هل تساءلت يومًا عن سر تخصيص الإسلام لأربعة أشهر من العام بمكانة استثنائية حيث تتعاظم الحسنات وتزداد حرمة المعاصي؟ إنها الأشهر الحرم التي تميزت بجوها الروحاني وأجوائها الداعية للسلام. وتشمل هذه الأشهر المباركة ذو القعدة، ذو الحجة، المحرم، ورجب، وقد جعلها الله تعالى زمناً للتفرغ للطاعات، وحرّم فيها القتال لتعزيز الأمن والسلم بين الناس. ولقد عرفت حتى في الجاهلية كأوقات يُحرّم فيها الظلم والعدوان.
اغتنام هذه الأشهر ليس فقط بتجنب الذنوب، بل بمضاعفة الأجر من خلال الصلاة، الصيام، الذكر، والدعاء. إنها دعوة لكل مسلم لإصلاح النفس، وتعزيز العلاقات، وطلب المغفرة من الله في زمان عظيم. ابدأ الآن باستغلال بركة هذه الأشهر الحرم. خطط لأعمال الخير، ابتعد عن المعاصي، وأطلق صفحة جديدة مع الله ومع الآخرين. فهذه فرصة لا تُعوض للتقرب من الله ونيل فضله العظيم.
الأشهر الحرم: فرصة للتقرب إلى الله
الأشهر الحرم هي إحدى المحطات العظيمة التي شرعها الله عز وجل للمسلمين، حيث خصّها بمكانة مميزة ومنحها قدسية فريدة. تشير كلمة “الأشهر الحرم” إلى أربعة أشهر من السنة الهجرية، ذُكرت في القرآن الكريم والسنة النبوية، وهي: ذو القعدة، ذو الحجة، المحرم، ورجب. وقد سُميت بهذا الاسم لأن الله حرّم فيها القتال وأمر بتجنب المعاصي والذنوب فيها، ما يعكس اهتمام الشريعة الإسلامية بترسيخ قيم الأمن والسلام.
تمثل هذه الأشهر فرصة ثمينة لكل مسلم يريد التقرب من الله بالطاعات والابتعاد عن المحرمات، لما لها من فضل كبير وتأثير على حياة الأفراد والمجتمعات. في هذا المقال، نستعرض الأشهر الحرم بتفصيل موسع يشمل جذورها التاريخية وأحكامها ومكانتها في الإسلام.
{إنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا}
الأشهر الحرم هي شهور مباركة محددة في التقويم الهجري اختصها الله ووردت في كتابه العزيز : { إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ } .. الآية (36) سورة التوبة.
جاء في تفسير السعدي : قوله تعالى: {إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ} أي: في قضائه وقدره. {اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا} وهي هذه الشهور المعروفة {فِي كِتَابِ اللَّهِ} أي في حكمه القدري، {يَوْمَ خَلَقَ السموات وَالْأَرْضَ} وأجرى ليلها ونهارها، وقدر أوقاتها فقسمها على هذه الشهور الاثني عشر [شهرًا].
{مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ} وهي: رجب الفرد، وذو القعدة، وذو الحجة، والمحرم، وسميت حرما لزيادة حرمتها، وتحريم القتال فيها. .
أما في تفسير الجلالين : ( إن عدة الشهور ) المعتد بها للسنة (عند الله اثنا عشر شهرا في كتاب الله) اللوح المحفوظ (يوم خلق السماوات والأرض منها) أي الشهور (أربعة حرم) محرَّمة ذو القعدة وذو الحجة والمحرم ورجب (ذلك) أي تحريمها (الدين القيم) المستقيم (فلا تظلموا فيهن) أي الأشهر الحرم (أنفسكم) بالمعاصي فإنها فيها أعظم وزرا وقيل في الأشهر كلها (وقاتلوا المشركين كافة) جميعا في كل الشهور (كما يقاتلونكم كافة واعلموا أن الله مع المتقين) بالعون والنصر. .
ما المقصود بـ :الأشهر الحرم”؟
هي أربعة أشهر بحسب التقويم الهجري : ذو العقدة ، وذو الحجة ، والمحرم ، ورجب . ورد في السنة النبوية عن أَبي بكرَة رضي اللَّه عَنْه عن النبِي صَلَّى اللَّهُ علَيه وسلم : ” السنَة اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ثَلَاثَةٌ مُتَوَالِيَاتٌ ذُو الْقَعْدَةِ وَذُو الْحِجَّةِ وَالْمُحَرَّمُ ، وَرَجَبُ مُضَرَ الَّذِي بَيْنَ جُمَادَى وَشَعْبَانَ .” رواه البخاري 2958
وسماه ﷺ رجب مضر، لأن بني ربيعة بن نزار كانوا يحرمون شهر رمضان ويسمونه رجبا وكانت قبيلة مضر تحرم رجبا نفسه، لذا قال ﷺ فيه “ورجب مضر الذي بين جمادى وشعبان .
قال ابن كثير رحمه الله : ” وقوله تعالى : (منها أربعة حرم) فهذا مما كانت العرب أيضا في الجاهلية تُحَرِّمه، وهو الذي كان عليه جمهورهم، إلا طائفة منهم يقال لهم: “البسل”، كانوا يحرمون من السنة ثمانية أشهر، تعمقًا وتشديدًا.
وأما قوله: “ثلاث متواليات: ذو القعدة وذو الحجة والمحرم، ورجب مضر الذي بين جمادى وشعبان “، فإنما أضافه إلى مضر، ليبين صحة قولهم في رجب أنه الشهر الذي بين جمادى وشعبان، لا كما كانت تظنه ربيعة من أن رجب المحرم هو الشهر الذي بين شعبان وشوال، وهو رمضان اليوم؛ فبين، عليه الصلاة والسلام، أنه رجب مُضر لا رجب ربيعة.
ماهو فضل الأشهر الحرم ؟
جاء في الموسوعة الفقهية الكويتية عن فضل هذه الأشهر : فضلها الله على سائر شهور العام، وشرفهن على سائر الشهور. فخص الذنب فيهن بالتعظيم، كما خصهن بالتشريف، وذلك نظير قوله تعالى: {حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى} (البقرة:238 )
قال ابن عباس: خص الله من شهور العام أربعة أشهر فجعلهن حرما، وعظم حرماتهن، وجعل الذنب فيهن والعمل الصالح والأجر أعظم، وعن قتادة: الظلم في الأشهر الحرم أعظم خطيئة ووزرا من الظلم فيما سواها، وإن كان الظلم في كل حال عظيما، ولكن الله يعظم من أمره ما شاء، فإن الله تعالى اصطفى صفايا من خلقه، اصطفى من الملائكة رسلا، ومن الناس رسلا، واصطفى من الكلام ذكره، واصطفى من الأرض المساجد، واصطفى من الشهور رمضان والأشهر الحرم، واصطفى من الأيام يوم الجمعة، واصطفى من الليالي ليلة القدر. قال قتادة: فعظموا ما عظم الله، فإنما تعظم الأمور بما عظمها الله عند أهل الفهم وأهل العقل. (تفسير الطبري).
الأشهر الحرم قبل الإسلام
الأشهر الحرم ليست من اختراع الإسلام، بل كانت موجودة منذ زمن بعيد قبل بعثة النبي محمد ﷺ. كان العرب الجاهليون يعرفون حرمة هذه الأشهر، ويعظمونها لما ورثوه من ملة إبراهيم عليه السلام.
كانوا يمتنعون عن القتال والغزو خلال هذه الأشهر، احتراما لما توارثوه من تعاليم دينية، حيث يُعتقد أن هذا التقليد كان يعود إلى عهد النبي إبراهيم والنبي إسماعيل عليهما السلام. وقد لعبت هذه الأشهر دورًا مهمًا في تحقيق الأمن والاستقرار في الجزيرة العربية، حيث كان يُسمح للقوافل التجارية بالتحرك دون خوف من الاعتداءات.
ورغم تعظيم العرب لهذه الأشهر، إلا أنهم انحرفوا عن تعاليمها أحيانًا، خاصة من خلال “النسيء“، الذي سنفصل الحديث عنه لاحقًا.
لماذا سُميت الأشهر الحرم بهذا الاسم؟
سُميت الأشهر الحرم بهذا الاسم لعدة أسباب تتعلق بمكانتها وحرمتها في الإسلام:
1. تحريم القتال فيها: جاء في تفسير قوله تعالى: “إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا… مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ” (التوبة: 36). أن القتال في هذه الأشهر محرم، وهو حكم ثابت منذ الجاهلية وأقره الإسلام.
2. تعظيمها الخاص: حرمتها تجعلها مميزة عن باقي الشهور، إذ تتضاعف فيها الحسنات كما تتعاظم السيئات.
3. دعوة للسلام والتفرغ للعبادة: في هذه الأشهر، يُشجع المسلمون على إصلاح علاقاتهم وتكثيف العبادة، بعيدًا عن الصراعات والعداوات.
سبب تسمية ذو القعدة
ذو القعدة هو أحد هذه الأشهر، وقد سُمي بهذا الاسم لأنه شهر “القعود” عن القتال، حيث كان العرب يمتنعون فيه عن شن الغارات أو الدخول في نزاعات.
• المعنى اللغوي: “ذو القعدة” مشتق من القعود، وهو ترك الحركة، مما يرمز إلى السلم والراحة بعد الشهور النشطة في التجارة والقتال.
• موقعه في التقويم الهجري: يأتي ذو القعدة بعد شوال وقبل ذو الحجة، مما يجعله محطة استعداد للحج الذي يلي مباشرة.
ماذا تعرف عن قصة النسيء؟
النسيء هو أحد الممارسات التي قام بها العرب في الجاهلية، والتي تتعلق بتأجيل أو تقديم هذه الأشهر حسب رغباتهم. وقد ورد ذكره في القرآن الكريم:
“إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ…” (التوبة: 37).
ما هو النسيء؟
• كان العرب يلجأون إلى النسيء لتغيير ترتيب الأشهر، بحيث يؤجلون أو يقدمون بعضها حسب حاجاتهم الاقتصادية أو العسكرية.
• على سبيل المثال، إذا احتاجوا للقتال في شهر محرم، كانوا يؤجلون حرمته إلى شهر آخر، وبهذا يخالفون النظام الذي وضعه الله.
الإسلام وإبطال النسيء
عندما جاء الإسلام، ألغى هذه الممارسة نهائيًا وأعاد تنظيم التقويم الهجري وفق ما أراده الله تعالى. أعلن النبي ﷺ في حجة الوداع:
“إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السماوات والأرض…”
هل في الأشهر الحرم الثواب مضاعف وكذلك الذنوب؟
من خصوصيات الأشهر الحرم أن الأعمال الصالحة تتضاعف فيها، كما أن المعاصي تتعاظم فيها أيضًا. قال القرطبي:
“إن المعاصي في هذه الأشهر أعظم والذنب فيها أشد”.
الثواب المضاعف:
• الأعمال الصالحة، مثل الصلاة والصيام والصدقة، تحظى بأجر مضاعف في هذه الأشهر.
• تعتبر هذه الأشهر فرصة لتعويض ما فات من التقصير، والتقرب إلى الله بالطاعات.
الذنوب المضاعفة:
• الذنوب والمعاصي ترتكب في هذه الأشهر تُعد أكثر إثمًا بسبب قدسية الزمان.
• قال تعالى: “فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ” (التوبة: 36)، وهو تحذير واضح من ارتكاب الظلم والمعاصي.
ماذا يجب علينا أن نفعل في الأشهر الحرم؟
لاغتنام الأشهر الحرم بشكل صحيح، ينبغي علينا اتباع النصائح التالية:
1. الإكثار من الطاعات: الصيام، الصلاة، الذكر، وقراءة القرآن.
2. الابتعاد عن المعاصي: تجنب الظلم والعدوان، مع الحرص على كف الأذى عن الآخرين.
3. إصلاح العلاقات: استغلال هذه الأشهر لتصفية القلوب وحل الخلافات بين الناس.
4. التوبة والاستغفار: فرصة عظيمة لمراجعة النفس والعودة إلى الله.
لماذا انفرد شهر رجب بعيدًا عن الأشهر الحرم؟
شهر رجب يختلف عن بقية الأشهر الحرم، حيث يأتي منفردًا بين جمادى الآخرة وشعبان.
• تعظيمه في الجاهلية: كان العرب يعظمون رجب، ويمتنعون فيه عن القتال.
• حكمة انفصاله: انفصال رجب قد يكون إشارة رمزية على استمرارية تعظيم حرمة هذه الأشهر طوال العام، وليس فقط في الأشهر المتتابعة.
الحكمة من تمييز الأشهر الحرم عن غيرها
تميزت الأشهر الحرم بالعديد من الحكم والمقاصد الشرعية، ومنها:
1. ترسيخ السلام: منع القتال يعزز الأمن والاستقرار في المجتمع.
2. تعزيز العبادة: توفير أجواء سلمية للتفرغ للعبادة والطاعات.
3. إصلاح المجتمع: دعوة صريحة لنبذ العنف والاعتداء، وترسيخ قيم التسامح.
4 من أفضل الأعمال في الأشهر الحرم
تتعدد الأعمال التي يمكن أداؤها في هذه الأشهر، ومنها:
1. الصيام: يُستحب الإكثار منه، خاصة في رجب والمحرم.
2. الصدقة: لها أجر عظيم، خاصة في الأوقات التي يحتاج فيها الناس.
3. الإكثار من الذكر: تلاوة القرآن، التسبيح، والتحميد.
4. زيارة الأرحام: صلة الرحم تُضاعف أجرها في هذه الأشهر.
هل الدعاء في الأشهر الحرم مستجاب؟
رغم عدم وجود دليل صريح على أن الدعاء مستجاب بشكل خاص في الأشهر الحرم، إلا أن الأجواء الإيمانية وروحانية الزمان تجعلها فرصة عظيمة للإكثار من الدعاء. فالدعاء في هذه الأشهر مستجاب بإذن الله، كأي وقت يدعو فيه العبد ربه بصدق وإخلاص، إذ أن الله سبحانه وتعالى يجيب دعاء من يدعوه متى كان مخلصًا ومؤمنًا بإجابته. ومع ذلك، فإن الأشهر الحرم لها مكانة خاصة في الإسلام، وهي: ذو القعدة، وذو الحجة، والمحرم، ورجب. وقد قال الله سبحانه وتعالى عنها:
“إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ” (سورة التوبة: 36).
فضل الدعاء في الأشهر الحرم:
- الأشهر الحرم زمانٌ فاضل: تُعظم فيها الحسنات وتُضاعف، كما أن السيئات فيها أعظم إثمًا. لذلك، فإن الدعاء في هذه الأشهر من الأعمال المستحبة لما فيها من بركة وأجر عظيم.
- الابتعاد عن الظلم: في الأشهر الحرم، يحث الإسلام على اجتناب الظلم بشتى أشكاله، وهذا يشمل الظلم للنفس بالمعاصي. لذا، فإن التوبة والاستغفار والدعاء تكون لها أهمية خاصة فيها.
- ارتباط الأشهر الحرم بمواسم الطاعة:
- شهر ذو الحجة: يتضمن أعظم الأيام، ومنها يوم عرفة الذي يُستحب فيه الدعاء ويُرجى فيه الإجابة.
- شهر رجب: يعد من الأشهر التي اعتاد المسلمون فيها الإكثار من العبادات والطاعات.
شروط استجابة الدعاء:
للدعاء في الأشهر الحرم أو غيرها أن يكون مستجابًا، يجب أن يتحقق فيه:
- الإخلاص لله تعالى.
- اليقين بالإجابة.
- حضور القلب والخشوع.
- الابتعاد عن المحرمات وأكل الحرام.
- الدعاء بالألفاظ التي توافق الشريعة.
نصوص تدل على فضل الدعاء عمومًا:
- قال رسول الله ﷺ: “الدعاء هو العبادة” (رواه الترمذي).
- وفي الحديث القدسي: “أنا عند ظن عبدي بي، وأنا معه إذا دعاني” (رواه مسلم).
الدعاء في الأشهر الحرم له فضل عظيم باعتبار زمانها المبارك، لكنه كغيره من الأوقات مشروط بتحقيق آداب الدعاء وأسباب الإجابة. والمسلم حريص على اغتنام هذه الأزمنة المباركة للدعاء والتقرب إلى الله بالطاعات.
كفارة الذنب في الأشهر الحرم
التوبة النصوح هي أعظم كفارة للذنوب التي تُرتكب في الأشهر الحرم. يقول العلماء إن الأعمال الصالحة من صلاة، صيام، وصدقة تُكفر الذنوب وتزيد من الحسنات.
كفارة الذنب في الأشهر الحرم تكون ككفارة الذنب في غيرها من الأشهر، لكنها تتسم بأهمية خاصة لعدة أسباب، منها عظمة حرمة الأشهر الحرم ومكانتها في الإسلام. الذنوب في هذه الأشهر تأخذ وزنًا أعظم من غيرها، ولذلك يكون الاجتهاد في التوبة والاستغفار فيها أولى وأجدر.
مكانة الأشهر الحرم وأثرها على الذنوب
- الأشهر الحرم (ذو القعدة، ذو الحجة، المحرم، ورجب) هي أشهر عظّم الله حرمتها. قال الله تعالى:
“إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ” (التوبة: 36).
يشير النص القرآني إلى تحذير خاص من الظلم، بما يشمل الذنوب والمعاصي. - الذنب في الأشهر الحرم يعتبر أعظم إثمًا، كما أن الطاعات فيها أعظم أجرًا. لذا، يُستحب الإكثار من التوبة، والاستغفار، والأعمال الصالحة.
كفارة الذنب في الأشهر الحرم
- التوبة الصادقة:
- أول خطوة في كفارة أي ذنب، سواء في الأشهر الحرم أو غيرها، هي التوبة الصادقة، التي تشمل:
- الإقلاع عن الذنب فورًا.
- الندم على ما فات.
- العزم على عدم العودة للذنب.
- إعادة الحقوق إلى أصحابها إذا كان الذنب متعلقًا بحقوق العباد.
- أول خطوة في كفارة أي ذنب، سواء في الأشهر الحرم أو غيرها، هي التوبة الصادقة، التي تشمل:
- الإكثار من الاستغفار:
- قال تعالى: “وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا” (النساء: 110).
- الاستغفار في الأشهر الحرم له فضل عظيم بسبب حرمة الزمان.
- الإكثار من الطاعات والأعمال الصالحة:
- تُكفر الذنوب بالأعمال الصالحة، مثل الصلاة، والصدقة، والصيام. قال الله تعالى:
“إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ” (هود: 114). - في الأشهر الحرم، يُستحب الاجتهاد في الطاعات، مثل صيام الأيام المستحبة أو زيادة قراءة القرآن.
- تُكفر الذنوب بالأعمال الصالحة، مثل الصلاة، والصدقة، والصيام. قال الله تعالى:
- رد المظالم:
- إذا كان الذنب متعلقًا بحقوق الناس، فإن كفارته تشمل رد الحقوق إلى أصحابها أو طلب العفو منهم.
- كفارات محددة لبعض الذنوب:
- بعض الذنوب لها كفارات محددة في الشرع، مثل:
- كفارة القتل الخطأ، وهي تحرير رقبة مؤمنة وصيام شهرين متتابعين في حال عدم القدرة.
- كفارة اليمين، وهي إطعام عشرة مساكين، أو كسوتهم، أو تحرير رقبة، فإن لم يستطع فصيام ثلاثة أيام.
- بعض الذنوب لها كفارات محددة في الشرع، مثل:
مضاعفة الجزاء في الأشهر الحرم
- يرى العلماء أن الذنوب في هذه الأشهر تضاعف إثمها، لكن لا يعني ذلك أنها لا تغفر إذا تاب العبد. بل التوبة في هذه الأشهر تُرجى أن تكون أبلغ في القبول لأن الله سبحانه وتعالى يُعظم حرمة هذه الأزمنة.
كفارة الذنوب في الأشهر الحرم تكون بالتوبة الصادقة، والإكثار من الاستغفار، ورد المظالم، والاجتهاد في الطاعات. عظمة الزمان تجعل من الواجب على المسلم أن يكون أشد حرصًا على تجنب الذنوب فيها والمبادرة إلى إصلاح ما قد يكون وقع منه.
خلاصة
الأشهر الحرم أربعة أشهر من السنة الهجرية: ذو القعدة، ذو الحجة، المحرم، ورجب، خصّها الله بفضل عظيم ومكانة مميزة في الإسلام. وُصفت بـ”الحرم” لأن الله حرّم فيها القتال وجعلها زمناً للتفرغ للطاعات والعبادات، ولتعزيز قيم السلم والأمن.
الأشهر الحرم ليست مجرد شهور عادية في التقويم الإسلامي، بل هي أوقات مقدسة تُضاعف فيها الحسنات وتتجنب فيها السيئات. هذه الأشهر هي دعوة للتأمل، والإصلاح، والعودة إلى الله. لذا، ينبغي للمسلمين أن يغتنموها بكل جد واجتهاد لتعزيز تقواهم وتحقيق السكينة الروحية.
الأشهر الحرم هي دعوة مفتوحة لكل مسلم للبدء بصفحة جديدة مع الله ومع الآخرين. إنها فرصة عظيمة للتقرب من الله بالعمل الصالح، وترك الذنوب، وتعزيز قيم الخير والسلام في المجتمع.