محاضرة: كيف نفهم تأثير الحضارة الإسلامية في العالم اليوم؟](https://islamonline.global.ssl.fastly.net/wp-content/uploads/2025/02/جانب-من-الحضور-الغفير-600x330.jpg)
ويتواصل موسم الندوات هذا العام حتى 25 فبراير 2025، بالشراكة مع جامعة قطر والمركز العربي للدراسات، وبمشاركة نخبة من الخبراء والمثقفين والمفكرين والأكاديميين من داخل دولة قطر وخارجها، ويأتي ضمن جهودها المتواصلة ونهجها الراسخ في تأسيس منصة للحوار الثقافي والفكري الجاد والعميق حول أبرز القضايا الثقافية والمجتمعية.
ومن المنتظر أقامة ندوة بعنوان “التغيرات والتحولات الاجتماعية في المشرق العربي”، بالمركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، ويشارك فيها كل من: الدكتور مروان قبلان مدير وحدة الدراسات السياسية في المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، والدكتور حارث حسن باحث مشارك في المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، والباحث والكاتب القطري عبدالعزيز الخاطر.