قال الإمام ابن عاشور في تفسيره لهذه الآية – [سورة الحشر:10] – إن جملة (يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا…) في موضع الحال من (الَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ).
وبيّن أن معنى الغل: “الحسد والبغض، أي سألوا الله أن يطهر نفوسهم من الغل والحسد للمؤمنين السابقين على ما أعطوه من فضيلة صحبة النبي- ﷺ – وما فضل به بعضهم من الهجرة وبعضهم من النصرة، فبين الله للذين جاءوا من بعدهم ما يكسبهم فضيلة ليست للمهاجرين والأنصار، وهي فضيلة الدعاء لهم بالمغفرة وانطواء ضمائرهم على محبتهم وانتفاء البغض لهم.
والمراد أنهم يضمرون ما يدعون الله به لهم في نفوسهم ويرضون أنفسهم عليه.
وقال: “وقد دلت الآية على أن حقاً على المسلمين أن يذكروا سلفهم بخير، وأن حقاً عليهم محبة المهاجرين والأنصار وتعظيمهم”.
ثم استشهد بقول مالك: “من كان يبغض أحداً من أصحاب محمد – ﷺ – أو كان قلبه عليه غل فليس له حق في فيء المسلمين، ثم قرأ (وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ…) الآية.
وعلق على قوله قائلاً:
“فلعله أخذ بمفهوم الحال من قوله تعالى (يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا…) الآية، فإن المقصد من الثناء عليهم بذلك أن يضمروا مضمونه في نفوسهم، فإذا أضمروا خلافه، وأعلنوا بما ينافي ذلك؛ فقد تخلف فيهم هذا الوصف، فإن الفيء عطية أعطاها الله تلك الأصناف، ولم يكتسبوها بحق قتال، فاشترط الله عليهم في استحقاقها أن يكونوا محبين لسلفهم غير حاسدين لهم”.
ثم أضاف:
“وهو يعني إلا ما كان من شنآن بين شخصين لأسباب عادية أو شرعية، مثل: ما كان بين العباس وعلي حين تحاكما إلى عمر… ومثل: إقامة عمر حد القذف على أبي بكرة.
وأما ما جرى بين عائشة وعلي من النزاع والقتال، وبين علي ومعاوية من القتال، فإنما كان انتصاراً للحق في كلا رأيي الجانبين، وليس ذلك لغل أو تنقص… فوجب إمساك غيرهم من التحزب لهم بعدهم؛ فإنه وإن ساغ ذلك لآحادهم لتكافئ درجاتهم أو تقاربها – والظن بهم زوال الحزازات من قلوبهم بانقضاء تلك الحوادث – لا يسوغ ذلك للأذناب من بعدهم الذين ليسوا منهم في عير ولا نفير، وإنما هي مسحة من حمية الجاهلية نخرت عضد الأمة المحمدية”.