إن حادثة الإسراء والمعراج هي من أعظم المعجزات والدلائل النبوية التي تثبت صدق دعوة النبي ﷺ وتلقيه الوحي من رب الخلائق، وجاء وصف هذه الحادثة في الآيات الكريمة والسنن النبوية بما لا يقبل الشك والارتياب، وتبعا لهذه الميزة الخاصة التي اختصت بها ليلة الإسراء يذهب بعض الناس إلى إحيائها بالقيام وبعض القربات، فكان السؤال الذي يحاول المقال بيانه: هل يشرع إحياء ليلة الإسراء والمعراج؟
إن الفضيلة التي تثبت لهذه الليلة من ليالي السنة لا خلاف في صحتها ومكانتها، كيف لا وهي ليلة حظي بها النبي ﷺ بالكرامات العلية من المناجاة والرؤية وإمامة الأنبياء والعروج به إلى سدرة المنتهى وما رأى من آيات ربه الكبرى، فحيثما لم يقع لنبي من أنبياء الله ما وقع للنبي ﷺ في رحلة الإسراء إلى العروج إلى السماوات العلى، فكانت معدودة ضمن خصائص أمة محمد ﷺ بالتبع.
قال القاضي عياض: ومن خصائصه ﷺ قصة الإسراء وما انطوت عليه من درجات الرفعة مما نبه عليه الكتاب العزيز وشرحته صحاح الأخبار قال الله تعالى: (سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام) الآية وقال تعالى (والنجم إذا هوى) إلى قوله (لقد رأى من آيات ربه الكبرى) فلا خلاف بين المسلمين في صحة الإسراء به ﷺ إذ هو نص القرآن وجائت بتفصيله وشرح عجائبه وخواص نبينا محمد ﷺ فيه أحاديث كثيرة منتشرة.
وبسبب هذا الفضل والتفضيل الذي خصص الله نبينا محمدا به عليه أفضل الصلاة والتسليم فإنه لا دلالة من هذا التفضيل تخصيص ليلته بالأعمال والقربات الخاصة بين ليالي السنة، ولا يومه بالصيام والعمرة والإكثار منها من بين أيام السنة، ولذلك أنكر العلماء بشدة على ما ينتشر بين الناس من إحياء ليلة الإسراء بالنوافل والأدعية والصدقات والاحتفالات.
جاء في فتاوى الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ ما نصه: أما تخصيص بعض أيام رجب بأي شيء من الأعمال الزيارة وغيرها فلا أصل له، لما قرره الإمام أبو شامة في (كتاب البدع والحوادث) وهو أن تخصيص العبادات بأوقات لم يخصصها بها الشرع لا ينبغي، إذ لا فضل لأي وقت على وقت آخر إلا ما فضله الشرع بنوع من العبادة، أو فضل جميع أعمال البر فيه دون غيره، ولهذا أنكر العلماء تخصيص شهر رجب بكثرة الاعتمار فيه وأما تفضيل رجب بشيء زائد على أنه من الأشهر الحرم فلم يصح فيه شيء، كما بينه أئمة العلم.
قال الحافظ أبو عمر بن بدر الموصلي الحنفي في (الم غني عن الحفظ والكتاب، فيما لم يصح فيه شيء من الأحاديث) : قال عبد الله الأنصاري: ما صح في فضل رجب وفي صيامه ـ أي بالخصوص ـ عن رسول الله ﷺ شيء (..)
وأما كون ” المعراج ” ليلة سبع وعشرين من شهر رجب فغير مؤكد، بل هو باطل كما بينه العلماء، قال الإمام أبو شامة في (كتاب البدع والحوادث) : ذكر بعض القصاص أن الإسراء كان في رجب ، وذلك عن أهل التعديل والتجريح عين الكذب.
وقال الحافظ ابن رجب في ” لطائف المعارف” قد روي أنه كان في شهر رجب حوادث عظيمة، ولم يصح شيء من ذلك.
ونقل العلامة ابن القيم في ” زاد المعاد ” عن شيخه ابن تيمية أنه قال في ” ليلة الإسراء “: لم يقم دليل معلوم لا على شهرها، ولا على عشرها، ولا على عينها، بل النقول في ذلك منقطعة مختلفة، ليس في ذلك ما يقطع به، ولا شرع للمسلمين تخصيص تلك الليلة التي يظن أنها ليلة الإسراء بقيام ولا غيره[1].
وقد اعترض الدكتور حسام عفانة في فتاواه عن النشرة التي ذكرت فضائل صيام أيام شهر رجب، وقيامه لياليه، وإحياء ليلة السابع وعشرين منه، وهي التي تسمى بليلة الرغائب، فقال:
وأما ما جاء في النشرة أنه يسن الصيام في أوله وأوسطه وآخره ويوم الإثنين والخميس فهذا الكلام ليس بصحيح، لأنه لم يثبت في فضل صيام رجب بخصوصه شيء عن النبي ﷺ ولا عن أصحابه كما قال الحافظ ابن رجب الحنبلي.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: فاتخاذه – أي شهر رجب – موسماً بحيث يفرد بالصوم مكروه عند الإمام أحمد وغيره، كما روي عن عمر بن الخطاب وأبي بكرة وغيرهما من الصحابة.
قال الحافظ ابن حجر: لم يرد في فضل شهر رجب ولا في صيامه ولا في صيام شيء منه معين ولا في قيام ليلة مخصوصة فيه حديث صحيح يصلح للحجة.
وقال الإمام المحدث ابن دحية: قال المؤتمن بن أحمد الساجي الحافظ: كان الإمام عبد الله الأنصاري شيخ خراسان لا يصوم رجباً وينهى عن ذلك، ويقول: ما صح في فضل رجب وفي صيامه عن رسول الله ﷺ شيء، وقد روي كراهة صومه عن جماعة من الصحابة رضي الله عنهم، منهم الصهر الأكرم والصاحب في الغار والرفيق الإمام أبو بكر الصديق خليفته على الأمة كلها بعد وفاته والقاتل لأهل الردة بجيوشه المنصورة وعزماته.
وكان أمير المؤمنين أبو حفص عمر بن الخطاب الذي أجرى الله الحق على لسانه ووافقه في آيات محكمات تتلى علينا من قرآنه يضرب بالدرة صوامه وينهى عن ذلك قوامه[2].
وأما الإدعاء الكاذب المذكور في النشرة وهو: [أن ليلة السابع من رجب ليلة فضيلة تسمى ليلة الرغائب ليلة نزول نطفة النبي ﷺ من والده عبد الله إلى رحم أمه آمنة] فهذا من أكذب الكذب والزور والبهتان حيث لا دليل على ذلك من الشرع.
وخلاصة الأمر أن المشروع في رجب هو المشروع في غيره من الشهور وليس لرجب أي خصوصية في صوم أو صلاة[3].
وفي كتاب الاختيارات الفقهية لابن تيمية، رد القول بتفضيل ليلة الإسراء على ليلة القدر، فقال:
أما القائل: بأن ليلة الإسراء أفضل من ليلة القدر، فإن أراد به: أن تكون الليلة التي أسري فيها بالنبي – ﷺ – ، ونظائرها من كل عام أفضل لأمة محمد – ﷺ – من ليلة القدر، بحيث يكون قيامها والدعاء فيها أفضل منه في ليلة القدر، فهذا باطل، لم يقله أحد من المسلمين، وهو معلوم الفساد بالاطّراد من دين الإسلام، هذا إذا كانت ليلة الإسراء تعرف عينها، فكيف ولم يقم دليل معلوم، لا على شهرها، ولا على عشرها، ولا على عينها؟ ! بل النقول في ذلك منقطعة مختلفة، ليس فيها ما يقطع به.
ولا شرع للمسلمين تخصيص الليلة التي يظن أنها ليلة الإسراء بقيام ولا غيره، بخلاف ليلة القدر[4].
[1] فتاوى ورسائل الشيخ محمد بن إبراهيم بن عبد اللطيف آل الشيخ (6/134)، مطبعة الحكومة بمكة المكرمة، الطبعة: الأولى، ١٣٩٩ هـ
[2] فتاوى د حسام عفانة (18/ 42)
[3] المصدر السابق.
[4] الاختيارات الفقهية لشيخ الإسلام ابن تيمية لدى تلاميذه (1/319)، جمع وإعداد: سامي بن محمد بن جاد الله، الطبعة: الثالثة، ١٤٤٠ هـ – ٢٠١٩ م (الأولى لدار ابن حزم).