تعد قضية المرأة من القضايا الأساسية التي تشغل بال العقل المسلم المعاصر؛ لأن دور المرأة في المجتمع لا يمكن إغفاله من ناحية، ولأن شبهات كثيرة أثيرت حول الرؤية الإسلامية للمرأة من ناحية أخرى.
وقد صدرت كتب كثيرة تعالج هذا الموضوع، لعلماء ودعاة ومفكرين، من المهم التوقف عندها؛ فهي جهود مقدَّرة تتكامل، ومن المهم استيعابها لمن أراد أن يكوِّن معرفة دقيقة صحيحة عن المرأة ودورها، وعن المكانة التي يوليها الإسلام إياها..
وفي هذا المقال نعرِّف- وبإيجاز شديد- بمجموعة من أهم الكتب الحديثة التي بيَّنت مكانة المرأة ودورها في المجتمع، وكشفت عن المنزلة الرفيعة التي منحها الإسلام للمرأة.. وهذه الكتب هي:
من توجيهات الإسلام
وهو كتاب يتناول عدة قضايا واسعة النطاق، ومنها بشكل كبير ما يتصل بالمرأة، وهو كتاب مهم لتثقيف الأسرة المسلمة بمفاهيم ومبادئ إسلامية مهمة.
والكتاب يتوزع على عدة أبواب رئيسية؛ مثل: (الناس والدين)، وفيه يبين الشيخ شلتوت حاجة الناس إلى الدين لإصلاح عقولهم وضمائرهم وتوجهاتهم في الحياة.. كما يبين أن الإسلام نظام يكفل سعادة الفرد والجماعة، ويبني الشخصية المستقلة وذلك من خلال أربعة عشر عنصرًا.
وفي الباب الثاني (في الحقل الاجتماعي)، يوضح الكتاب دور الرسالة المحمدية في إصلاح المجتمع من حيث الروح والمادة وبناء الشخصية الاجتماعية.. مبينًا أن الإسلام دين العقل والعلم، وكاشفًا عن أهمية العنصر الروحي في التربية.. ثم يتطرق إلى موضوعات مثل: العناية باليتيم، محاربة التسول، عناية الإسلام بالصحة والرياضة البدنية.. وإلى بعض شئون المرأة، مثل: الوضع التاريخي للمرأة، عناية الإسلام بها، نماذج من عهود الأنبياء والبعثة النبوية، مبايعة النبي ﷺ للنساء.
وفي باب آخر (في الأخلاق)، يشير الكتاب إلى موضوعات مهمة متعلقة بذلك، مثل: الأعمال بالنيات، الدين المعاملة، أهمية الرحمة، إغاثة الملهوف، عدم الجهر بالسوء، التوبة علاج.
كما يتناول الكتاب بعض المناسبات الإسلامية لأخذ العبرة والعظة منها، مثل: الإسراء والمعراج، الصيام، الحج، عيد الفطر والأضحى، الهجرة النبوية.
والكتاب ينضح برؤية تجديدية تمزج التفسير بالفقه بالدعوة؛ فقد كان الشيخ شلتوت رحمه الله مجددًا في الفكر الإسلامي، وذا ثقافة عميقة متنوعة..
المرأة في القرآن
وهو يوضح أن مسألة المرأة يتم تناولها من خلال جوانب ثلاثة، تنطوي فيها جميع المسائل الفرعية التي تعرض لها في حياتها الخاصة أو حياتها الاجتماعية. وهذه الجوانب الثلاثة الكبرى هي: أولاً: صفتها الطبيعية، وتشمل الكلام على قدرتها وكفايتها لخدمة نوعها وقومها. وثانيًا: حقوقها وواجباتها في الأسرة والمجتمع. وثالثًا: المعاملات التي تفرضها لها الآداب والأخلاق، ومعظمها في شئون العرف والسلوك.
ويبيّن العقاد أن الحقوق والواجبات التي قررها الإسلام للمرأة قد أصلحت أخطاء العصور الغابرة في كل أمة من أمم الحضارات القديمة، وأكسبت المرأة منزلة لم تكسبها قطُّ من حضارة سابقة، ولم تأتِ بعد ظهور الإسلام حضارة تغني عنها؛ بل جاءت آداب الحضارات المستحدثة على نقصٍ ملموسٍ في أحكامها ووصاياها؛ لأنها أخرجت من حسابها حالات لا تُهمل ولا يُذكر لمشكلاتها حل أفضل من حلها في القرآن الكريم؛ إذ انتقل بها البحث من الإهمال إلى الدراسة والتدبير.
ويناقش الكتاب عددًا من القضايا المهمة عن المرأة والمجتمع؛ مثل القوامة، عمل المرأة، الحجاب، الزواج والطلاق، مشكلات البيت..
والكتاب تأملات عميقة عوَّدنا عليها الأستاذ العقاد، ويهتم بالدفاع عن الإسلام ضد شبهات المتقوِّلين.. مُبرِزًا فلسفة الإسلام في قضايا المرأة وما يتصل بها من أحكام وآداب وتشريعات.
قضايا المرأة بين التقاليد الراكدة والوافدة
وفي هذا الكتاب يؤكد الشيخ الغزالي أن الإسلام سوّى بين الرجل والمرأة في جملة الحقوق والواجبات٬ وأنه إذا كانت هناك فروق معدودة فاحترامًا لأصل الفطرة الإنسانية وما ينبني عليها من تفاوت الوظائف، وإلا فالأساس قول الله تعالى: {فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنَّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ} وقوله: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}.
ويقارن الغزالي بين صورة المرأة في المجتمعات الإسلامية اليوم، وصورتها في العصر الأول، حيث كانت المسلمات يصلين في المسجد الصلوات الخمس من الفجر إلى العشاء٬ وكن يشاركن في معارك النصر والهزيمة، وكن يشهدن البيعات الكبرى، وكن يأمرن بالمعروف وينهين عن المنكر! وكانت المرأة إنسانًا مكتمل الحقوق المادية والأدبية٬ وليست “نفاية اجتماعية” كما يفهم البعض.
ويشكو الشيخ من أن هناك تقاليد وضعها الناس ولم يضعها رب الناس دحرجت الوضع الثقافي والاجتماعي للمرأة، واستبْقتْ في معاملتها ظلمات الجاهلية الأولى، وأبت إعمال التعاليم الإسلامية الجديدة؛ فكانت النتائج أن هبط مستوى التربية، ومال ميزان الأمة كلها مع التجهيل المتعمد للمرأة، والانتقاص الشديد لحقوقها.
والكتاب يتسم بجرأة في النقد للأوضاع المجتمعية والتقاليد الراكدة والمفاهيم المغلوطة عن المرأة، وعن المنظور الإسلامي لها.
تحرير المرأة في عصر الرسالة
وهو كتاب فريد في بابه، إذ هو دراسة عن المرأة جامعة لنصوص القرآن الكريم وصحيحَيْ البخاري ومسلم؛ أي من خلال النصوص الصحيحة الثابتة في الإسلام.. بما جعله يرسم صورة صادقة فريدة عن المرأة كما كانت في “عصر الرسالة”؛ الذي جاء تحريرًا للمرأة على وجه الحقيقة، لا الزيف كما يريد البعض حين يهدفون إلى تقليد “التحرير الغربي” للمرأة، وما هو بتحرير، بل متاجرة بها وخداع لها.
وقد صدر الكتاب في ستة أجزاء: الأول: معالم شخصية المرأة المسلمة. الثاني: مشاركة المرأة المسلمة في الحياة الاجتماعية. الثالث: حوارات مع المعارضين لمشاركة المرأة في الحياة الاجتماعية. الرابع: لباس المرأة المسلمة وزينتها. الخامس: مكانة المرأة المسلمة في الأسرة. السادس: الثقافة الجنسية للزوجين.
ويخلص الكتاب إلى أن الإسلام يرتفع بقيمة المرأة وكرامتها؛ باعتبارها ابنة وزوجة وأمًّا, وعضوًا في المجتمع.. وقبل ذلك كله، باعتبارها إنسانًا؛ فالمرأة مكلفة كالرجل, مخاطَبة بأمر الله ونهيه مثله, مُثابة ومعاقبة كما يثاب هو ويعاقب. وأول تكليف إلهي صدر للبشر خوطب به الرجل والمرأة معًا حين أُسكِنا الجنة. فالمرأة في نظر الإسلام ليست خصمًا للرجل ولا منازعًا له؛ بل هي مكملة له, وهو مكمل لها, هي جزء منه, وهو جزء منها.
وقد قال الشيخ الغزالي في تقديمه للكتاب: “وددتُ لو أن هذا الكتاب ظهر منذ عدة قرون، وعرض قضية المرأة في المجتمع الإسلامي على هذا النحو الراشد؛ ذلك أن المسلمين انحرفوا عن تعاليم دينهم في معاملة النساء، وشاعت بينهم روايات مظلمة، وأحاديث إما موضوعة، أو قريبة من الوضع؛ انتهت بالمرأة المسلمة إلى الجهل الطامس، والغفلة البعيدة عن الدين والدنيا معًا.
ولا أعتقد أن باحثًا في قضايا المرأة يمكنه أن يتجاوز هذا الكتاب المهم، الذي سدَّ فراغًا كبيرًا في المكتبة الإسلامية.