في عام 2007 نشر مركز الدراسات الاسلامية في جامعة أوكسفورد نتائج بحث قام به الدكتور محمد أكرم ندوي، عالم الشريعة الهندي المحافظ خريج المدارس الدينية الذي يوصف أنه من أقل المتحمسين لقضايا المرأة، عن دور النساء في التراث العلمي الإسلامي.
و قد أحدثت الدراسة ضجة واسعة في العالم الغربي و ميدان الدراسات الاستشراقية الذي ينظر للمراة المسلمة من ثقب الإبرة و لا يرى سوى النموذج الطالباني الذي افترت عليه أيضا آلة الاعلام المتأمرك و قدمته في اسوأ الصور.
و قد أماطت الدراسة اللثام عن ما يزيد على 8000 عالمة مسلمة منذ القرن السابع جُمعت سيرتهن في 40 مجلدا بعد دراسة مستفيضة للنصوص الدينية و التاريخية و السير و الرسائل و كتب الرحلات و يقول الدكتور الندوي أن الوضع الحالي للمراة المسلمة، عالمة و متعلمة، مختلف تماما عما كان عليه في التاريخ الإسلامي، فالمرأة الآن، إذا درست، تدرس في البيت أو في أماكن منفصلة، و إذا درّست تدرس النساء فقط، بينما كان في السابق هناك الآف المحدّثات اللواتي روين أحاديث المصطفى صلى الله عليه و سلم و ما ثبت عليهن كذب و لا تلفيق كما في حال بعض الرجال الرواة ، كما درّست النساء الرجال، و رحلت المراة في طلب العلم و تدريسه، و أصدرت الفتاوى و شاركت في التشريع الإسلامي.
و مثال ذلك العالمة فاطمة البطايحي التي درست الحديث في المسجد النبوي في القرن 15 و أجازت أئمة الرجال في عصرها، و فاطمة الحرازي التي عُرفت بمحدثة الحرمين و مسندة مكة و تولت التدريس بالحرم الشريف، و فاطمة السمرقندي التي مارست القضاء و الإفتاء في سمرقند.
و يضيف الدكتور الندوي أن وضع النساء و التعليم ما تدهور الا في عصور الإنحطاط و الاستعمار و هذه الدراسة العلمية تبدو متناقضة تماما مع بعض الأراء في عالمنا العربي عن عدم أهلية المراة لإعطاء الفتوى حتى لو كانت متخصصة في العلم الشرعي! و أن النساء قد يصلحن لتبوأ مراكز وظيفية في الجامعات و لكن هذا لا يعني انهن حصلن العلم الشرعي و لديهن القدرة على التدريس و الإفتاء.
يبدو طبيعيا أن يصدر خطاب الانتقاص و الذم هذا من الغرب و المستشرقين فليس بعد الكفر ذنب، و من يعاديك في الدين لن يرقب ذمة في الإناث و لا في الذكور، و لكن أن يصدر هذا عن بعض علمائنا و مشايخنا الأفاضل فهذا ما لا يمكن فهمه و لا قبوله و هم يعلمون أن الخطاب الرباني في التكليف و التشريف ما فرق بين أنثى أو ذكر، و إن كان جعل التقديم للذكر في بعض المواضع فهي مواضع مسؤولية و زيادة أعباء.
و قد قرنت الأية الكريمة في سورة الأحزاب بين الرجال و النساء في كل مواضع الإيمان و العمل فقال تعالى : ” إن المسلمين و المسلمات و المؤمنين و المؤمنات و القانتين و القانتات و الصادقين و الصادقات و الصابرين و الصابرات و الخاشعين و الخاشعات و المتصدقين و المتصدقات و الصائمين و الصائمات و الحافظين فروجهم و الحافظات و الذاكرين الله كثيرا و الذاكرات أعد الله لهم مغفرة و أجرا عظيما” ، و شهدت سيرة المعلم الأعظم صلى الله عليه و سلم تفرغه لتعليم النساء و ثناءه عليهن و قيامه باستفتائهن و الصحابة و الخلفاء من بعده والعمل برأيهن كما فعل مع أم سلمة رضي الله عنها في صلح الحديبية.
و كذلك فعل الصحابي عبد الرحمن بن عوف، المبشر بالجنة، في أمر الخلافة بعد عمر بن الخطاب إذ قال : ” و الله ما تركت ذا رأي من الرجال، و لا صاحبة فضل من النساء الا و أخذت رأيه و رأيها” ، و غيرها الكثير من الأمثلة التي تؤكد خصوصية فتاوى النساء و فقه النساء و أن استفتاء النساء للنساء أحفظ للحياء و أكثر تحقيقا للمصلحة.
و لعل الرد الأبلغ هو وصية الرسول صلى الله عليه و سلم للمسلمين رجالا و نساء بتعلم أمور دينهم من السيدة عائشة رضي الله عنها، و قد يحتج البعض بحصر هذه المنزلة على أم المؤمنين التي فاقت نساء الدنيا بكمالها كما جاء في الحديث، و أن نساء المسلمين لسن مثلها، و هذا صحيح و لكن الرسول ضرب المثال لتقتدي به النساء.
و من المعلوم أن القدوة و الأسوة تفوق دائما من يقتدي بها و ترفع سقف العلم و العمل و صحيح أن بعض النساء الدارسات للعلم الشرعي قد يفتين فيضللن و يُضللن، و لكن هذا ليس حكرا على النساء و لا يختص بجنس دون آخر، فالضلالة و الجهالة أمر إنساني يشترك في جرمه الرجال و النساء و كل من زاغ عن هدي الله و صراطه المستقيم و العلماء أدرى أن الشاذ من الأحوال لا يؤخذ عند التقعيد، و لا يُحكم على الصحيح بالخطأ، و لا يعمم على العالمات المسلمات بتقصير بعض من يدعين العلم.
و إرث الكمال لا تفسده فتاوى أو تصرفات من نقصت حقا في دينها و عقلها إن من يبخس المرأة أيا كان موضعها، فهو إنما يبخس الأم التي تخلق في رحمها، و الزوجة التي أحسنت صحبته و سكن إليها، و الابنة التي تتطلع إليه بعين القدوة و البر إننا و إن لم نملك جميع دلالات العلم الشرعي لنعلم و نفهم عن ربنا الذي كرمنا في أصل الخليقة فقال سبحانه : ” يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة” و ان أي وضع من قدرنا ما هو الا اجتهاد بشري لم يستنر بنور الله و لا بهدي رسوله.