يعتبر الإسلام الدين الأول والأسرع انتشارًا في العالم رغم كل المكائد والعراقيل ومحاولات التشويه التي تتعرض لها صورته من حين لآخر. ولكن لو ألقينا نظرة عن مسببات الدخول في الإسلام، لوجدنا أنها تحدث بعيدا عن المسرح التعليمي، بمعنى أنها قد تكون نتيجة جيرة صالحة أو معاملة حسنة أو غيرها..فأين دور المدرسة في هذا؟ سواء كان ذلك في إقناع الآخرين للدخول في هذا الدين، أو في الحفاظ على هوية أبنائنا الإسلامية في الخارج؟ ولماذا يركز المسلمون على بناء المساجد في أوروبا ويهملون بناء المدارس؟ هذا ليس انتقاصا من هذا المسعى النبيل في إعلاء كلمة الله عز وجل، ولكن بإمكان كل واحد منا أن يصلي في أي مكان من العالم، لكن لا يسعه التعلم في الشارع، خاصة وقد جعلت لنا الأرض كلها مسجدا. عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال “فضلت على الأنبياء بست : أعطيت جوامع الكلم ونصرت بالرعب وأحلت لي الغنائم وجعلت لي الأرض مسجدا وطهورا وأرسلت إلى الخلق كافة وختم بي النبيون”.

 

إن أكثر من يعتنق الإسلام من الشباب هم من البرازيل ولوكسومبرج والسويد، وطبقًا لدراسة “معهد هيتسون” البريطاني يعتنق الدين الإسلامي أكثر من 100 بريطاني كل شهر، وفي حين يبلغ عدد المساجد في بريطانيا نحو 1500 مسجد ـ خلا المساجد غير الرسمية والمصليات ـ لا يوجد مدارس كافية لتعليم أبناء المسلمين في هذا البلد، أو في غيره من البلاد الأوروبية، كفرنسا وألمانيا. فماذا لو كان في فرنسا أو بريطانيا مثلا ألف مدرسة؟ كم سيكون عدد الذين يدخلون في الإسلام شهريا؟

 

الأمير “تشارلز” ولي عهد المملكة المتحدة، صرح في إطار جولته الأخيرة في الشرق الأوسط بأنه بدأ يأخذ دروسا خاصة ليتعلم اللغة العربية، وأنه سوف يستطيع قراءة القرآن الكريم باللغة العربية في خلال 6 أشهر. فكم عدد الأوروبيين والأمريكيين الذين يجهلون اللغة العربية، بل كم عدد أبنائنا المغتربين الذين لا يعرفون حرفا عربيا واحدا ولا يحفظون آية واحدة من القرآن الكريم؟

 

لذلك يبدو لي أن التعليم سيكون التحدي رقم واحد للمسلمين في أوروبا والعالم الغربي عموما.

 

طرد 180 طالبة مسلمة في 18 شهرا

تبرز مسألة بناء مدارس إسلامية في أوروبا وفي فرنسا على وجه الخصوص، عندما نجد أنه في خلال 18 شهرا تم طرد 180 طالبة مسلمة من المدارس الفرنسية. حيث تشهد “فرنسا” دائما حالة من الجدل والضغط المتزايد حول الممارسات العنصرية التي تنطوي على منع الطالبات المسلمات من الحضور إلى المؤسسات التعليمية بالزي الإسلامي.

 

وقد ذكرت صحيفة “الإندبندنت” البريطانية أنه خلال 18 شهرًا، قام المسؤولون بالمدارس بطرد 180 مسلمة من المدرسة، بسبب التزامهنَّ بالزي الإسلامي، كارتداء الحجاب، والتنورات الواسعة، أو نحوها من الملابس الساترة. على الرغم من عدم وجود تعليمات رسمية تَمنع ذلك.

 

وفي فرنسا، وفقا لآخر إحصائية (مايو 2015)، هناك 31 مدرسة إسلامية أربع منها تستفيد من دعم الدولة. لكن مع ذلك لا وجه للمقارنة بين هذا الرقم و نحو 9000 مؤسسة كاثوليكية و 282 مدرسة يهودية في البلد نفسه.

 

وحسب تحليل برنار غودار، المتخصص في الإسلام ومؤلف كتاب “المسألة الإسلامية في فرنسا”، فإن المسلمين فضّلوا لمدة طويلة الانصراف إلى المدرسة العمومية، لكن صدور قانون 15 مارس 2004 حول حمل الرموز الدينية التي تبرز الانتماء الديني، جعل كثيرا من أبناء الجالية المسلمة يغادرون التعليم العمومي إلى التعليم الخصوصي، ولكن واجهتهم عدة مشاكل أهمها عبارة “لا يوجد أماكن شاغرة”.  ففي نانتر، تلقّت جمعية “توجيه” التي ستفتح بداية الدخول المدرسي القادم أول مدرسة إسلامية في منطقة أعالي السين، 50 طلب تسجيل مقابل 20 مقعداً متوفراً. وفي غرونوبل، رفضت مديرة مؤسسة “الريشة” إحدى أولى المدارس الابتدائية الخصوصية الإسلامية، والتي ظهرت في فرنسا قبل أربعة عشر عاماً، رفضت 60 ملفاً فيما يتعلق بالدخول المدرسي لعام 2015. وفي مؤسسة ابن رشد، الشهيرة، أُغلِق ملف التسجيل منذ ديسمبر.

نسبة المدارس الإسلامية 0.3٪

وعلى الرغم من أنه يوجد حاليا عدة مشاريع بناء مدارس إسلامية في فرنسا منها 15 مشروعا جاريا، ومن خلال محاولة فهم صعود التعاليم الإسلامية من خلال انتشار المدارس الإسلامية الخاصة، تصدمنا الأرقام وتذهلنا الإحصاءات. إذ أن نسبة المدارس الإسلامية في فرنسا لا يتجاوز 0.3٪ من جملة المدارس الخاصة في هذا البلد الذي يبلغ عدد سكانه نحو 65 مليون نسمة، ووفقا لمصادر مختلفة، ما بين 6 و10٪ من هذا العدد هم من المسلمين. فإذا وضعنا في الاعتبار وجود حوالي 9000 مدرسة خاصة، فمن المنطقي ومن الطبيعي أن تكون نسبة المدارس الإسلامية ما يقرب من 8٪ ، أي ليس أقل من 720 مدرسة، حتى الآن، المدارس والكليات والمدارس الثانوية الإسلامية في فرنسا لا تتجاوز 30 مؤسسة، وبالتالي نحن بعيدون جدا عن الـ 720.

 

وبالمقابل، تؤكد بعض المصادر الفرنسية أن هناك نحو 50 ألف فرنسي يعتنقون الإسلام كل عام، ويوجد بفرنسا حاليا 2200 مسجد، يقول رئيس المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية دليل أبوبكر أن هناك حاجة لمضاعفة هذا العدد بعد عامين، لكن لا أحد يتحدث عن مضاعفة المدارس.

 

لذلك فمن الأهمية بمكان أن نسعى كمسلمين أفراد أو كدول إلى الاستثمار بشكل جماعي وفعال في قطاع المدارس والمؤسسات التعليمية لإنقاذ أجيالنا من الذوبان في الثقافة الغربية، ولتوطيد العلاقة مع الآخرين وتعريفهم بالإسلام وبالتعاليم الإسلامية بطرق علمية صريحة ومتقدمة، فأكثر هؤلاء الغربيين قد يخافون من المسجد، نتيجة حكم انطباعي لكنهم قد لا يخافون من المدرسة.

 

وقد أثار إعجاب المواطنين الفرنسيين حصول مدرسة ابن رشد على المرتبة الأولى في نظام تصنيف المدارس السنوي، وطالبوا المدارس الأخرى بالاقتداء بالمدارس الإسلامية في تحسين مستوى وجودة التعليم. بل إن كثيرا من الفرنسيين غير المسلمين أصبحوا لا يجدون سببا في عدم إرسال أبنائهم للتعلم بالمدارس الإسلامية.

مدرسة ابن رشد الأولى في فرنسا

وقد أصبح لمدرسة ابن رشد شأن كبير، خاصة وأنها أول مدرسة ثانوية إسلامية في فرنسا. ونظرًا للطلب المتزايد من طرف أبناء الجالية المسلمة خاصة من طرف البنات المحجبات، تمّ شراء مبنى جديد للمدرسة، ساهمت قطر الخيرية فيه بمبلغ مليون يورو. ويبلغ عدد طلاب هذه المدرسة الآن 600 طالب وطالبة، وهو مرشح للزيادة خلال السنوات المقبلة، خصوصًا بعد افتتاح مدرسة إعدادية جديدة.

 

وتعدّ مدرسة ابن رشد محضنًا تربويًا يقوم على تربية الناشئة على قيم الإسلام الحضارية والإنسانية، والحفاظ على هويتهم بمستوى عالٍ من الكفاءة، وتمكين الطالبات المحجبات من مواصلة دراستهم بعيدًا عن المضايقات الناتجة عن قرار منع الحجاب.

 

واكتسبت المدرسة أهمية خاصة كونها تقع في مدينة “ليل” أقصى شمال فرنسا، التي تعدّ رابع أكبر المدن الفرنسية، وملتقى الطرق الأوروبية الكبرى، باعتبارها همزة وصل بين ألمانيا، لوكسمبورغ، بلجيكا، هولندا، اسبانيا، المملكة المتحدة، وفرنسا.

 

والحقيقة أن كثير من المدارس في فرنسا خاضت معارك طويلةً مع الهيئات المنتخَبة والسلطات العمومية التي عادة ما ترفض فتح مثل هذه المؤسسات، متعللةً بأسباب عدة، تارة صحية وتارة أمنية وتارة دينية. ومع ذلك فقد كسب المسلمون الكثير من هذه المعارك لأنه شئنا أم أبينا هناك قوانين في فرنسا وفي أوروبا عموما يمكن استغلالها لتحقيق أهداف مشروعة – على الأقل في تعليم أبنائنا-.

 

ويبدو أن هناك حركة داخل المجتمع الإسلامي في أوروبا بدأت تتحرك في هذا الاتجاه لكنها للأسف حركة بطيئة، مقارنة بنشاط بناء المساجد، كما أنها ذات أبعاد انفرادية، لا تخطط للمستقبل ولا تستند لدراسة معمقة للواقع.