وسائل الرسول ﷺ في التعليم: الوسيلة بمعناها التعليمي هي ما يتوصل به المتعلم إلى تطبيق مناهج التعليم من أمور معنوية أو مادية . وقد أشارت العديد من الكتب التربوية الحديثة إلى أهمية الوسيلة التعليمية لكونها تساعد على تنمية الإدراك الحسي وسرعة الفهم وإثارة التفكير واكتساب المهارات المتعددة إضافةً إلى ما تقدمه الوسيلة.
إنها فرصة لترسيخ عناصر الدرس في أذهان الطلاب (1). وكلما أحسن المعلم في اختيار الوسيلة المناسبة والتوقيت المناسب، ساعد على تنمية معلومات الطلاب وتثبيتها في أذهانهم، فمثلاً يساعد ربط الخبرات التي يحتوي عليها الدرس مع بعضها، بحيث تعتمد الخبرة على خبرة سابقة، وتؤدي إلى خبرة تالية مع حسن التوقيت على تمكين المتعلمين من الوصول إلى مدركات أوسع وفهم أعمق وتعميمات أشمل (2) .
ما هي وسائل الرسول ﷺ في التعليم ؟
استخدم الرسول ﷺ الوسائل في تعليمه وتوجيهه لأصحابه تقريباً للمفاهيم وترسيخاً في أذهانهم. ومن الوسائل التي استخدمها الرسول ﷺ ما يلي:
أولاً: الإشارة
الإشارة وسيلة تعليمية لتوضيح الفكرة، كما أن التعليم بها أبلغ. ورسول الله ﷺ استخدم الإشارة وسيلة من وسائل الإيضاح لتقريب المعاني إلى أذهان الصحابة رضي الله عنهم. ومن ذلك ما ورد في صحيح البخاري عن ابن عباس رضي الله عنه – قال: قال النبي ﷺ: “أمرت أن أسجد على سبعة أعظم: على الجبهة – وأشار بيده على أنفه – واليدين، والركبتين وأطراف القدمين، ولا نكفت الثياب والشعر” (3).
وأيضاً ما ورد في صحيح البخاري من قوله ﷺ: ” ألا تسمعون إن الله لا يعذب بدمع العين ولا بحزن القلب ولكن يعذب بهذا – وأشار إلى لسانه -أو يرحم” (4) .قال الحافظ ابن حجر رحمه الله:” ويستفاد منه الذي يريد المبالغة في بيان أقواله بحركاته؛ ليكون أوقع في نفس السامع ” (5) .وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى:” الاكتفاء بالإشارة المفهمة عن التصريح” (6) .فالإشارة وسيلة مهمة للمعلم أثناء تعليمه لطلابه؛ لأنها تقوم مقام اللفظ والإيضاح باللسان إذا فهم المراد منها (7) ، كما أن في الإشارة: اللفظ القليل يدل على المعنى الكثير (8) ، لذا ينبغي للمعلم الحرص على استخدام هذه الوسيلة لما لها من فائدة للمتعلم فإنه قد يفهم ويستوعب مقصد المعلم من خلال حركات يده.
ثانياً: رسم الخطوط
رسم الخطوط يساعد على تقريب المفاهيم إلى السامعين لأنه يقرن بين حاستي السمع والبصر، ورسول الله ﷺ استخدم هذه الوسيلة لتقريب ما أراد توصيله إلى السامعين، ومن الشواهد الدالة على هذا ما رواه الإمام البخاري عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: خَطَّ النبي ﷺ خطاًّ مربعاً، وخط خطاًّ في الوسط خارجاً منه، وخط خططاً صغاراً إلى هذا الذي في الوسط من جانبه الذي في الوسط، وقال: هذا الإنسان وهذا أَجَلُه محيط به – أو قد أحاط به – وهذا الذي هو خارج أمله، وهذه الخطط الصغار الأعراض (9) ، فإن أخطأه هذا نهشه هذا (10) ، وإن أخطأه هذا نهشه هذا ” (11).
ومن ذلك أيضاً ما رواه الإمام أحمد والحاكم عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: “خَطَّ لنا رسول الله ﷺ خطاًّ، ثم قال: “هذا سبيل الله. ثم خط خطوطاً عن يمينه وعن شماله ثم قال: «هذه سبل قال يزيد: متفرقة. على كل سبيل منها شيطان يدعو إليه، ثم قرأ: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ} [الانعام:١٥٣] (12) .قال الملا علي القاري تعليقاً على قول عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال:” خط لنا ” أي لأجلنا تعليماً وتفهيماً وتقريباً؛ لأن التمثيل يجعل المقصود من المعنى كالمحسوس” (13) .فعلى المعلم أن يقتدي بفعل الرسول ﷺ ويسعى إلى استخدام الرسوم التوضيحية التي تشرح الفكرة أو تفسرها، وتُعنى بالترتيب وبالعلاقات بين الشكل وأجزائه وتوضح قيمة كلٍّ منهما بالنسبة للآخر (14).
ثالثاً: استخدام الأدوات المادية
الأدوات المادية الملموسة لها أثر بالغ في تثبيت المعاني في الأذهان، لذا فهي من وسائل الإيضاح المهمة في التعليم، ومما يدل على أهميتها استخدام رسول الله ﷺ لها فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: “أن النبي ﷺ غرز بين يديه غرزاً (15) ثم غرز إلى جنبه آخر، ثم غرز الثالث، فأبعده، ثم قال: “هل تدرون ما هذا؟ ” قالوا: “الله ورسوله أعلم “، قال: “هذا الإنسان وهذا أجله، وهذا أمله، يتعاطى الأمل (16) يختلجه (17) دون ذلك” (18).
وقد أشار علماء التربية إلى استخدام الأدوات المادية على أنها خبرات يتم فيها التفاعل بين الظروف الخارجية في البيئة التي يستطيع أن يستجيب إليها، سواءً كانت بيئة طبيعية أو فكرية أو نفسية أو اجتماعية. وقد قسم التربويون الخبرات التي يمكن للفرد اكتسابها من خلال استخدام الأدوات المادية إلى قسمين: خبرات مباشرة تعتمد على تفاعل المتعلم المباشر مع الشيء المراد تعليمه، كما يحدث في واقع الحياة، وخبرات غير مباشرة وهي ليست الحقيقة ذاتها، ولكنها صورة منقحة عنها (19).
فالرسول ﷺ استخدم أدوات محسوسة لتفهيم كلامه للسامعين وتقريبه إلى أفهامهم فها هو يستخدم أعواداً، لتعليمهم أن الأجل أقرب إلى الإنسان من أمله، حيث غرز العود الذي كان يمثل الأجل أقرب إلى العود الذي يمثل الإنسان من العود الذي يمثل أمله.والمعلم الناجح ينبغي له استخدام الأدوات المادية المحسوسة عند تعليمه لتقريب المعاني إلى أذهان الطلاب وتفهيمهم ما يريد توصيله إليهم.
رابعاً: التعليم بالفعل والمشاهدة
الأداء العملي النموذجي أمام المتعلمين أوقع في النفس وأثبت من القول (20) ؛ لأنه يثبت في الذهن بصور أوسع، لذا اهتم الرسول ﷺ بهذه الوسيلة لما لها من أهمية في التعليم، وبخاصة في تعليم أصحابه الأمور العملية.
ومن ذلك ما رواه عبد الله بن عمرو أن رجلاً أتى النبي ﷺ فقال: يا رسول الله كيف الطهور؟ فدعا بماء في إناء، فغسل كفيه ثلاثاً، ثم غسل وجهه ثلاثاً، ثم غسل ذراعيه ثلاثاً، ثم مسح برأسه فأدخل إصبعيه السباحتين في أذنيه، ومسح بإبهاميه على ظاهر أذنيه، وبالسباحتين باطن أذنيه، ثم غسل رجليه ثلاثاً ثلاثاً، ثم قال:” هكذا الوضوء، فمن زاد على هذا أو نقص فقد أساء وظلم – أو ظلم وأساء ” (21).
فعلى المعلم أن يقرن القول بالفعل؛ لأنه أبلغ في إيصال رسالته إلى المتعلمين، فإذا امتزج القول بالتطبيق ساعد على ترسيخ المفاهيم في أذهان المتعلمين مما يساعد على سهولة تطبيقهم لما تعلموه. ومما يؤيد ذلك ما ذكره العلامة ابن أبي جمرة الأندلسي بقوله: “الاستدلال بالأعمال أولى من الاستدلال بالمقال، لأن المقال قد يحتمل التجوز في الكلام وغيره والفعل ليس كذلك ” (22).
خلاصة
وبهذا يتضح أن الرسول ﷺ قد استخدم العديد من الوسائل التي تساعدنا على زيادة الفهم أو تؤكد المعاني، وتجسِّد المعلومات المجردة. وهذا هو بالفعل ما تقدمه الوسائل التعليمية الحديثة في عصرنا الحاضر، حيث إنها ومن خلال الاستخدام الجيد لها تساعد على استثارة اهتمام الطلاب، وإشباع حاجتهم للتعلم، كما أنها تساعد على زيادة خبرة المتعلمين وتجعلهم أكثر استعداداً للتعلم وإقبالاً عليه، هذا خلاف تنويع الخبرات والمساعدة في تكوين المفاهيم السليمة وبنائها، وتنويع أساليب التعزيز، مما يؤدي إلى تثبيت الاستجابات الصحيحة، وتأكيد التعلم، كما أن استخدام الوسائل التعليمية يؤدي إلى تعديل السلوك وتكوين الاتجاهات الحديثة (23).
ولابد من تأكيد أن المعلمين أثناء استخدامهم للوسائل التعليمية التي تعتمد على التقنية الحديثة أو غيرها يجب أن يراعوا في ذلك أن تكون منضبطة بأحكام الشرع، فلا يُستخدم إلا المشروع منها وليبتعد عما سواها..