سلط د. ياسر الحزيمي الكاتب والخبير في علم التنمية البشرية الضوء على أنواع العلاقات العلاقات الإنسانية في محاضرة بعنوان “هندسة العلاقات الإنسانية” عرضها خلال فعاليات معرض الدوحة الدولي للكتاب 2023. وأشار الحزيمي بشكل مفصل إلى تأثير مواقع التواصل الاجتماعي على العلاقات وقيمتها.
وعرفت محاضرة ياسر الحزيمي عن “هندسة العلاقات الإنسانية” حضورا جماهيريا غفيرا، أذهل الكثير من المراقبين للمشهد الثقافي في الدوحة وفي العالم العربي عموما، وأثبت بما لا يدع مجالا للشك تعطش فئات مختلفة من المثقفين وغير المثقفين خاصة الشباب منهم إلى محتوى جاد يتوافق تماما مع واقعهم، ويلبي احتياجاتهم ورغباتهم الحياتية، وهو الأمر الذي يشير أيضا إلى نفي فكرة توجه الناس وميلهم إلى متابعة “رواد عالم التفاهة” من أصحاب الحسابات المليونية في مواقع التواصل الاجتماعي، والذين يقدمون محتويات أقل ما يقال عنها أنها تافهة، ومع ذلك بلغ تأثيرهم حد العشق والهيام والتنويم المغناطيسي.
ياسر الحزيمي في محاضرته “هندسة العلاقات الإنسانية” تجاوز الجغرافيا وجمع العقول العربية في مكان واحد ليؤلف لنا منتجا معرفيا متشابها في اللغة متعاضدا على مستوى القيم. وقد ناقش جمهور محاضرة “هندسة العلاقات الإنسانية” الدكتور ياسر الحزيمي في كيفية ترميم العلاقة بين الآباء والأبناء وتوظيف العلاقات الإنسانية في مجال التربية والتعليم.
الذات بضاعة والعلاقات معارك
يشبّه الحزيمي العلاقات الإنسانية بالمعارك. ويقول أن العلاقات تدخلها معك سيف وغمد ودرع، وعليك أن تتعلم متى تشهر السيف، ومتى تغمده. كما يقول أن الذات بضاعة، فقد لا تعرف كيف تُسوّق بضاعتك الجيدة، وقد تُسوّق بضاعتك الرديئة بشكلٍ رائع. يجب أن تعرف قيمة بضاعتك.
وعن علاقة الإنسان بذاته أركان من وجهة نظر الحزيمي وهي: علاقة الفرد مع الله، ومع ذاته، ومع الآخرين، وهي مرتبةٌ حسب الأهمية، وهو ما يعني، أنّ علاقة الإنسان بنفسه أو بذاته، هي أهم من علاقاته بالآخرين. ويقول في هذا الشأن: “العلاقة مع الذات هي ألا يكون ما أنت عليه، على غير ما تُظهر ما أنت عليه”. ويضيف كلما ابتعدنا عن حقيقة ذواتنا أمام الآخرين، كلما اغتربنا عن أنفسنا بصدق. فجوةٌ نملأها بالخزي، فتنتهي بنا إلى الاكتئاب، والشعور باحتقار الذات.
“ويؤكد الحزيمي أن “معرفة الإنسان بجهله، نوعٌ من المعرفة”. وشرح ذلك في مفاهيم بسيطة تتعلق بمعان متداخلة، تُثير الحيرة، ما بين تحقير الذات والغرور بالنفس، وتلك الشعرة التي تفصل بين الثقة والغرور، والتي فسّرها بطريقة في منتهى السلاسة، من خلال تعريفه لأربع مفاهيم رئيسية تتعلق بهذه المسألة.
ففسّر الثقة على أنّها شعورٌ بالقدرة -على فعل شيءٍ ما أيّا كان- مع وجودها، أي مع وجود هذه القدرة فعلاً، وأنها تأتي من خلال لحظة بنيتها على تجارب سابقة أو تفاؤلٌ بالمستقبل، مبنيّ على أساس سليم. وفسّر الغرور على أنّه شعور بالقدرة مع عدم وجودها من الأساس. أمّا الشعور باحتقار الذات، فهو على النقيض من الغرور، فهو عدم الشعور بالقدرة مع وجودها، للأسف. وهناك مفهوم رابع وأخير، ولكنّه فارق فعلا في علاقة الإنسان بذاته، حينما يدركه، وهو الوعي، الذي يعني عدم الشعور بالقدرة مع عدم وجودها.
قد ترضى بالنّقص ولكن لا تكن ناقصا
“يقول الحزيمي” اِرْضَ بالنّقص ولكن لا تكن ناقصا”. جملة عبقرية. فيها رسالة مزدوجة لكل من هو ساخطٌ على نفسه على الدوام، ولكل من هو قانع بحاله على الدوام. والجميل أن الحزيمي، شرح كيف ينبت شعور النقص ذلك في داخلنا، بينما كنا لازلنا أطفالا، وكيف تعلّمنا من خلال تصرفات الأهل العفوية، ومع الوقت والتجارب، أنّ سعادتنا مرتبطة بإرضاء الآخرين. وأنّ كل العواطف التي حُرمنا من الحصول عليها من آبائنا وأمهاتنا، سنظل نشحذها من الآخرين، حتى وإن كانت غير حقيقية.
يقول الحزيمي إنه كلما “عملقنا” الآخرين، أي جعلنا منهم عمالقة، كلما تقزّمنا نحن، أي صرنا أقزاما. ومن يفعل العكس، فيُعملق نفسه، ويُقزّم الآخرين، فهو من أصابه الكِبر، والتعامل الصحيح هنا، هو أن نُنزل النّاس منازلها بحق.
للعلاقات الإنسانية صمغ
يقول الحزيمي أن للعلاقات الإنسانية صمغ خاص، هو تلبية الحاجات، فعلى عكس ما يظنّه الكثيرون، الحاجات أو المصالح التي يقدمها الإنسان لغيره، ممّن يهمهم أمره، هي شيءٌ أساسي في العلاقات، ومن المهم أن تتغير نظرتنا للأفكار التي تروج للمثالية في هذه النقطة، وأن نتقبل أنّنا جميعا في حاجة دائمة إلى ما قد يُقدّمه لنا الآخرون.
وقد يتساءل أحدنا: هل هناك رابطة أقوى تربطني بشخصٍ، كلما احتاج مني دعما مادياً أو نفسياً، وجدني عند حسن ظنّه؟ لا أظن. الحزيمي يرى أن بناء العلاقات قائم على تلبية الحاجات، حتى العلاقة مع الله، لحاجتنا له، والصفوة هم من أحبوه وتقربوا إليه لذاته لا لصفاته.
5 أنواع للعلاقات بين الرجل والمرأة
“ويتحدث الحزيمي أيضا عن العلاقات السيئة ويقول “أنا لا أُخاصم أحدا، ولكنّي أُغيّر رُتبته عندي”. ويشير إلى أن هناك أنواع للعلاقات بين الرجل والمرأة، وأنه “لا يكون هناك سكن لحياة الإنسان، إلا مع زوجة”. ويقول إنّ هناك 5 أنواع للعلاقات، مُرتّبة من الأفضل للأسوأ، أوّلها علاقات حيّة، وهي العلاقات السويّة التي تقوى وتضعف ولكنّها ذات أُسسٍ سليمة، وعلاقات مريضة والتي تحتاج على حد قوله، لفيتامينات من الحب والتقبّل والرحمة، كي تُصبح أفضل حالا. وهناك أيضاً علاقات مُمرضة، والتي يُطالبك فيها الطرف الآخر، بما هو فوق واجباتك، بدون أن يُعطيك حقوقك. والأسوأ من ذلك هي العلاقة الميّتة، التي يعيش فيها كل طرف بسلام مع الآخر، ولكنه سلام أشبه بالموت، فلا واجبات ولا حقوق، وبالتالي بلا مودة أو سكينة. والنوع الأخير من العلاقات، هي العلاقة المُميتة، وهي كل علاقة لا تُرضي الله، والتي دائماً ما تكون نهايتها سيئة.
نصائح في نجاح العلاقات
لا يكتفي الحزيمي بتحليل المشكلات فقط، بل يقدم نصائح عديدة لإنجاح العلاقات الإنسانية، وكل ما قد يساعد في أن يكون لنا علاقات ناجحة مع أصدقائنا وشركائنا في العمل وفي الحياة. فيقول مثلا:
- “لا تصنع العدوات، ولكن رحّب بها إن أتت، فإنسان بلا عداوات، هو إنسان بلا مبادئ”.
- جودة أداء الإنسان في علاقاته مع الآخر مرتبطة بمشاعره، أي أنّ ما نُقدّمه للآخر هو ببساطة ما نشعر به تجاهه فعلاً، إن آمنّا جميعاً بذلك، لن يجرؤ المتحجّجون بالأعذار والمُنشغلون على الدوام وسيئو الخُلق على تبرير أفعالهم تلك.
- في العلاقات، النّدية هي الأصل، يُشبّهها الحزيمي بالأرجوحة، فلابد وأن نتبادل الأدوار فيها معا، صعودا وهبوطا، بلا ظلم لأي طرف.
طرح بارز وفن في إدارة الحوار
والحقيقة أن ما يقدمه الحزيمي في مجال التنمية البشرية و”هندسة العلاقات الإنسانية” يدعو صراحة إلى التأمل والاهتمام، ولعل ما أكسبه تلك الجماهيرية والقبول، اللغة العلمية والعقلانية التي يخاطب بها الحزيمي متابعيه، فخطابه خطاب غير وعظي بحت، وغير ديني خالص، مع أنه يتضمن بين طياته كل مكونات الثقافة الإسلامية. وقد اشتهر الحزيمي في الآونة الأخيرة بشخصيته البارزة والمؤثرة، وبطرحه الجميل والسلس والمميز والجذاب للمواضيع الإجتماعية والثقافية عن طريق البودكاست.
ويقدم الحزيمي محتواه في قالب منهجي جديد وبسيط يصل بسهولة إلى المتتبع الذي بدوره لا يتوقف عند الأفكار التي يبثها الحزيمي، بل يذهب إلى ما وراءها في مسيرة البحث عن حلول. فهو مُتحدث بارع، حاضر الذهن، ويملك من البشاشة وجمال المنطق ما جعل الملايين في العديد من الدول العربية يتأثرون بكلماته التي لامست أرواحهم، ويشاركون فيديواته مع أصدقائهم.
ويُعرف ياسر الحزيمي بشخصيته القوية وأسلوبه المميز في الطرح وفن إدارة الحوار، وقد درّب وحاضر في عدد من دول العالم، خاصة العالم العربي والإسلامي، بالإضافة إلى العديد من الوزارات والجهات الحكومية والخاصة في السعودية ودول الخليج.
من هو ياسر الحزيمي؟
هو ياسر بن بدر الحزيمي، كاتب سعودي مبدع وخبير في مجال علم التنمية البشرية، له مؤلفات كثيرة تختص في هذا المجال، من مواليد 1980 بالمملكة العربية السعودية، حاصل على درجة البكالوريوس في اللغة العربية من جامعة الملك سعود عام 2001 ، ودبلوم عالي في الإرشاد العصري من جامعة الملك فيصل 2009ـ. عمل مدرسًا للغة العربية للمرحلتين المتوسطة والثانوية، ثم عمل رائدا في النشاط الطلابي، ثم أصبح مدير مدرسة، ثم مشرفا تربويا، وبعد ذلك مديرا للتدريب والمهارات بمركز التطوير بإدارة التربية والتعليم بالمجمعة.
والحزيمي حاصل على العديد من الرخص الدولية والدبلومات منها:
الرخصة الدولية في تدريب المدربين من الأكاديمية البريطانية العالمية للتدريب والاستشارات (GATC)، دبلوم في تدريب المدربين من الكلية البريطانية الأدميرال، دبلوم في الذكاء العاطفي من منظمة أكسفورد للتدريب على القيادة، مدرب معتمد للمدربين من مركز الملك عبدالعزيز، مدرب معتمد في التعلم السريع، معتمد من Depf Meyer ومرخص من المجلس الأمريكي، مدرب معتمد من الأكاديمية البريطانية لتنمية الموارد البشرية، مدرب معتمد من الاكاديمية الدولية للتدريب و التطوير INTRAC، مدرب معتمد من HBDI مقياس هيرمان للسيطرة على الدماغ، مدرب معتمد في التأثير والإقناع باستخدام نموذج NBTI، استشاري معتمد من مؤسسة British Mind Management Foundation، مدرب شخصي معتمد من البورد الأمريكي، ومدرب Debono المعتمد في TRIZ ، حل المشكلات الإبداعي.
ومن أبرز الأعمال والمهام التي قام بها ياسر الحزيمي:
- رئاسة مجمع الأندية الطلابية بإدارة التربية والتعليم بالمجمعة 1432 هـ.
- أشرف على وكالة تنمية المهارات بجامعة المجمعة حتى زماننا هذا عام 1433 هـ.
- مسؤول عن قسم التدريب والتطوير في مركز الأسرة السعيد.
- المدير السابق لوحدة قياس وتحليل الشخصية بمركز التدريب والاستشارات.
- استشاري في تحليل الشخصية في عدد من المدارس النفسية.
- عضو الأكاديمية البريطانية للتنمية البشرية وأكاديمية التدريب HRD
مؤلفات ياسر الحزيمي
ألف الحزيمي العديد من الكتب والمؤلفات، منها ما يلي:
- كيف تكسب العلاقات.
- صعود بلا قيود.
- الشخصية القوية.
- المتحدث البارع.
- رسائل وإجابات في مجالات الحياة.
- كيف تحدد تخصصك الجامعي؟
- خواطر وتأملات تختصر الكثير وتختزل التعبير.
من مقولات ياسر الحزيمي
- اذا أردت ان تميت العلاقة القديمة فقابلها بالبرود.
- العلاقات اختيار وليست اضطرار ومن الذكاء ان تختار العلاقات التي تناسبك.
- الحقد في القلب كالسم إن أخرجته قتل غيرك وإن أبقيته قتلك.
- العلاقات لابد أن تدخلها معك سيف وغمد ودرع.
وحتى تدرك مدى تأثير الحزيمي على متابعيه، ودرجة قبوله وطرحه المبهر، يكفي متابعة الحلقة التي أجراها عن “مقوّمات الصحة النفسية في العلاقاتُ الإنسانيةُ عبر بودكاست (ثمانية-فنجان) والتي حققت رقم قياسيا ببلوغها 48 مليون مشاهدة، على الرغم من أن مدة الحلقة 3 ساعات.