تقديم الصغيرة أو الكبيرة سواء. بل قد تكون الصغيرة أكبر من الكبيرة في الثواب. وتقديم الصغيرة أكثر لفتًا للنظر. وأكثر حفزًا لاستحضار الحديث النبوي. لو قال: (ولا ينفقون نفقة ولو صغيرة) لكان فيه إزراء بالصغيرة حيال الكبيرة!
مفتاح فهم هذه النقطة هو الحديث التالي: سبق درهم مئة ألف درهم! قالوا: يا رسول الله! كيف؟قال: رجل له مال كثير، أخذ من عُرض (طرف) ماله مئة ألف درهم فتصدّق بها؛ ورجل ليس له إلا درهمان، أخذ أحدهما فتصدّق به، فهذا تصدّق بنصف ماله! (النسائي والمستدرك).
أقوال المفسرين:
- ابن عطية (-546هـ): قدّم الصغيرة للاهتمام، أي: إذا كتبت الصغيرة فالكبيرة أحرى أقول: هذا يعني وجوب تقديم الكبيرة! وذكر الصغيرة يغني عن ذكر الكبيرة. لأن الصغيرة إذا قبلت فإن الكبيرة أحرى بالقبول!
- أبو حيان (-754هـ): قدّم صغيرة على سبيل الاهتمام كقوله: (لا يغادر صغيرة ولا كبيرة) الكهف 49، (ولا أصغرَ من ذلك ولا أكبرَ) يونس 61، وإذا كتب أجر الصغيرة فأحرى أجر الكبيرة.
- الأندلسي (-754هـ): قدّم صغيرة على سبيل الاهتمام كقوله: (لا يُغادِرُ صغيرةً ولا كبِيرةً) الكهف 49، (ولا أَصْغَرَ مِن ذلك ولا أَكبرَ) يونس 61، سبأ 3، وإذا كتب أجرًا لصغيرة فأحرى أجر الكبيرة.
- البقاعي (-885هـ): قوله: (ولا ينفقون) ولمّا كان القليل قد يحتقر، ابتدأ به ترغيبًا في قوله: (نفقة صغيرة)، ولما كان ربما تعنّت متعنت فجعل ذكرها قيدًا، قال: (ولا كبيرة) إعلامًا بأنه معتدٌّ به لئلا يُترك.
- أطفيش (-1332هـ): أباضيقدّم الصغيرة إيذانًا بأن الصغيرة إذا كتبت فالكبيرة أحرى، وبأن الصغيرة غير ضائعة، وترغيبًا في النفقة، حتى إن أفقر الفقراء يمكنه الإنفاق على قدر إمكانه.
- الألوسي (-1270هـ): ذكر الكبيرة بعد الصغيرة، وإن علم من الثواب على الأولى الثواب على الثانية، لأن المقصود التعميم لا خصوص المذكور، إذ المعنى: ولا ينفقون شيئًا ما، فلا يتوهم أن الظاهر العكس. وفي: «إرشاد العقل السليم» أن الترتيب باعتبار كثرة الوقوع وقلته، وتوسيط (لا) للتنصيص على استبداد كل منهما بالكَتْب والجزاء، لا لتأكيد النفي، كما في قوله تعالى شأنه: (ولا يَقْطَعُونَ). أقول: الترتيب ليس له اعتبار واحد!
- ابن عاشور (-1393هـ): والنفقةُ الكبيرة أدخل في القصد، فلذلك نبّه عليها وعلى النفقة الصغيرة ليعلم بذكر الكبيرة حكم النفقة الصغيرة، لأن العلة في الكبيرة أظهر.