العقاب وسيلة تربوية لكن إذا ذكر العقاب اول ما يتبادر إلى الذهن الضرب والتنكيل ولا يلزم أن يكون العقاب كذلك بل هناك جملة من الوسائل التي يمكن معاقبة المذنب والمقصر بها ليرجع إلى صوابه. هذه وقفة تربوية مع بعض وسائل العقاب لتصحيح بعض المفاهيم وتنويرها، وسنذكر جملة منها ليس فيها الضرب مطلقا، وكلها أساليب مستنبطة من هدي النبي وسيرته العطرة.

أولا: معاقبة المخطئ باللوم والتوبيخ

هذا الأسلوب من العقاب استخدم النبي – – التوبيخ ؛ حيث يُروى عن أبي ذر الغفاري – رضي الله عنه -: أنه عَيَّر رجلاً بسواد أمِّه،  قال فذكرني إلى النبي -- فقال لي:  ( أساببت فلاناً؟ )  ، قلت: نعم قال:  ( أفنلت من أمه؟ )  ، قلت: نعم، قال:  ( إنك امرؤ فيك جاهلية )  ، قلت: على حين ساعتي هذه من كبر السن ؟، قال:  ( نعم،… إلى آخر الحديث المتفق عليه وهذا اللفظ  للبخاري .

وكذلك في قصة معاذ رضي الله عنه لما كان يطيل بقومه العشاء ويقرأ بالسور الطوال “فانحرف رجل فسلم ثم صلى وحده وانصرف”. فبلغ ذلك  معاذاً  فقال: إنه منافق، فذهب الرجل للنبي فقال: يا رسول الله، إنا قوم نعمل بأيدينا ونسقي بنواضحنا، وإن  معاذاً  صلّى بنا البارحة فقرأ البقرة، فتجوّزت فزعم أني منافق، فقال النبي --:  ( يا معاذ أفتّان أنت؟ – قالها ثلاثاً) فلام معاذا هذا اللوم الشديد على خطئه هذا. وتلك لعمري عقوبة بالغة.

لكن ينبغي للمربِّي ألاَّ يُفْرط في استخدام اللوم والتوبيخ؛ على كل صغيرة وكبيرة وفي كل موقف، ولا سيما مع الصفار لما قد يكون له من تأثير سلبي عليهم.

وبعضهم يكفي في لومه على خطئه نظرةٌ قاسية، ومنهم من يرتجف فؤاده بالتلميح، ومنهم مَن لا يردعه إلا التصريح باللوم والتوبيخ، فيراعى ذلك كله.

ثانيا: الحِرْمان منَ التشجيع

من وسائل العقاب التي أرشدت إليها السنة النبوية: الحِرْمان منَ التشجيع؛ حيث يعمد المربِّي إلى حرمان مَن يعاقبه مما كان قد عوَّده من تشجيع، أو مدح، أو ثناء، وما شابه ذلك؛ يدل لهذا من سنته – – ما ترويه أم المؤمنين عائشة – رضي الله عنها – في قصة الإفك من موقف الرسول – – منها حين مرضتْ، وأنه لم يكن يزيد على قوله: ((كيف تِيكُم؟))، دون أن ترى منه – – ما كانت تراه من اللُّطْف الذي كانتْ تعرفه منه حين تمْرض.

وبهذه الطريقة في المعامَلة يضع الرسول – – أمام المربِّين وسيلة من وسائل العقاب التربوي، قد تكون من أجدى أنواع العقوبات التي يُمكن أن يعاقب بها الطفل، وأكثرها ملاءمة لنفسيته في المراحل الأولى من دراسته.

وهنالك وسائل اخرى للعقاب كالهجر والمقاطعة وفق الضوابط الشرعية، وهنالك التشهير بالمخطئ ليرتدع لقصة الرجل الذي شكى الى النبي سوء معاملة جاره له فقال له الحبيب : ((انطلق فأخرج متاعك إلى الطريق))، فجعل الناس  يقولون: “اللهم العنه، اللهم أخْزِه”، فبلغ الجار ذلك فأتى إلى الرجل، فقال: ((ارجع إلى منزلك، فوالله لا أؤذيك)) والقصة أخرجها الحاكم في المستدرك وهي دالة على أن النقد الاجتماعي اللاذع من أساليب التربية الاجتماعية في الإسلام؛ ولكن لا يُلجَأ إليه إلا عند الضرورة القصوى، ولكل حال ما يناسبه من هذه الأساليب فيراعي المربي ذلك ليضع الوسيلة التأديبة مكانها فتؤتي أكلها .