“الدين والدم .. إبادة شعب الأندلس” عنوان كتاب ،ربما، هو من الكتب النادرة التي تعالج موضوع طرد المسلمين من الأندلس بكثير من الموضوعية والجرأة والانصاف، وفي الوقت نفسه بعيدا عن المعالجة العاطفية التي تغلفها مشاعر الحنين للأمجاد السالفة، ومشاعر الانكسار أمام هول الهزيمة واندثار دولة المسلمين في شبه الجزيرة الايبيرية، وهي دولة بدون شك من أعظم الدول التي عرفها التاريخ.

مؤلف الكتاب ،الذي صدرت ترجمته العربية عن هيئة أبوظبي للثقافة-مشروع “كلمة”،هو ماثيو كار، باحث وصحفي بريطاني ،له مؤلفات أخرى من أهمها “الآلة الجهنمية: تاريخ الإرهاب” ،و”أشباح شيرمان: جنود ومدنيون و الطريقة الأميركية في الحرب “.

يقول كار في مقدمة كتابه انه تعرف للمرة الأولى على قصة المورسكيين(الاسم الذي أطلق على رافضي التنصير) عام 1992 حين كان يعيش في إسبانيا “أثناء الاحتفال بمرور خمسمائة عام على سقوط غرناطة ورحلات كولومبوس. وفي خضم الاحتفال والاحتفاء بالذات التي قادها الإعلام، طوى النسيان الجانب المظلم من ماضي اسبانيا الإمبراطوري .

الاندلسيون من العرب والامازيغ والمولدين بلغ عددهم نحو 6 ملايين شخص في بداية القرن الثاني عشر لكن مع نهاية القرن الخامس عشر انخفض هذا العدد الى ما بين خمسمائة وستمائة ألف نسمة

ولم يحظ طرد المورسكيين باهتمام يذكر”ويتابع ” أما أنا فلم أتمكن من الإفلات من التأثر بمأساة هؤلاء المسلمين، الذين نصروا، والذين كانوا يتحدثون الإسبانية ويكتبون بالعربية ، والذين اعتبرهم الكاثوليك الإسبان نصارى سيئين ، واعتبرهم إخوانهم في الدين مسلمين سيئين”.
يبدأ الكتاب بإيجاز لتاريخ الأندلس منذ فتحها عام 711 على يد طارق بن زياد، ويتوقف عند سقوط غرناطة مستعرضا حروب الاستنزاف الطويلة التي سبقت حصارها عام 1491.

ويرى المؤلف أن سقوط غرناطة كان سقوطا لما أسماه حالة “الاستثناء الأيبيري” التي أقرت التعايش السلمي والقبول المتبادل بين المسلمين والنصارى واليهود ، على خلاف حالة العداء والحرب الدائمة بين المسلمين والنصارى في كل الأماكن الأخرى ، طيلة القرون التي فصل بين ظهور الإسلام حتى أوائل العصر الحديث.ويعرض الكتاب إلى أحوال المسلمين في ايبيريا كلها بعد سقوط غرناطة ، ويشير الى ان الاندلسيون من العرب والامازيغ والمولدين بلغ عددهم نحو 6 ملايين شخص في بداية القرن الثاني عشر لكن مع نهاية القرن الخامس عشر انخفض هذا العدد الى ما بين خمسمائة وستمائة ألف نسمة.

ويؤكد ان إسبانيا الكاثوليكية بعد تخلصها من اليهود بدأت بتعقب المسلمين وقمعهم واضطهادهم وإجبارهم على اعتناق النصرانية،مخضعة إياهم إلى صنوف من التعذيب والتنكيل ، انتهت بطردهم .
الكتاب يشير أيضا الى الحروب التي خاضها حكام شمال افريقيا ومسلميه ضد المدن الساحلية والسفن الاسبانية “الجهاد البحري” الذي سماه الغربيون “القرصنة، والذي استخدم ذريعة إضافية لاضطهاد الموريسكيين في الاندلس لاتهامهم بالخيانة والتعاون مع القراصنة والتخطيط للثورة بمساعدة السلطان العثماني وحكام شمال افريقيا.
يقول كار أن عملية الطرد بلغت ذروتها ونهاياتها مع اعتلاء فيليب الثالث العرش ، ويصف كيف أن الموريسكيين تعرضوا لأهوال كثيرة حتى قبل أن يغادروا بيوتهم ، فكان النصارى يهجمون عليهم لسرقة ممتلكاتهم وقتلهم في حالات كثيرة. كما تعرضوا للسرقة والاختطاف في أثناء ترحيلهم من جانب الجنود المرافقين لهم، وعلى السفن التي نقلتهم تعرضوا في حالات كثيرة للسرقة والاغتصاب ، وبعضهم ألقي في البحر أو تم بيعهم كعبيد.

في الوقت الذي يثير فيه المفكرون المحافظون أفكارا مغرضة حول”صدام الحضارات” ذلك المفهوم الذي ينصرف عموما إلى الصدام بين الاسلام والغرب”اليهودي- المسيحي” يذكرنا التدمير الوحشي للأندلس بمدى سيولة هذه المقولات

وتحت عنوان “الحساب” يعدد كار أشكال الخراب التي لحقت بإسبانيا جراء عمليات الطرد. ويشير إلى أن القرى أخليت من سكانها وتعطلت أراض شاسعة عن الانتاج ، ودخلت اسبانيا انحطاطها الاقتصادي والسياسي والاجتماعي الطويل، بعد أن كانت أرضا لأزهى الحضارات .
يقول كار”تأتي قصة الموريسكيين كمثال مروع للعواقب الوخيمة التي يمكن أن تنشأ عن دمج الجماعات بالقوة.

وفي الوقت الذي يثير فيه المفكرون المحافظون أفكارا مغرضة حول”صدام الحضارات” ذلك المفهوم الذي ينصرف عموما إلى الصدام بين الاسلام والغرب”اليهودي- المسيحي” يذكرنا التدمير الوحشي للأندلس بمدى سيولة هذه المقولات . فللوهلة الاولى لا يبدو ثمة تشابه بين السياسيين في أوروبا الديقراطية الليبرالية ، الذي يطالبون المسلمين إما بالانصياع للأفكار الاوروبية عن التسامح العلماني أو مغادرتها من ناحية ، وملوك القرن السادس عشر الكاثوليك الذين طالبوا اليهود والمسلمين باعتناق النصرانية وأحرقوهم على الخازوق حال رفضهم من ناحية أخرى، في حين أن الديناميات والفرضيات التحتية للفترتين ليست متباعدة كما قد يبدو”.
ويتابع كار حول هدفه من وضع هذا الكتاب فيقول ” هدفي.. أن أقدم قصة الموريسكيين للقراء، الذين ربما لم يسمعوا عنها شيئا. وهي قصة معقدة ومثيرة للاضطهاد الديني والثقافي والثورة والتعصب والكراهية. لكنها قصة للفرص الضائعة أيضا، والقرارات السيئة، والسياسات الرديئة، والمنظورات والإمكانات التي أهملت او أهدرت… أريد أن أقدم للقارىء العام هذا الفصل المظلم من التاريخ الإسباني، وأستخلص منه الدروس الممكنة لمأزقنا الحالي، إن وجدت .”